وصل العاهل السعودى الملك سعود إلى الأردن يوم 8 يونيو «مثل هذا اليوم» من عام 1957، بينما كان الملحق العسكرى المصرى فى عمان، فؤاد هلال، فى العاصمة السورية دمشق، وعند عودته حدثت معه قصة مثيرة، يرويها أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة».
يقول «حمروش»: إن الملحق العسكرى المصرى، فور عودته من دمشق إلى عمان، ذهب إليه ضابط أردنى من المتعاونين معه سابقا، وأبلغه بأن هناك خطة مدبرة لاغتيال الملك حسين وبهجت التلهونى وسمير الرفاعى، وأخذ الملحق العسكرى الحذر لأنه فى الوقت الذى كانت هناك رقابة مفروضة عليه، جاء الضابط بشكل مفاجئ، وزادت شكوكه، عندما وجد أن تصرفات الضابط فيها عصبية لم يعدها فيه من قبل، وأمام ذلك تأكد أنه «أمام مؤامرة دبرتها المخابرات الأردنية».
أصر «هلال»، على تفتيش الضابط الأردنى، لكن الضابط رفض وأخرج مسدسه، لكن «هلال» استطاع أن يسحبه منه، ثم فتشه ليجد معه جهاز تسجيل، فاحتجزه وكتب تقريرا فوريا إلى القاهرة، وأثناء ذلك حوصر منزل الملحق العسكرى بالمدرعات والمشاه، ووصل مدير الأمن العام «حكمت مهيار» فى الساعة التاسعة مساء، سائلا عن الضابط، فأنكر «هلال» وجوده منتظرا التعليمات من القاهرة، ويضيف «حمروش»: «عند الفجر وصل والد الضابط، وبدأ يلقى الحجارة على منزل الملحق العسكرى، الذى اتصل برئيس الوزراء سمير الرفاعى، طالبا وقف إلقاء الطوب ورفع الحصار عن المنزل، وكان رد القاهرة قد وصله بتسليم الضابط، فسلمه بطريقة قانونية، بعد استحضار أطباء للكشف عليه بحضور مدير الأمن العام ووالده أيضا».
يؤكد «حمروش» أنه بعد الانتهاء من عملية التسليم تلقى الملحق العسكرى اتصالا من رئيس الوزراء سمير الرفاعى، يطالبه بمغادرة الأردن خلال 48 ساعة، كما صدر الأمر أيضا إلى محمد محمود عبدالعزيز قنصل مصر فى القدس «التابعة للإدارة الأردنية» بالمغادرة، «لكن رد فعل القاهرة كان عنيفا» وأضاف حمروش: «لما وصل الخبر إلى مصر أصدر جمال عبدالناصر قراره بطرد السفير الأردنى عبدالمنعم الرفاعى، وألا يغادر مصر، قبل وصول الملحق العسكرى المصرى إلى القاهرة».
جاءت هذه القصة فى سياق سياسى يذكره «حمروش» من واقع شهادات الأطراف المعنية، مشيرا إلى أن الحالة السياسية التقدمية سادت الأردن تأثرا بـ«عبدالناصر»، وبلغت ذروتها بفوز «التجمع الوطنى» المؤيد لعبدالناصر فى كل الدوائر الأردنية، عدا البادية فى الانتخابات التشريعية، وتشكلت وزارة سليمان النابلسى فى 17 أكتوبر عام 1956 بتأييد اليساريين والقوميين معا، وحسب شهادة فؤاد هلال إلى حمروش: «كانت علاقة القاهرة بالوزارة الجديدة وثيقة تماما، وكثيرا من وزرائها كانوا يترددون على منزله ومنزل السفير المصرى لمتابعة أخبار العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» على مصر لحظة بلحظة «30 أكتوبر 1956»، وبدأ الملك حسين يغالبه شعور جارف بأن النفوذ يتسرب من يديه إلى العناصر المعادية للغرب والمتأثرة بشخصية عبدالناصر الصاعدة، وفى إبريل 1957 أعلن عن محاولة انقلاب دبرها اللواء على أبونوار، رئيس أركان الجيش الأردنى، الذى شغل هذا المنصب الرفيع فى مايو 1956 وكان فى الثالثة والثلاثين من عمره، ورقى من رتبة صاغ إلى لواء خلال عام واحد، وافتعل «الملك» مشكلة مع «النابلسى» بسبب الانقلاب وأقاله يوم 10 إبريل 1957 لتنفجر المظاهرات، واحتشدت فى عمان يوم 13 إبريل هاتفة ضد أمريكا.
تم عزل «أبونوار» وسمح له بالخروج إلى سوريا، ثم جاء لاجئا إلى القاهرة، وعين بعده «على الحيارى»، ولم يستمر أكثر من أسبوع ثم هرب إلى سوريا، ومن دمشق أعلن: «لو كان هناك انقلاب فإن الذى دبره هو الملك الذى أراد مبررا لتغيير سياساته»، وبعد ذلك لجأ «الحيارى» إلى القاهرة، ووفقا لحمروش: «اتجهت السياسة الأردنية بعد ذلك إلى إفساد العلاقة مع مصر، فكان حصار منزل الملحق العسكرى المصرى وطرده من عمان، ورد عبدالناصر بطرد السفير الأردنى، وأعلن الملك فرض الأحكام العرفية، وحدد إقامة النابلسى، ومحاكمة «أبونوار» و«الحيارى» غيابيا، وقرر طرد محب السمرة، مساعد القنصل المصرى فى القدس، وأعلن أن هناك مؤامرة ضده تدبرها مصر وسوريا، وانطلقت إذاعة صوت العرب والصحف المصرية فى حملات هجوم ضد الملك حسين، واتهمته بـ«خيانة القضية الفلسطينية»، وتواصلت الحملات المتبادلة حتى توقفت فى نوفمبر 1957 بوساطة من الملك سعود وولى عهده الأمير فيصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة