يوما تلو الأخر يصر الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الصاخب أو الطفل المتهور، كما تصفه الصحافة الأمريكية، على المضى بخطى ثابتة نحو مصير الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذى استقال بعد سلسلة ضغوط من الكونجرس الأمريكى على إثر فضيحة تنصت كبرى على الحزب الديمقراطى سميت باسم فضيحة "ووترجيت" عام 1973.
ومع تصاعد الأحداث سريعا بالنسبة لترامب منذ أن قام بشكل مفاجئ بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى جيمس كومى، الأسبوع الماضى، تزايدت التنبؤات باتجاه الكونجرس نحو اتخاذ إجراءات بعزل الرئيس الأمريكى من منصبه استنادا على شبهات بعرقلة العدالة، لاسيما أن كومى كان مسئولا عن التحقيقات الجارية فى علاقة حملة ترامب بروسيا والتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 عبر أنشطة قرصنة إلكترونية.
بدأت التوقعات بإجراءات العزل منذ أن غرد الرئيس الأمريكى على حسابه صباح الجمعة الماضية "الأفضل لجيمس كومى أن يأمل بعدم وجود تسجيلات لأحاديثنا قبل أن يباشر الإدلاء بتصريحات للصحافة". التغريدة التى زادت الجدل اشتعالا واعتبرت تهديدا صريحا للمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالى وعرقلة للعدالة.
وأتجه خبراء قانونيون أمريكيون للقول بأن تلويحات ترامب بشأن وجود تسجيلات لكومى حتى لا يتحدث للإعلام، تدفع بقضية محتملة لعرقلة سير العدالة، التهمة التى أسفرت عن إجراءات عزل أثنين من الرؤساء فى الـ43 عاما الماضية.
ويقضى قانون التسجيلات الرئاسى لعام 1978، الخاص بإصلاح نظام ما بعد فضحية ووترجيت، بأن يحافظ الرؤساء على التسجيلات التى يجرى تسجيلها فى البيت الأبيض وأن يتم حفظها فى أرشيف التسجيلات.
ويستند القانون على قرار المحكمة العليا الأمريكية عام 1974 الذى أدى إلى استقالة الرئيس الأمريكى السابق نيكسون فى فضيحة تسجيلات ووترجيت. وقرر القضاة بالإجماع أنه لا يمكن للرئيس أن يدعى "امتيازا تنفيذيا" ضد أمر استدعاء لتسجيل مسموع فى المكتب البيضاوى.
وقال البروفسور صمويل بول، مدعى عام فدرالى سابق، إن "العرقلة" جريمة ذات طابع جاد. وأضاف "انها تتعلق بالغرض الذى تم الفعل من أجله. من الناحية النظرية، فإن محاولة تخويف أو إسكات أو حتى التأثير على شخص يحقق معك يمكن أن يكون عرقلة للعدالة ".
لكن بينما أوشك الجدل حول هذه التهديدات المتهورة على الخوف وتراجع معها الحديث عن عزل ترامب، تكشفت نقطة أكثر سخونة، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز، أمس الثلاثاء، عن مذكرة تعود لفبراير الماضى، كتبها كومى، بينما لا يزال مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالى، تفيد بأن ترامب طلب منه، إنهاء تحقيق يجريه المكتب فى احتمال وجود علاقات بين مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق مايكل فلين وروسيا.
وقالت نيويورك تايمز إن ترامب ندد خلال الاجتماع الذى دار فى المكتب البيضاوى بسلسلة من التسريبات الحكومية لوسائل الإعلام، وقال إن على مدير مكتب التحقيقات الاتحادى أن ينظر فى مقاضاة مراسلين لنشر معلومات سرية. وهو ما يمثل عرقلة لسير العدالة، الإتهام الذى يمكن أن يؤدى إلى إجراءات عزل الرئيس بحسب CNN .
وتتعدد سيناريوهات إقالة أو عزل ترامب من منصبه، التى تحدثت عنها الصحافة الأمريكية، مع تكشف فضائح الرئيس الأمريكى يوما تلو الآخر، وبات من الصعب توقع بقاء ترامب فى منصبه حتى نوفمبر 2020. ولتوقع مصير ترامب يمكن النظر إلى سوابق التاريخ الأمريكى فى هذا الصدد.
ففى عام 1998 سعى أعضاء الكونجرس إلى عزل الرئيس "بيل كلينتون"، إنذاك، بعد اتهامه بالكذب فيما يتعلق بعلاقته بمونيكا لوينسكى وتم توجيه اتهام له بالكذب فى الحلف وعرقلة سير القانون. وصوّت مجلس النواب فى 19 ديسمبر 1998 بإقالته، غير أن مجلس الشيوخ أقر فى 12 فبراير 1999 براءته. ويحتاج العزل إلى تصويت الأغلبية فى كل من مجلسى الشيوخ والنواب لصالح القرار، وبالنظر إلى سيطرة الجمهوريون على المجلسين، فربما يكون التصويت لصالح العزل صعب تحقيقه حتى يستعيد الديمقراطيون الاغلبية فى الكونجرس فى انتخابات 2018.
غير أن الجمهوريون أنفسهم باتوا يشعرون بالإحراج والغضب من الرئيس الحالى، حتى أن السيناتور الجمهورى الرفيع، جون ماكين، قال، فى تصريحات أمس الثلاثاء، إن فضائح الرئيس ترامب، العديدة وصلت إلى حجم ومستوى "ووترجيت"، الفضيحة التى أطاحت بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1973.
غير أن الكاتب الأمريكى روس دوست، أشار فى مقاله بصحيفة نيويورك تايمز، اليوم الأربعاء، إلى أن المادة 25 من الدستور الأمريكى، هى الأنسب بحيث يتم عزل الرئيس وتنصيب نائبه رئيسًا للولايات المتحدة، وهذا الإجراء يتم إذا اتفقت نصف الحكومة والنائب أن الرئيس لا يصلح للإدارة وغير قادر على القيام بمهام منصبه، مع الحصول على موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس، وهو الأمر الذى لن يواجه تحقيقه صعوبة أو تململ من قبل نواب الكونجرس الجمهوريين، نظرًا لأن نصف الحكومة الجمهورية ترى أن الرئيس غير صالح.
وما يمكن أن يدعم هذا السيناريو هو تورط ترامب مؤخرا فى كشف معلومات سرية للغاية أمام مسئولين روس خلال لقاءه بهم فى البيت الأبيض الأسبوع الماضى، حتى أن الكاتب الأمريكى، ديفيد بروكس، وصفته بأنه طفل، مشيرا إلى أن تورطه فى كشف معلومات سرية للغاية تتعلق بتنظيم داعش، لمسئولين روس يكشف عن خطورة شخص غير ناضج.
وفى هذه الحالة ينص الدستور على أن تولى نائب الرئيس صلاحيات ومهام منصب الرئيس بالوكالة. وتقول مجلة "صالون" الأمريكية، إنه على الرغم صعوبة هذه الخطوة من قبل أعضاء الكونجرس الجمهوريين والإدارة الأمريكية، فإنه ليس من الصعب تصور أن الكثير منهم بالتأكيد يفضلون مايك بينس خاصة أنه يتمتع بالخبرة والحنكة السياسية التى لن تجعله يقدم على اتخاذ قرارات دون دراسة.
وفى وقت سابق، ذهب البعض إلى طرح فكرة أكثر غرابة وربما يصعب تحقيقها داخل هذا البلد الذى يعتمد نظام ديمقراطى قوى، وهى الانقلاب العسكرى أو على الأقل رفض قادة الجيش الانصياع لأوامر معينة من ترامب، خاصة إذا كانت تتعلق بحرب نووية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة