هو موقف يتكرر كثيرا، ولست هنا لأدين أحدا أو لأبرئ ساحة أحد، لكنى فحسب أرصد هذه الظاهرة التى تتكرر كثيرا خاصة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وإعلاء شأن "الهاشتاج" الذى يظلم كثيرا ويهدم كثيرا ويشوه كثيرا، دون مراجعة للظلم أو محاولة تصحيح للهدم الذى تم، أو اعتذارا عن التشويه.
الظاهرة هى انتشار "هشتاجات" التضامن مع هذا أو ذاك، فما أن يتم اتهام أحد بتهمة حتى تخرج هشتاجات التضامن لتملأ شبكات الواقع الافتراضى وتتحول بين ساعة وأخرى لتملأ أرض الواقع، فتضيع القضية الأساسية ويتم التعتيم على أسباب الاتهام، ولم أكن لأقول هذا لو كانت أسباب الاتهام معلنة وأسباب التضامن واضحة، ولكن أن يتم الضامن دون تحقق أو تبصر فهذا ما لا يمكن قبوله.
هذه الظاهرة ذكرتنى بما كان يقوله "الكابتن" أحمد حسام "ميدو" اللاعب الشهير حينما سأله أحد المذيعين عن أسباب انفعاله على الحكام فى المباريات وافتعاله المعارك معهم فقال له أن هنا شبه اتفاق بين اللاعبين على أن يشترك كل اللاعبين فى التداخل مع الحكم أو الاشتباك مع الخصم حتى يجد الحكم نفسه مضطرا إلى التغاضى عن الواقعة الأساسية أو على الأقل التخفيف من عقوبتها لأنه لو عاقب الجميع ستفسد المباراة، وهو تماما ما حدث من بعض دعاة السعودية إزاء الاتهام الموجه إلى الشيخ الهندى "ذاكر نايك" بعد أن تلقى الإنتربول الدولى طلبًا من سلطات بلاده لضبطه بتهم غسيل أموال وتسلمه إلى نيودلهى لأن يدير قنوات تحث على الإرهاب، وبدلا من التحقق من صحة الاتهام أو عدمه بادر بعض الدعاة إلى الاشتراك فى "هشتاج" باسم "ذاكر نايك ليس إرهابيا" ليمنحوه حكما بالبراءة دون محاكمة تذكر.
بحسب التقرير الذى نشره موقع اليوم السابع فقد بدأ اسم نايك يتردد بقوة منذ عام 2015، عندما كرمته المملكة العربية السعودية ومنحته جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، الأمر الذى دفع صحفا أمريكية من بينها نيويورك تايمز لوضعه تحت ملاحظتها وانتقاد والمملكة لاتهاماته السابقة بسيطرة اليهود على أمريكا، فضلا عن استباحة دماء المرتدين، وقبل ذلك كله ادعائه بوقوف جورج بوش وراء هجمات 11 سبتمبر.
وسائل إعلام هندية من بينها صحيفة "الهند اكسبرس" نشرت تفاصيل اتهام الهند لـ"نايك" فقالت إنه متهم بالتورط فى قضايا "غسيل أموال" و"كسب غير مشروع" عن طريق مؤسساته وقنوات فضائية دينية يديرها، وذلك بخلاف تهم تتعلق بالإرهاب، بينما قررت الحكومة البنجالية، وقف مكاتب قنوات السلام التابعة له، الموجودة فى العاصمة دكا، لأنها تحث كل المسلمين على أن يكونوا إرهابيين، وفى السياق أعلنت جماعة "نمور الحسينى" الشيعية، مكافأة 8 ملايين و385 ألف ريال سعودى لمن يأتى برأسه، وعرضت الجماعة مكافاة قدرها 15 مليون روبية هندية، لمن يتمكن من قطع رأس نايك فى السعودية، لأنه أهان النبى محمد "ص" بحسب زعمها، بينمتا أعلنت زعيمة حزب "هندوتفا" الهندوسية، مكافأة قدرها 5 ملايين روبية هندية من مالها الخاص، لمن يتمكن من قتل نايك، وأوضحت: "لقد قمت بعرض هذه المكافأة لأن ذاكر نايك ليس واعظا دينيا، بل إرهابيا".
مما سبق نرى أن هناك اتهام دولى فى العديد من القضايا التى ربما تنتهى كلها إلى لا شىء وربما – أيضا – يثبت صحتها ويثبت أن "ذاكر" إرهابيا بحق أو أنه ربما يكون متورطا دون أن يعلم فى أيا من قضايا الإرهاب، وهو ما يؤكد فساد دفاع بعض الدعاة السعوديين الذين لم يتبينوا ومضوا يدافعون عنه دون تبصر فقال الداعية عائض القرنى بحسب موقع سى إن أن بالعربى: "قاتل الشعب السورى بشار الجزار الكيماوى مُحصّناً، وذاكر نايك الداعية الوسطى إرهابياً أى منطق هذا؟" وعلق عادل الكلباني، إمام الحرم المكى السابق على الوسم قائلا: "{ولن ترضى عنك..} وسطيتك واعتدالك يفضحان العدو!" بينما قال الداعية محمد العريفى عبر حسابه الشخصى على موقع «تويتر»: «الرجل داعية سلام للمسلم وغير المسلم، فيجب على الهيئات العالمية الوقوف معه نشراً للوسطية والاعتدال.
تلك الحالة تذكرنا بأخلاق القبيلة التى لا تعلى شيئا سوى إعلائها للعصبية والتعصب، ولا تقيم وزنا لشىء سوى للتقارب العرقى، ولن أقول هنا إن هذه الحالة العارمة من الدفاع عن "ذاكر" تأتى وفقا لاتفاق مذهبى لا أكثر، لكنى سأقول بكل تأكيد أن "خطة ميدو" وإن كانت تصلح لملاعب كرة القدم والخلاف حول بطاقة صفراء أو ضربة ركنية لكنها لا تصلح بالطبع فى القضايا الكبرى التى تتعلق بمصائر الشعوب أو دماء الأبرياء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة