صدر عن دار نشر أنباء روسيا ترجمة عربية لكتاب "سر التابوت الذهبى" وهو من تأليف عالم المصريات الروسى يورى بيريبولكين وترجمة للعربية عالم المصريات المصرى دكتور وحيد شعيب، أستاذ المصريات فى جامعة دمياط، الكتاب يكشف الكثير عن التابوت الذهبى الذى كان قد تم العثور عليه عام 1907 بوادى الملوك- قبل خمسة عشر عاماً من اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون الشهيرة- فى العاصمة المعروفة باسم مدينة طيبة، فى موقع كان يستخدم كجبانة للفراعنة طوال خمسة قرون، ووسط ركام حجرى أغلق الممر مخفيا تحته أحد الأبواب التى أدت- بعد أعمال حفر لأنفاق استكشافية- إلى الوصول للباب السرى.
على جدران الكهف الذى أفضى إليه الباب السرى كانت رسوم للملكة تى تتعبد إلى آتون المشع، وهى الملكة التى أثار مصيرها خيال العديد من العلماء لعشرات السنين، إنها إبنة يويا الكاهن بأخميم، والتى كانت زوجة الملك العظيم أمنحوتب الثالث الذى امتدت إمبراطوريته من ضفاف الفرات حتى أواسط إفريقيا.
ما أن أضاءت المصابيح حتى ظهرت الكهوف المكدسة بالكنوز، وبرق الذهب على الأرض وعلى الجدران.. وفى أقصى الأركان كان تابوتاً ذهبياً يتلألأ ويبرق فى الفضاء الضيق.
رغم ما كان قد جرى على نقوش التابوت من إزالة للأسماء الملكية فقد بقيت ألقاباً مثل "العظيم فى نقائه"، "الحى فى الصدق"، لم يكن هناك خلاف حول أنها تخص أمنحوتب الرابع.. إخناتون. لكن لمن هذا التابوت الذهبى؟
أثار اكتشاف هذا التابوت خلافاً بين العلماء كبير، إذ لم يتفق أكثرهم حيال الخبيئة الملكية المكتنفة بالغموض الشديد، والتى تتميز بقمة الإثارة لم يكن مرجع هذا الخلاف لقلة جهة بقدر ما كان ناجماً عن نقص حاد فى المعلومات، وها هو كتاب "سر التابوت الذهبي" يلقى أضواء مبهرة حول هذا التابوت، ويزيح ستاراً عن نقوش بالتابوت الذهبى، والتى اقترن اسم صاحبة المومياء بداخله بالملك إخناتون – إمنحوتب الرابع.
ينطلق الكتاب بعد ذلك فى حل لغز هذا التابوت مما تميز به عصر العمارنة عن بقية العصور التاريخية المصرية القديمة بالأفكار الثورية الرامية إلى تجديد المعتقدات والعادات القديمة التى ورثها المصريون القدماء عن آبائهم وأجدادهم منذ فجر التاريخ، ولم تناهض تلك الحركة الثورية الإصلاحية الموروثات الدينية والسياسية فقط، وإنما شملت الموروثات الفنية والاجتماعية واللغوية أيضاً، وقد تبنى هذه الثورة الفكرية أحد ملوك وفلاسفة مصر القديمة وهو أمنحوتب الرابع إخناتون الذى لم يتوان منذ بداية حكمه فى الجهر عن أيديولوجيته العقائدية الجديدة والعمل على نشر أفكارها ومبادئها التحررية، وتشهد على ذلك الآثار المؤرخة بفترة حكمه سواء فى العاصمة القديمة طيبة أو العاصمة الجديدة التى شيدها بهدف تعميم رسالته الإصلاحية الثورية داخل ربوع البلاد وخارجها فى كافة أنحاء الإمبراطورية المصرية، وهى المدينة التى حملت فى اسمها "أخناتون" أى "أفق آتون" اسم معبوده الذى اختصه وحده بعبادته دون سائر الآلهة المصرية القديمة.
ويلاحظ أن آثار العصر الإخناتونى حتى الثلث الأخير من حكمه قد دارت فى فلكٍ واحدٍ عنوانه تمجيد وتعظيم الثالوث الآتونى، الملك وزوجته الجميلة نفرتيتى والإله آتون، علاوة على أنها أفصحت بما لا يدع مجالاً للشك أو التورية عن سبل تطور الفكر الآتونى فى شتى مناحى الحياة المصرية الحياتية أو الآخروية، غير أن ذلك يختلف تماماً عما حدث قبيل وبعيد وفاة إخناتون حيث كشفت الآثار القليلة على القلاقل والخلافات التى هزت أركان البيت الملكى الذى كان نموذجاً للسعادة والاستقرار العائلى ورمزاً للإخلاص والوفاء فى عيون وأفئدة أنصار الآتونية، وكان من الطبيعى أن ينعكس ذلك على مسار حركة وتطور الأيديولوجية الآتونية وتماسك الأسرة الملكية، فقد اختفت نفرتيتى فجأةً من الوثائق الرسمية وبزغ نجم سيدة عمارنية أخرى وهى كيا التى ظهرت بقوة آنذاك على مسرح الأحداث العائلية والسياسية وتمكنت من التربع على عرش محبوبها الملكى اخناتون الذى قربها إليه بشدة وخصها بحبه وعطفه ولم يدخر وسعاً فى ترقيتها وتعظيم شأنها.
وكانت تلك السيدة العمارنية الجديدة، كيا وهى صاحبة التابوت الذهبى مجهولة فى التاريخ العمارنى مما تسبب فى تعقيد المسألة التاريخية والأثرية واللغوية العمارنية لاسيما فيما يختص بقضية تدهور منزلة نفرتيتى وطردها من القصر الملكى وانعزالها حتى وافتها المنية فى شمال العمارنة بعد تجريدها من ممتلكاتها وانتقالها إلى كبرى بناتها. ناهيك عن غموض ما حدث فى المقبرة التى تحمل رقم 55 بوادى الملوك حيث من المفترض أنها احتوت على مومياء اخناتون المدفون بداخلها فى تابوت ذهبى معدل له ومعه بعض الأثاث الجنائزى الذى لم يكن يخصه أصلاً. ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى يرجع الفضل إلى صاحبه، عالم المصريات الروسى يورى ياكوفليفيتش بيريبولكين Jurij Jakovlevic Perepelkin، فى كشف النقاب عن هوية تلك السيدة التى حالفها الحظ بأن تتقلد منزلة رفيعة وتلعب دوراً سياسياً ملحوظاً قبل أن تجابه مصيرها المأساوى فى نهاية حكم زوجها، وكذلك ارتباطها بالعديد من الألغاز المربكة والغامضة مثل دفن اخناتون فى تابوت ذهبى معدا وهوية الشريك الذى شاركه فى الحكم، وكذلك مصير نفرتيتى وحقيقة انعزالها فى القصر الشمالي. ويقال إن هذا التابوت عدل ليدفن فيه الفرعون سمنخكارع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة