إذ كنا نتحدث عن الحياة، فنحن إنما نغوص في أعماق معاني الخير والبركات التي وهبها الله ـ تبارك اسمه ـ للإنسان لكي ما يعيش في كرامة إنسانية تليق به كخليقته، وإذا كانت الاضطرابات والتخبطات والظلمة التي تحمل معها ملامح الموت قد انتشرت في العالم، فإنما هي زائلة لا محالة، ومن دون شك، فإن كل ما هو خير إنما هو من الله ، ولا بد له أن ينتصر ويثبُت ؛ وهٰذا ما حملته لنا صفحات التاريخ إذ على الرغم من اتشاح عدد غير قليل منها بالسواد وبرائحة الموت وعَبَق الظلم، فإنها قد أمسَت عهودًا مضت، ليقدِّم صفحات أخرى تحمل في طِياتها إشراقة الحياة ومعناها الحقيقيّ .
إذ كنا نتحدث عن الحياة، فنحن نرفع من شأن المحبة التي عرفها الإنسان، وتعلَّم أول أحرفها من الله، عندما خلق الإنسان من أجل إسعاده ، ولأنْ يكون تاج الخليقة وخليفته على الأرض من أجل إعمارها ، بالحب والتكامل ، دون النظر في تنوع اللون أو الدين أو الجنس أو العرق؛ فإن الجميع بشر قد أحبهم الله وخلقهم في محبته من أجل الحياة ، وهو الوحيد ـ جل شأنه ـ من له حق محاسبة كل إنسان عما قدمه في حياته.
وإذ كنا نتحدث عن الحياة، فنحن نرسُم بالكلمات معنى السلام ؛ وواجبنا أن نقدم تلك الكلمات في أعمال ظاهرة وواضحة تسعى بالخير نحو الجميع، بأن تكون لنا أيدٍ ممتدة لتسنُد الآخرين ؛ فمن تقف خطاهم عند الأحرف والكلمات هم كالذين يقفون على شاطئ الحياة دون الإبحار فيه فتَضحَى أيامهم كمن جاءوا ومضَوا دون أن يُدركوا معنى ما وُهب لهم من حياة، أو دون أن يعيشوها .
وإذ كنا نتحدث عن الحياة، فنحن نرفض أن تُغتال سعادة إنسان أو براءته أو حقه في الحياة؛ فكل منا قد وُجد من أجل تكميل تلك الصورة الجميلة التي أوجدها الخالق، فلا تحاول ـ أنت المخلوق ـ أن تغير من ملامحها. إن كنت ترغب حقًّا في الحياة، فلا تظلم، ولا تقسو، ولا تُتعب البشر، بل كُن نسيمًا رقيقًا يحمل عنهم أتعابهم وآلامهم، وحينئذ تجد أنك قد عشت حقًّا حياة رائعة، والأروع من ذٰلك أنك تنعم بالسعادة الحقة على الأرض وفي السماء.
الحديث عن الحياة هو حديث لا ينتهي، ولٰكنني أتوقف عند تلك الكلمات :
الحياة رحلة يسير كل منا على دُروبها
ربما خطواتك تتعرض للتعثر أو التوقف
تؤازرك أضواؤها وتغشاك ظلمتها أزمانًا وأيامًا
لٰكن تذكَّر في مسيرة دربك أنك إنسان!!
وهب لك الله القدير كل لحظة للحياة
لم تُخلق من أجل موت بل للحياة
لم تُخلق من أجل ظلم أو إهانة بل لتنعم بالسلام
فتعلَّم يا صديقي كيف تصبح إنسانًا!!
إن للتيه ثمنًا قد يكون معنى الوجود فإن فقدت الدرب يومًا
فعُد سريعًا كما خُلقت سائرًا بالمحبة على الدُّروب
وستمضي أيامنا فنرحل لملاقة رب العباد
تتقدمنا رحلة أيامنا وما جنَينا فيها من ثمار
لتكُن لك ثمار الحياة فأنت قد خُلقت للحياة
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ