كان ذلك قبل أكثر من ربع قرن.. طوت طهران وبغداد حينها صفحة دامية لثمانية سنوات من قتال خسر خلاله مرشد إيران الراحل آية الله خمينى، ما هو أكثر من عتاد واقتصاد وجنود. كانت المؤشرات والأرقام ترجح كفة المرشد الساعى إلى تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار دون احترام لما هو قائم من ممالك وإمارات ودوواوين حكم، ودون إدراك لطبيعة الشعوب السنية التى تشكل الكتلة الأكبر لدول الخليج.
وقفت إيران وهى تطلق الرصاصة الأولى فى حرب الخليج محتمية بحصون الجغرافيا المعقدة، ومطمئنة لما تملكه من عمق استراتيجى وتعداد يقارب 3 أضعاف العراقيين فى ذلك الحين ، إلا أن الجهة المقابلة كان بين صفوفها رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه، ومن بين رجالها ملوك وأمراء كانوا يعلمون جيداً كيف يتحد الصف، وكيف يقدم الأمن القومى العربى عما دونه من أولويات ومصالح ذاتية.. وقبل ذلك كله، لم يكن من بينهم أمير يخون ويفتح بلاده ثغره يتسلل من خلالها المتآمرون على أمن الخليج مثلما فعل تميم بن حمد راعى الإرهاب الأولى فى الشرق الأوسط.
ومنذ أن آلت حرب السنوات الثمانى إلى ختام، وحتى اندلاع فتنة الخليج الكبرى بين قطر والدول العربية، قطعت إيران رحلة طويلة عمرها 26 عاماً كاملة، بدأت بالهزيمة وانتهت بالتسلل إلى داخل البيت الخليجى عبر ثغرة الدوحة ، حين آثر تميم بن حمد الرهان على طهران نكاية فى دول الجوار داخل الخليج العربى، فى انسلاخ لافت عن الجماعة العربية، وفى خروج عن الصف العربى الموحد فى حروبه ضد الإرهاب والتطرف.. خرج صدام حسين منتصراً، فيما تجرع المرشد الإيرانى كؤوس الهزائم واحداً تلو الآخر قبل أن تفتح الدوحة وطهران الصفحات الأولى من كتابهما الأسود الذى سطر تفاصيل كثيرة من المؤامرات والخيانات فى حق الدول العربية كافة ودول الخليج على وجه التحديد.
سنوات العمالة فضحتها لحظات الارتباك، فخرج الأمير تميم بن حمد بتصريح شاذ تطاول خلاله على الدول العربية الكبرى وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات مقابل الإشادة بإيران ووصفها "بالدولة ذات الثقل الإقليمى والإسلامى الذى لا يمكن تجاهله"، وتأكيده على أنها "قوة كبرى تضمن الاستقرار فى المنطقة عند التعاون معها".
وما بين محاولات النفى والسقوط فى دومات العزلة العربية، وبعد ثلاثة أيام من إعلان غالبية الدول العربية مقاطعتها الدبلوماسية لقطر، تكشفت ملامح العلاقة المشبوهة بين الدوحة وطهران، بعدما أكدت مصادر قطرية فجر الأربعاء تسلل عناصر من الحرس الثورى الإيرانى إلى داخل الحدود القطرية، وإشرافهم بشكل كامل على تأمين قصر الأمير تميم بن حمد بعد تسلمهم ملابس مطابقة لذى الحرس الأميرى القطرى.
علاقات ما وراء الستار بين قطر وإيران، وتحديداً الإمارة وقطاع الحرس الثورى، لم تبدأ حين قرر الأمير تميم تسليم رقبته للمليشيا الشيعية لتتولى حمايته من شعبه الذى يقف على مشارف ثورة شعبية عارمة، وإنما بدأت قبل عقود، تحديداً فى عهد الأمير الوالد الذى كان واضحاً فى انحيازه نحو بناء علاقات قوية مع طهران ومرشدها الأعلى آية الله خامنئى.
فى بدايات عام 2010، كانت الدوحة تطرق أبواب إيران طمعاً فى نفوذ زائف ومكانة تعجز عن ملئها فى الخليج العربى، حيث زار أمير قطر السابق طهران، والتقى بالمرشد خامنئى، وقتها وقع خلال الزيارة اتفاقية أمنية أعقبها تبادل للزيارات بين مسئولو البلدين، ومن بينهم وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية العميد أحمد وحيدى قطر الذى وقع مع قائد أركان القوات المسلحة القطرية اللواء حمد بن على العطية على وثيقة التعاون الدفاعى بين البلدين.
ولم يقف التعاون العسكرى عند هذا الحد بل كشفت طهران عام 2013 أن الدوحة لجأت إلى القوات الإيرانية، لتدريب خفر السواحل القطرية فى مجال مكافحة المخدرات من قبل القوات الإيرانية، فضلا عن مناورات لقوات خفر السواحل الإيرانية ونظيرتها القطرية تم الإعلان عنها على هامش انعقاد الاجتماع الـ11 للتعاون بين خفر السواحل إيران وقطر فى جزيرة كيش جنوب إيران.
وفى عام 2015، وبعدما بدأت بذور الفوضى المنثورة فى بلدان الربيع العربى تؤتى ثمارها، كانت الدوحة وطهران يبرمان أول اتفاق لتعزيز التعاون الأمنى بين الجيش القطرى والحرس الثورى الإيرانى، حيث التقى فى أكتوبر من العام نفسه قائد حرس الحدود الإيرانى قاسم رضائى بمدير أمن السواحل والحدود فى قطر على أحمد سيف البديد، ليتفقا على بنود الاتفاقية الأمنية الكبرى، وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات أصابت دوائر خليجية عدة بحالة من الدهشة من خروج قطر عن الصف العربى الرافض لممارسات إيران ودورها التخريبى فى الشرق الأوسط.
ولم يكن تسلل الحرس الثورى إلى القصر الأميرى، ومنه إلى كافة دواووين الحكم داخل الإمارة الراعية للإرهاب مساء أمس الأول مصادفة، فبموجب الاتفاقيات الموقعة بين الجيش القطرى والحرس الإيرانى، تتولى طهران تدريب قوات قطر البحرية فى المنطقة الحرة بجزيرة قشم جنوب إيران، فى خطوة أكد مراقبون أنها بوابة خلفية لتجنيد عملاء لصالح إيران رغم ما يجمع البلدين من علاقات جيدة.
ومنذ اندلاع أزمة تصريحات تميم بن حمد، وفور إعلان مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، مقاطعة قطر رسمياً، وقبل انضمام غالبية الدول العربية لقائمة المقاطعين للرد على التجاوزات والانتهاكات القطرية المختلفة ودعم وتمويل الدوحة الإخوان والتنظيمات الإرهابية المختلفة، كانت طهران فى طليعة الدول التى حاولت الاصطياد فى مياه "الخلافات العربية ـ العربية"، وأعربت عن استعدادها توفير السلع الأساسية والغذاء عبر الحدود المشتركة بين البلدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة