طلب أوروبيون يقيمون فى مصر من الزعيم مصطفى كامل، أن يلقى خطبة يشرح فيها لهم القضية المصرية، وموقف المصريين من الجاليات الأجنبية، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل- باعث الحركة الوطنية» «دار المعارف- القاهرة»: «لبى الدعوة، وألقى بمسرح زيزينيا بالإسكندرية خطبة باللغة الفرنسية يوم 13 إبريل «مثل هذا اليوم» عام 1896، كانت فوزا كبيرا له وللقضية الوطنية».
يؤكد «الرافعى» أن المسرح ازدحم بالحاضرين قائلا: «كانوا نحو ألف من خيار النزلاء من مختلفى الأجناس رجالا ونساء، ومنهم بعض الإنجليز، وفى مقدمتهم بعض القناصل والشخصيات البارزة من الجاليات الأجنبية وأعيان التجار، وجموع كثيرة من صفوة الوطنيين الذين يعرفون اللغات الأجنبية، وألقى خطبته بلغة فرنسية فصيحة، وصوت رنان، وجاهر فيها بأن اضطهاد شقيقه لا يثنيه عن جهاده، وسيظل مدافعا عن وطنه طوال حياته، واستمر يخطب ساعة ونصف، كان فى خلالها يقابل بالتصفيق والاستحسان والإعجاب، مما دل على مبلغ تأثيره فى نفوس السامعين ومعظمهم من الأوروبيين».
ويشير فتحى رضوان فى كتابه «مصطفى كامل» «سلسلة اقرأ- دار المعارف- القاهرة» إلى أن الخطبة تناولت الأحداث الجارية، والمسائل الدولية بالشرح والتعليق و«كان خطابه هذا كسابقه حملة على الاحتلال البريطانى من جهة، ودرسا للمواطنين والأجانب فى الشؤون الدولية من وجهة النظر المصرية، وتناول الشؤون الأفريقية كما تناول الشؤون الإسلامية، والمسألة الآسيوية التى تدور حول صراع دول الغرب الكبرى مع اليابان وحول الصين».
أحدثت الخطبة صدى قويا فى الصحف الأوروبية الصادرة فى الإسكندرية، ويذكر «الرافعى» تعليق جريدة «الفارد ألكساندرى»: «عندما ظهر الخطيب على مسرح الخطابة، قدم له جماعة من أبناء وطنه باقات كثيرة من الزهور دليلا على حبهم له وتأييدهم لخطته، فكان يتكلم وسط الزهور والرياحين بلسان بديع فى الفرنسية، وبأسلوب خطابى وصوت جهورى، مما أثر تأثيرا قويا فى السامعين»، وقالت جريدة «الريفورم»: «إن هذا الجهاد الذى يقوم به مصطفى كامل لجدير بالفخر، فلقد أمكنه أن يتكلم فوق ساعة ونصف بلسان أجنبى عنه، دون أن يمل سامعوه، ودون أن يستعمل ألفاظا نابية عن الذوق، وبرعاية وتحفظ تامين، ومن البديهى أن الذى يبلغ درجة كهذه لا بد أن يكون له شأن كبير».
ويعيد رضوان تأثير خطب «كامل» فى الآخرين إلى: «كل ما يقوله، وما يكتبه، تتخلله جاذبية، ويرى فيه سحر، لا تدرى بالضبط أين مصدره، فألفاظه بسيطة وصياغته سهلة، وأفكاره فى متناول الكاتبين والقائلين، وكان يفهم أن الدعاية ليست كلاما يقال ولا مؤتمرات تعقد، وإنما مخاطبة مدروسة بمصالح الذين يتحدث إليهم، يخطب فيهم، وهو عارف مشاعرهم وميولهم، فيثير فى نفوس كل منهم الاهتمام به، وكان لديه قدرة غير مألوفة على الارتجال والحديث الذى يبعد عن أسلوب الخطابة بغير إثقال على السامع، كان خفيف الظل، حسن المدخل إلى القلوب، حساسا لماحا، مجاملا يعرف الكلمة التى تستميل القلب، وتجذب السمع، مع الإقناع، وإثارة الشعور بصدقها».
وحول إشارة كامل إلى اضطهاد شقيقه فى خطبة «13 إبريل»، يوضح «الرافعى»، أن على بك فهمى كامل، كان ضابطا فى الجيش المصرى فى سواكن بالسودان، وغضب عليه الإنجليز نتيجة حملات شقيقه مصطفى ضدهم فى الصحف الأوروبية، فقدم استقالته فى أكتوبر 1895، لكن قائده الإنجليزى رفضها وهدده، فاسترد الاستقالة، ثم صدر أمرا بإحالته إلى الاستيداع فى نوفمبر وغادر سواكن إلى مصر ووصلها يوم 5 ديسمبر 1895، ويؤكد الرافعى، أن على رافق شقيقه مصطفى فى أول خطبة له بالإسكندرية يوم 3 مارس 1896، ونتيجة لنجاح هذه الخطبة وتأثيرها القوى قرروا الانتقام من «على» فاعتبروا أن الاستقالة من الجيش فى وقت إعداد الحكومة لحملة لاسترداد «دنقلة» مخالف للواجب العسكرى تستوجب محاكمته، وحدث هذا بالرغم من أنه حين علم بأمر هذه الحملة استرد استقالته بخطاب مسجل، ووضع نفسه تحت أمر وزارة الحربية، وألحق بالفعل بالأورطة الخامسة، لكن وزارة الحربية أمرت بوقفه واعتقاله ومحاكمته، وحوكم فورا أمام مجلس عسكرى قضى بتجريده من رتبته العسكرية «ملازم أول» وتنزيله إلى درجة «نفر»، وأودع السجن.
ويضيف الرافعى، أن مصطفى كامل رفع إلى الخديوى عباس حلمى الثانى تظلما بخصوص شقيقه يوم 9 يوليو 1896، فعفا الخديو عنه فى أغسطس 1896، واستاء اللورد كتشنر سردادر الجيش المصرى وقتئذ، فلم ينفذ أمر العفو إلا فى أكتوبر أى بعد شهرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة