قال البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أن تراجع دور الأسرة أدى إلى تنامى العنف، مشيرا إلى أن هناك عدة عوامل تشكل شخصية الفرد منها الأسرة، والمدرسة وغيرها، لذلك فإن الإصلاح العام يتوقف على إصلاح هذه المؤسسات، لنحقق النتائج المرجوة.
وأوضح- فى رده على سؤال لوكالة أنباء الشرق الأوسط خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده الليلة الماضية على هامش زيارته الحالية للكويت، بشأن أسباب تنامى العنف والإرهاب- أن أى إنسان يتشكل فكريا عبر 5 مصادر هى الأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والأصدقاء وأخيرا الإعلام، وبهذا الترتيب، ولكن ما يحدث حاليا عكس ذلك فالإنسان يتأثر حاليا بالإعلام أولا ثم الأصدقاء ثم المؤسسة الدينية والمدرسة وأخيرا الأسرة، وبالتالى فإن تراجع دور الأسرة أدى إلى تنامى العنف، مشيرا إلى أن الإرهابى له أسرة ونشأ فى مدرسة وتردد على دور العبادة، وبالتالى تأثر بكل ذلك فى تشكيل شخصيته، لذلك فالإصلاح العام يتوقف على إصلاح جميع هذه المؤسسات حتى نخرج بالنتيجة المطلوبة.
وأشار البابا تواضروس إلى ضرورة استخدام نفس أسلوب الشباب من أجل تعليمهم، والخطاب معهم، وحتى نتمكن من الوصول إليهم مع الابتعاد عن الأساليب واللغة القديمة، لاسيما أن لديهم تساؤلات ملحة مع ظهور العديد من المشاكل الأسرية.
وحول الأوضاع فى مصر، قال إن الإنسان فى الوضع الطبيعى يكون صحيحا، وتأتى فترات من المرض، وقد يمتد، ولكن الأساس هو الصحة، والاستثناء هو المرض، وما نراه حاليا فى مصر هو الاستثناء، وذلك لن يدوم، فالطبيعة المصرية تؤكد أن مثل هذا العنف لن يستمر، ولن تتقبلها الطبيعة المصرية بنسيجها الوطنى لذلك ما يحدث حاليا هو صورة استثنائية ستزول قريبا.
وعن إعداد منهج للمواطنة فى مصر يقوم على مبادئ المحبة والتسامح والمواطنة، أشار البابا تواضروس إلى أن هناك منهجا اهتمت به وزارة التربية والتعليم المصرية، وهو خاص بالمواطنة والأخلاق ويضم فى بعض فصولة أمور تتعلق بالإسلام وأخرى بالمسيحية، وقد شاركت فى هذا المنهج وهو أحد الوسائل التى يمكن أن تواجه الفكر المتطرف الذى يتأثر به البعض حاليا، متمنيا أن يأخذ مجاله على أرض الواقع من التطبيق.
وردا على سؤال حول ما إذ كانت هناك ضرورة لتجديد الخطاب الأخلاقى بالتنسيق ما بين الأزهر والكنيسة، قال البابا أن الأخلاق لا تتجدد وإنما يوجد اهتمام بالأخلاق والمبادئ الإنسانية، مشيرا إلى وجود "بيت العائلة" وهى المؤسسة التى نحاول من خلالها الوصول إلى المناهج الوسطية التى نحمى بها الشباب من الأفكار المتطرفة.
وفيما يتعلق باستقبال بابا الفاتيكان فى زيارته القريبة لمصر والاستعدادات لذلك وأسباب الزيارة؟، قال البابا تواضروس أن مصر تستعد لاستقبال البابا فرنسيس، وسبق أن قمت بزيارته بعد تجليسى بـ3 أشهر، موضحا أنها زيارة مكثفة تأتى تحت شعار "بابا السلام يزور مصر السلام" كما أن البابا فرنسيس أصدر مؤخرا رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعى فيها معانى طيبة نحو مصر وأهلها، مشيرا إلى أن البابا فرنسيس له مكانة رفيعة دوليا ويتكلم دائما عن السلام وزرع السلام.
وأضاف أن حرص البابا فرنسيس وتأكيده على زيارة مصر، عقب الأحداث الإرهابية الأخيرة هو شهادة لمصر وشعبها، فالحوادث التى وقعت لا يقصد بها الأقباط فى مصر وإنما "قلب" مصر وضرب وحدتها، فتلك الأحداث الإرهابية تستهدف الوطن، مؤكدا أن ذلك لن يكون له أى تأثير.
وفى سياق آخر، وبشأن انطباعه عن دولة الكويت قال أنه لاحظ الطبية والإنسانية والاهتمام بالثقافة وهذا أمر أكثر من رائع، إضافة إلى التسامح وقبول الأخر، مدللا على ذلك باحتضان الكويت لأكثر من 100 جنسية، وهو ما يسهم فى التنوع الفكرى ونبذ التطرف.
وعن الرسالة التى يوجهها إلى من يحاولون ربط الإرهاب بالدين الإسلامى، قال أن هؤلاء يعلنون إنهم يتبعون الإسلام بفهمهم الخاطئ، وهم يشوهون صورة الإسلام، لابد أن يكون هناك وقفة لهذا التشويه وهذا مسوؤلية المؤسسات الإسلامية لتصحيح هذه الصورة فأثر هذه الأفعال تطال كل المجتمع وليس الأقباط فقط.
وأكد البابا تواضروس أنه ينبغى أن تجتمع الدول وتضع حلولا جريئة لمواجهة هذا الإرهاب حتى لا يرتبط الإسلام بالإرهاب رغم أن الحقيقة والواقع إننا نتعايش معا فى سلام بعيدا عن هؤلاء.
وأشاد البابا بدور الهيئة الهندسية فى ترميم الكنائس وزخرفتها، مشيرا إلى اتاحة الدولة إقامة كنائس جديدة فى عدة مناطق، منوها بقانون بناء الكنائس، وهو ما لم يحدث منذ أكثر من 160 عاما، مشيرا إلى أن هذا القانون بحد ذاته يعد إنجازا كبيرا.
وعن رؤيته لمستقبل الوطن العربى، قال البابا تواضروس أن الهدف وراء تسمية ما حدث بالربيع العربى هو أن تعم الفوضى المنطقة العربية، ولكن الله انقذ مصر عام 2013، إلا أن تلك الفوضى طالت العراق وسوريا واليمن وليبيا، لافتا إلى أن مصر حاليا تقوم بما تستطيع للمساهمة فى انقاذ هذه الدول، وهذا يعطينا رجاء فى المستقبل، مؤكدا أن الأمور سوف تعود إلى طبيعتها فالحياة دائما تغلب الموت.
وفى ختام المؤتمر قدم البابا الشكر إلى الكويت وأميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على ترحيبه وعلى إنسانيته ولولى العهد ورئيس مجلس الأمة ورئيس مجلس الوزراء وكل المسؤولين الذين التقاهم خلال الزيارة، قائلا " كل المسؤولين الذين زرتهم فى الكويت بدون استثناء قدموا لى واجب العزاء فى شهداء الحادث الإرهاب الذى طال الكنيستين خلال احتفالات العيد"، معربا عن سعادته لزيارة الكويت، لافتا إلى زيارته لمركز جابر الأحمد الثقافى " دار الأوبرا الكويتية "، واطلاعه على الأنشطة الثقافية التى تقدمها، متمنيا أن يكون هناك تعاونا ثقافيا متبادلا بين البلدين بما يصب فى مصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية.