بين صيفين من يوليو 2016 إلى يونيو 2017 واجهت بريطانيا صدمتين، أو بمعنى أدق واجه المحافظون صدمات على عكس التوقعات، جاءت الصدمة الأولى عندما صوتت أغلبية البريطانيين لمغادرة الاتحاد الأوروبى، وهو استفتاء دخله رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، وهو يراهن على أن البريطانيين سيصوتون لصالح البقاء فى الاتحاد.
النتيجة جاءت مع الخروج، ودفعت رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، الذى اعتبر البريكست هزيمة لتقديم استقالته، وتولت بعده تريز ماى زعامة حزب المحافظين، ورئاسة الوزراء، وقررت تدعيم موقفها بانتخابات مبكرة، تصورتها جولة سهلة، دعت تريزا ماى لانتخابات مبكرة، تمنحها الشرعية المطلوبة قبل بدء مفاوضات الخروج الرسمية من الاتحاد الأوروبى بعد أيام وخلال شهر يونيو الجارى.
استطلاعات الرأى توقعت فوز «تاريخى» لزعيمة حزب المحافظين، لكن النتائج كررت صدمة كاميرون، لم يحصل حزب المحافظين على الأغلبية فى مجلس العموم، حصل على 318 مقعدا من 650 بالمجلس، وهو يحتاج إلى 326 مقعدا ليشكل الحكومة منفردا، بينما حقق حزب العمال بزعامة جريمى كوربين تقدما وحصل على 262 مقعدا بزيادة 30 مقعدا.
ومادام لم يحصل أى حزب على أغلبية النصف زائد واحد، سيضطر المحافظون إما لتشكيل حكومة أقلية هشة، أو الدخول فى تحالف مع عدد من الأحزاب، لكن الوقت ليس فى صالح رئيسة الوزراء، التى يتوقع أن تبدأ مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، والتى تبدأ 19 يونيو الجارى.
تيريزا ماى كانت تبحث عن «تفويض شعبى» فى مفاوضات «البريكست»، من خلال دعوتها للانتخابات المبكرة، لكنها الآن تواجه مطالب وضغوطا للاستقالة، باعتبارها ارتكبت «أخطاء استراتيجية وجوهرية»، كما يرى بعض المحافظين. خاصة أن هناك كابوس الحزب القومى الأسكتلندى الذى يطالب باستفتاء ثان للانفصال عن المملكة المتحدة، باعتبار أن أسكتلندا صوتت للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبى.
ربما تكون نفس الأسباب التى دفعت البريطانيين للتصويت مع الخروج من الاتحاد الأوروبى، هى نفسها التى أعادت حزب العمال ليصعد مع جيرمى كوربن، نفس الحزب الذى تدهور وخسر الكثير من أوراقه بعد تونى بلير، والذى اتهم بأنه سار خلف اليمين الأمريكى فى غزو العراق، بينما كان كاميرون تابعا لأوباما وسياساته التى أنتجت مزيدا من الفوضى.
كان تصويت بريكست إعلانا للاحتجاج على الهجرة، وضد الإجراءات المصرفية، وضد مؤسسات الاتحاد الأوروبى، لكن الخروج يضر الاقتصاد البريطانى، ويمكن أن يدفع أسكتلندا للانفصال، هناك قطاعات من رافضى الأجانب ترى أن الهجرة التى تضاعفت ثلاث مرات، وحق الانتقال بين دول الاتحاد حرم البريطانيين من فرص العمل.
بريطانيا وأوروبا أمام تحولات تنبئ بإجراءات اقتصادية وسياسية، ومثلما راهن كاميرون على الاستفتاء ليضمن البقاء فى الاتحاد، فإذا بالنتائج تطيح به، وتبدو تريزا ماى هى الأخرى فى مواجهة صيف صعب، ضمن لعنة الخروج من الاتحاد الأوروبى.