يستعد مجلس النواب بلجانه المختلفة لبدء المناقشات حول مشروع قانون الموازنة العامة للعام المالى الجديد 2017/2018، والتى من المقرر أن يبدأ العمل بها اعتبارا من أول يوليو المقبل، فى ظل تحديات اقتصادية هائلة قد تمثل عقبات كبيرة أمام تحقيق مستهدفاتها.
نسبة كبيرة من هذه الموازنة تعتمد على الضرائب التى يدفعها المواطنون سواء عن طريق أفراد أو شركات، وهو الأمر الذى يتطلب أن نعرف كيف سيتم إنفاق الـ1.2 تريليون جنيه هى مجموع مصروفات السنة المقبلة.
من خلال تفاصيل البيان المالى للموازنة الذى ألقاه وزير المالية بالبرلمان الاثنين الماضى، تكشف الأرقام حجم التحديات الهائلة التى تنتظر الجميع سواء الحكومة أو البرلمان، فى ظل محدودية الحيز المالى المتاح للإنفاق على الخدمات العامة والتى يأتى على رأسها الصحة والتعليم.
وتبدأ السنة المالية فى مصر أول يوليو من كل عام وتنتهى فى 30 يونيو، وينص الدستور على أن تلتزم الحكومة بعرض مشروع قانون الموازنة العامة على مجلس النواب قبل 3 أشهر من بداية السنة المالية أى فى موعد أقصاه 31 مارس من كل عام، حتى يحصل البرلمان على وقت كاف للمراجعة وإجراء التعديلات المطلوبة عليها.
من خلال ما جاء بالبيان المالى لمشروع الموازنة العامة الجديدة، فإن هيكل الإنفاق العام لم يتغير كثيرا، فمازالت فوائد الديون تلتهم حوالى ثلث نفقات الموازنة، وهو ما ينتج عن توسع وزارة المالية فى الاقتراض بصورة كبيرة سواء الخارجى أو الداخلى، بهدف سد عجز الموازنة وهو ما يحمل الموازنة مزيدا من الأعباء المثقلة التى يصعب معها الخروج من دائرة تفاقم العجز فى وقت قريب.
مصروفات موازنة السنة المالية
المصدر: بيانات البيان المالى التحليلى لموازنة 2017/2018 – وزارة المالية
ويوضح الرسم البيانى السابق هيكل المصروفات، حيث تستحوذ الفوائد التى تتحملها الموازنة العامة عن القروض المحلية والأجنبية على الإنفاق الأكبر بنسبة 31.58%، تليها مصروفات الدعم بنسبة 27.59%، وثم الأجور بواقع 19.86%، ولا ينفق على الاستثمارات العامة للدولة التى تشمل الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والصرف الصحى والطرق وغيرها سوى 11.2% فقط من مصروفات موازنة السنة المقبلة.
ورغم قيام الحكومة ممثلة فى وزارة المالية بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادى لإصلاح الخلل فى هيكل الموازنة العامة، فلم نجد فى موازنة العام المقبل تغييرا كبيرا عن الموازنات السابقة فمازالت الفوائد تأكل ثلث الموازنة والدعم يستحوذ على الربع تقريبا رغم رفع أسعار المحروقات فى نوفمبر الماضى، والاستعداد لزيادة جديدة مع بداية العام المالى المقبل، ولكن لم تنعكس زيادة الأسعار إيجابيا على مصروفات الدعم فى الموازنة بصورة واضحة فى ظل التأثير الشديد لتحرير سعر الصرف، حيث تستورد مصر احتياجاتها من المواد البترولية من الخارج بالدولار الذى ارتفع سعره من 8.88 جنيه فى نوفمبر الماضى إلى حوالى متوسط 18 جنيها بعد التعويم، وهو ما فاق تأثير زيادة الأسعار بكثير.
وبمقارنة نفقات موازنة السنة المقبلة، مع توزيع موازنة العام الجارى 2016/2017 التى أجرت وزارة المالية تعديلات فى مستهدفاتها بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادى، نجد أن أكثر أبواب الإنفاق تأثرا هو باب "الأجور" والذى تعرض لانخفاض كنسبة من إجمالى مصروفات الموازنة من 22.4% بموازنة السنة الحالية، إلى 19.86% من نفقات موازنة السنة الجديدة، وهو يعد تأثيرا مباشرا لتطبيق قانون الخدمة المدنية الذى قلص ارتفاع مصروفات هذا الباب، ويوضح الرسم التالى توزيع نفقات السنة المالية الحالية طبقا لبيانات الموازنة المعدلة التى حصلت عليها "اليوم السابع".
مصروفات موازنة 2017 2016 المعدلة
المصدر: تحليل بيانات الموازنة المعدلة للسنة المالية 2016/2017 – وزارة المالية
ويبقى عبء الدين المتمثل فى الفوائد "الصداع الأكبر" فى رأس الموازنة العامة للدولة، والذى يهدد قدرتها على الاستدامة المالية، وهو ما يتطلب معاملى مختلفة تماما مع الموازنة، بحيث لا يقتصر الأمر على استمرار عمليات الاقتراض بصورة كبيرة تشكل خطورة على الدين العام، دون أن يكون هناك ضوابط لعملية الإنفاق العام، ومن المهم خلال المرحلة المقبلة تطبيق موازنة البرامج والأداء بديلا لموازنة البنود الحالية، حتى يمكن التأكد من أن كل جنيه ينفق من موازنة الدولة التى هى أساسا من جيوب المواطنين وضرائبهم تحقق الهدف منها والذى يجب أن يكون فى نهاية المطاف هو إسعاد المواطنين.
وتعتمد موازنة البرامج والأداء على استهداف الجهات الحكومية المختلفة لخطط وأهداف واضحة بموازناتها، ويتم وضع الموازنة موزعة على البرامج المختلفة، بما يهدف فى النهاية لتحقيق الأهداف المطلوبة، وبالتالى التأكد من إنفاق الأموال العامة فى مسارها السلم، وليس مجرد رصد مبالغ بالموازنة للفنفاق على الأجور والدعم والفوائد وغيرها من أبواب الإنفاق الثابتة التى يطلق عليها "موازنة البنود" المعمول بها حاليا، والتى لا تضمن تحقيق الأهداف من الإنفاق العام.
ويوضح الرسم التالى تطور الإنفاق على الفوائد بالموازنة العامة خلال الـ10 سنوات الماضية، حيث تزيد بصورة مطردة، وبلغت نسبة الزيادة خلال تلك الفترة أكثر من 621%، مرتفعة من 52.8 مليار جنيها بموازنة 2008/2009، إلى 380.9 مليار جنيها فى موازنة السنة المقبلة 2017/2018، وهو يعادل تقريبا حجم العجز الكلى المستهدف خلال السنة.
تطور مدفوعات الفوائد بالموازنة العامة
المصدر: الموازنة العامة للدولة سنوات مختلفة – وزارة المالية
ونتيجة للاقتراض المستمر بلغ حجم الدين العام 3.5 تريليون جنيها تعادل 104% من الناتج المحلى الإجمالى بحسب تصريحات وزير المالية أمام لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب قبل أيام، وهو ما يعنى أن مصر مديونة بأكثر مما ينتجه اقتصادها القومى بأكلمه محليا وخارجيا.
وإذا كان توجه وزارة المالية خلال الفترة المقبلة هو التوجه نحو التوسع فى الاقتراض الخارجى وتقليل الاقتراض الداخلى قصير الأجل من البنوك المحلية نظرا لارتفاع أسعار الفائدة على الاقتراض المحلى المتوقع أن يصل متوسطه 18% العام المقبل، فإن هناك مخاطر كبيرة لهذا التوجه تتعلق بانخفاض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
وفى تقرير لوزارة المالية صدر عام 2014 تم نشره على الموقع الإليكترونى بعنوان: "الموازنة فى 25 سؤال وجواب"، قال التقرير: "حجم الخطورة المسموح به للدين العام ما بين 60 – 70% من الناتج المحلى الإجمالى"، وهو ما يعنى بوضوح أننا تخطينا مرحلة الخطورة بالفعل.
هذا الواقع الصعب، ربما تقلل من خطورته تدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتحقق إيرادات أكبر من قناة السويس، وعودة السياحة وتنشيط الصادرات وتحسن معدلات النمو الاقتصادى، لأن تدفق العملة الصعبة ينعكس إيجابا على الاقتصاد بشكل عام وعلى الموازنة بشكل خاص، لأنه إذا تحسن موقف الجنيه المصرى لأنه سيؤدى بالتبيعة إلى تخفيض حجم فوائد الدين الخارجى التى تثقل كاهل الموازنة العامة، كما سيقلل أيضا من نفقات الدعم سواء الموجه للسلع التموينية أو المواد البترولية التى تشتريها الحكومة بالعملة الصعبة.
التحدى أمام البرلمان كبير بالفعل، فمصروفات الفوائد تعد من قبيل النفقات "الحتمية" التى لا يمكن تقليصها باعتبارها التزامات على الحكومة لمقرضيها لابد أن تسدد فى مواعيدها، لكن ما يجب الالتفات إليه الآن هو كيفية ضبط عملية الاقتراض التى تعدت مرحلة الخطورة، والدفع فى اتجاه الإسراع بتطبيق موازنة البرامج والأداء حتى تكون جميع النفقات فى مكانها الصحيح ولا تكون هكذا دون سقف محدد، وتحقق الهدف منها بالفعل.
جدير بالذكر أنه لم يكن مسموحا للبرلمان بتعديل الموازنة العامة، فإما يقبل المجلس المشروع المقدم من الحكومة أو يرفضه بالكامل فتعيد الحكومة طرح مشروع جديد، وذلك حتى عام 2007 عندما تم تعديل الدستور فى شهر مارس، وأجاز للمجلس تعديل النفقات وفى حالة زيادتها يتم الاتفاق مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات، وهو نفس ما نص عليه دستور 2014.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة