مع حالة الركود السياحى، بدأ أهل جنوب سيناء فى البحث عن مصادر رزق أخرى، وهنا فكر البعض فى استثمار طبيعة المكان لتحويل نشاطهم إلى الزراعة فى ظل توافر العديد من النباتات الطبية النادرة فى مناطق مثل سانت كاترين على سبيل المثال.
وتتميز تربة بعض الأراضى بجودتها العالية وإمكانية استغلالها فى الحصول على أفضل أنواع المحاصيل، وهو ما حدث فعليا فى مدينة نويبع التى توسع أهلها فى تجربة «الأورجانيك»، بينما فى مناطق أخرى يسعون لتحسين مواردهم الطبيعية من خلال إنشاء بحيرات جبلية لتحول حياتهم من نقمة إلى نعمة، وفيما يلى تكشف «اليوم السابع»، كيف بدأ أهل المحافظة السياحية فى التحول إلى النشاط الزراعى.
التحول الاستراتيجى الذى بدأ لدى الأهالى لم يأت من فراغ وإنما صيرته الظروف إلى ما صار إليه، فالسياحة التى بدأت تتحول إلى نشاط متقطع لم يعد يمكن الاعتماد عليها ومن هنا كان لا بد من حل سريع يقوم به الأهالى على الفور، وقد لجأوا إلى الأرض التى اكتشفوا أن زراعتها يمكن أن تأتيهم بالخير الوفير. ويمثل توجه الأهالى إلى زراعة نوع من تنويع مصادر الدخل وهو ما كان ينقص منطقة سيناء منذ قديم الأزل فلم يعد فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية مجال للاعتماد على مصدر واحد للرزق وإن كان هذا المصدر طبيعيا.
ثورة أهل سيناء الزراعية أكسبتهم قوة اقتصاديهم جديدة وجعلتهم قادرين على استخراج محاصيل ثمينة من قاع الأرض.
أرض جنوب سيناء مازال بداخلها كنوز غير مستغلة، تحتاج لمن يهتم بها، ويسوقها ويستفيد منها، وتعتبر النباتات الطبية إحدى الثروات الواجب توفير الرعاية اللازمة لها، خاصة أنها تحولت لمصدر رزق لمئات الأسر البدوية فى تلك البقعة فى ظل الإقبال على شرائها، لا سيما أن جهودا بذلت فى هذا المضمار من أجل إقناع البعض بالإقلاع عن زراعة الممنوعات والاتجاه إلى هذا النوع فى ظل مكاسبه الوفيرة والشرعية فى أن واحد.
عموما، فإن التوسع فى زراعة النباتات الطبية بدأ مع تراجع حركة السياحة فى مناطق المحافظة، وبحث الأهالى عن موارد رزق جديدة، وبالفعل تم إنشاء عدد من المزارع المتخصصة فى هذه النباتات والأعشاب، ويتم داخلها الحافظ على شروط ومواصفات هذا النوع من الزراعة.
وتُعتبر مدينة سانت كاترين إحدى أهم المدن الرائدة فى زراعة تلك الأنواع من النباتات، كما أنها واجهة سياحية، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مشروع المحافظة على النباتات الطبية، الذى انطلق فى عام 2003 من جهاز شؤون البيئة وبتمويل من برنامج الأمم المتحدة الانمائى ومرفق البيئة العالمية، وفى عام 2008 تم تشكيل جمعية النباتات الطبية بهدف تنفيذ مشروعات تدعم المجتمع فى مجال النباتات الطبية، وإكساب مهارات الزراعة والحصاد بشكل منظم.
أحمد صالح، رئيس مجلس إدارة جمعية النباتات الطبية بكاترين، أوضح أن المسح الشامل لمحافظة جنوب سيناء على مدار سنوات أظهر وجود 472 نوع نبات طبى، منها 19 نوعا غير موجود فى العالم سوى فى جنوب سيناء، بينما يوجد 42 نوعا مهددين بالانقراض، و100 نوع ينبت فى قمم الجبال.
وحول أهمية التوسع فى زراعة النباتات الطبية.. كشف خبير الأعشاب أنه نجح بالفعل فى إقناع عدد من الأشخاص، الذين كانوا يزرعون مخدرات فى التحول إلى زراعة النباتات الطبية، وتحقيق مكاسب شرعية، وحظى باحترام أسرته ومن حوله، مضيفًا: «لا نبخل بتقديم المشورة لأى شخص يريد إقامة هذا المشروع، وأسعى لمساعدة الناس بكل قوة على كسب الحلال، فمثلا كيس المرمرية يباع بـ 15 جنيهًا، والكيلو الواحد منه ينتج 30 كيسا أى 450 جنيها، بينما سعر كيلو البانجو قد لا يتجاوز الـ200 جنيه». وأضاف رئيس جمعية النباتات الطبية أن عدد المزارع الطبية الموجودة وصل إلى 60 مزرعة، لافتًا إلى وجود فريق معه من المتطوعين يشرفون على تلك المساحات، ويقدمون الدعم والمشورة فى الرى لأصحابها، خاصة أن الزراعة تكون كلها أورجانيك «عضوى»، مضيفًا: «لو تم زرع ألف شجرة روزمارى على سبيل المثال، فإن الشجرة الواحدة تحصل على لتر مياه واحد كل ثلاثة أيام، أى أنها لا تحتاج لمياه غزيرة، وكذلك إنتاجها وفير فمثلا الطن الواحد من هذا النبات يباع بـ30 ألف جنيه، وهذا الرقم يتضاعف مع مرور السنوات، وتطور العمل فى المزارع». بعد الزراعة تأتى مرحلة التسويق، وبالفعل هذا الأمر يتم فى مركز التدريب المهنى داخل مدينة كاترين، وخصصت منصة عرض لمنتجات أعشاب طبية تم تعبئتها بشكل منظم وفاخر فى عبوات مختلفة الأحجام، إضافة لمعلبات صابون وشمع أضيف إليها خلطات عشبية. عبدالصادق محمد، مدير إدارة التضامن الاجتماعى بكاترين، أوضح أن هناك معارض لمنتجات محلية قامت بها أسر من كاترين، تم تدريبها على جمع وتعبئة النباتات الطبية بدعم من مؤسسات أهلية، وهى جمعية تنمية المجتمع المحلى.
«نويبع» تقص شريط مزارع «الأورجانيك»
الزراعة العضوية تجذب أهل المدينة السياحية.. وتوقعات بحصد المكاسب بعد 4 سنوات على مساحة عشرة أفدنة فى صحراء مدينة نويبع اختار الشاب أحمد جمعة، خوض تجربة زراعة المحاصيل الأورجانيك، بعدما شارك والده وجاره فيها، خاصة أنهم كانوا يعملون فى مجال السياحة، ويسعى جميعهم لاكتشاف مصادر رزق جديدة بالمحافظة السياحية لتكون بمثابة إنقاذ لهم ولكل أهالى المنطقة. مزرعة عائلة جمعة ليست الوحيدة فى صحراء نويبع بل يوجد مساحات كبيرة أخرى مزروعة أغلبها يتبع نظام الأورجانيك أى زراعة خالية من الأسمدة الصناعية والمبيدات والعقاقير والسلالات المحورة وراثيًا، ورغم أن التجربة لا تزال فى بدايتها لكن الجميع متحمس ويعملون بكل جهد لإنتاج محاصيل، مثل البطيخ والرمان والبرتقال والطماطم والباذنجان وغيرها.
وبشأن تفاصيل التجربة يقول المسؤول عن المرزعة الأورجانيك: «فى فترة ركود السياحة لم يكن أمامى مجال آخر لذا رحبت عندما عرض على أبى الفكرة التى طرحها أحد جيراننا فى المنطقة، وبالفعل قمنا بشراء 10 أفدنة بقيمة 300 ألف جنيه وبدأنا منذ عام ونصف العام فى زراعة المحاصيل المختلفة مثل الرمان والبطيخ وغيرها من المحاصيل»، مضيفًا: حصدنا المحصول الأول وكانت التجربة رائعة للغاية أكلنا منه وبيعنا كميات أخرى، ونضع مهلة 4 سنوات أخرى حتى يبدأ المشروع فى تحقيق مكاسب، وإذا حدث ذلك ستكون بادرة خير لكل أهل نويبع».
تجربة البحيرات الجبلية.. الاستغلال الأمثل للسيول
إنشاء 177 بحيرة فى عامين يحول السيول من نقمة لنعمة.. والخلاف مع «الآثار» يؤرق القائمين على المشروع هددت السيول محافظة جنوب سيناء فى السنوات الماضية كثيرًا، وأحدثت أضرارا بالغة فى العديد من مدنها لكن البعض فكر فى استغلال مياهها خاصة فى الأماكن المصابة بندرة الموارد المائية، وبالفعل كانت هناك تجربة ناجحة فى مدينة سانت كاترين والتجمعات التابعة لها فى عام 2015 حيث تم إنشاء بحيرات جبلية لحجز وتخزين المياه المهدرة.
وفقًا لنائب رئيس مدينة سانت كاترين خالد سلامة فإن فكرة إنشاء بحيرات جبلية فى المناطق المتفرقة بالمدينة جاءت بعد زيارة الدكتور حسام مغازى وزير الرى والموارد المائية السابق للمحافظة فى عام 2015. وقال نائب رئيس مدينة كاترين: «تنفيذ المشروع بدأ بمعرفة مجلس المدينة وبتمويل ودعم فنى من المنظمة العربية للتنمية الزراعية وبمشاركة فنية من بحوث الموارد المائية فى المحافظة»، مضيفًا: «حتى الآن تم تنفيذ عدد 177 بحيرة فى كاترين والتجمعات التابع لها والبالغ عددها 44، وبالنسبة للتفاصيل الفنية لهذا المشروع كشف أشرف النمر، كبير الفنيين بمعهد بحوث الموارد المائية بالمحافظة، أن المشكلة التى تقابلهم فى التنفيذ تتمثل فى تعدد جهات الولاية وعلى سبيل المثال يريدون تنفيذ بحيرة جبلية فى منطقة المروة التابعة لمدينة كاترين لكن الآثار أوقفتها باعتبارها منطقة أثرية، مشيرًا إلى أن المقاولين ينتظرون الجواب النهائى من أجل بدء العمل حتى هذه اللحظة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة