الملك الظاهر
منذ اللحظة الأولى التى تولى فيها بيبرس السلطة، عقب وفاة قطز، بدأ عهداً جديداً فى تاريخ مصر، تقرب فيها إلى العامة والخاصة فقرب إليه كبار الأمراء ورجال الدولة، ومنحهم الألقاب والإقطاعيات، كما أعاد ترتيب شئون الدولة، فقرر إلغاء الضرائب وأطلق سراح السجناء. وصفه المؤرخون بأنه كان شجاعاً بطلاً، نظراً لانتصاراته العسكرية على المغول والصليبيين وإعادته الخلافة العباسية فى القاهرة عوضاً عن بغداد، التى دمرها المغول سنة 1258م، وإعادته صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر، بعد أن كانت قد أبطلت منذ عهد صلاح الدين الأيوبى، بالإضافة إلى الإصلاحات الإدارية والاجتماعية التى حققها فى البلاد، وإشرافه على تظلمات الناس بنفسه، حيث يقال إنه كان ينزل متنكرا ويطوف بالشوارع للتعرف على أحوال الفقراء، حتى لقبه البعض بــ"أبو الفقراء والمساكين"، وكان يشارك الجنود فى حفر الخنادق وجر المجانيق، فكانت سيرته ملحمة للبطولة يتغنى بها الشعراء.
العمارة فى عصر الظاهر بيبرس
وعلى الرغم من كثرة حروبه مع التتار والصليبيين إلا أن الانشغال بالسياسة لم يمنعه من الاهتمام بالعمارة، والتى كان أهمها إنشاء مسجده فى ميدان الظاهر، والذى أنفق عليه ما يزيد على الألف ألف درهم فى الفترة بين عامى 665 ـ667 ه، ليكون تحفة معمارية شاهدة على روعة البناء فى العصر المملوكى، ويعتبر مسجد الظاهر بيبرس ثانى أكبر مساجد مصر بعد أحمد بن طولون، وأنشئ على مساحة ثلاثة أفدنة تقريباً، واستخدمت فى بنائه قواعد من الأحجار الملونة، والتى كانت تعرف عند البيزنطيين وفى الأناضول السلجوقية وفى سوريا الأيوبية، قبل أن يشيع استخدامه فى العمارة المملوكية.
تتميز الواجهات الخارجية للمسجد بالبساطة والهدوء وعدم الإسراف فى الزخارف، حيث شكلت الواجهات الخارجية باستخدام فتحات فى النوافذ بالجزء العلوى من الواجهة وضعت به قمريات جصية بأشكال هندسية وتنتهى الواجهة بكورنيش تتوسطه شرفات مسننة، ولم تستخدم القواصرات التى شاعت فى العصر الفاطمى والأيوبى فى الواجهة، بل تركت عارية من الزخارف مع التركيز على منطقة المدخل فقط باستخدام القواصرات والرصائع التى تشكلت بزخارف نباتية وهندسية، أما المدخل السرى للجامع فكان يدخل منه السلطان بيبرس لأداء الصلاة، حتى لا يعترضه أحد، وموقعه أمام إيوان القبلة، وهو بسيط لا يحمل ملامح العظمة والأبهة السلطانية.
مراحل صمود المسجد فى مواجهة الاحتلال
مر المسجد بمراحل من الإهمال واستخدم فى أغراض كثيرة، حيث كان قلعة حربية فى عهد الحملة الفرنسية على مصر، وتعرض لهدم جزء من مئذنته وأطلق عليه اسم قلعة سيكونسكى، ثم تحول فى عصر محمد على إلى معسكر لطائفة التكارنة السنغالية، ثم مصنع للصابون، وأخيراً تحول إلى مذبح فى عهد الاحتلال الإنجليزى، كما تحول صحن الجامع إلى مخبأ للاحتماء من الغارات الجوية أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام1956.
وفى ٢٠٠٧ بدأ المجلس الأعلى للآثار، بالتعاون مع دولة كازاخستان، إعادة ترميم المسجد، بتكلفة حوالى ٥٢ مليون جنيه، قدمت منها كازاخستان 4.5 مليون دولار، وشملت فك أرضية المسجد والحوائط والأكتاف والعقود وإزالة الإضافات الخرسانية التى أضيفت للمسجد وشوهته فى عصور سابقة، وحقن الحوائط وتأسيس التربة، بالإضافة إلى معالجة مشاكل المياه الجوفية وإقامة حوائط المئذنة والأعمدة والأيونات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة