مع ظهور نتيجة الثانوية العامة يستمر مسلسل الضغط النفسى وحالة اللهاث وقطع الأنفاس التى تعيشها كل أسرة لديها طالب أو طالبة فى الثانوية العامة ، رحلة طويلة من العذاب والتعذيب تعيشها الأسرة وحالة طوارئ كئيبة تراها مفروضة عليها فتفرضها على الطالب الضحية .
سنة كبيسة ومرحلة كئيبة يعيشها كل الطلاب وأسرهم ، بصرف النظر عن مدى تفوقهم واجتهادهم ، إنهاك مادى ونفسى للأسرة التى ترى أن هذه السنة تحدد مصير ابنها ومستقبله ، فتحرم نفسها من الضروريات لتوفر نفقات الدروس الخصوصية ، وتعلن حالة الطوارئ فى المنزل حتى انتهاء هذه المرحلة ، بينما يعيش الطلاب حالة من التوتر النفسى والاكتئاب قبل وبعد وصولهم إلى هذه المرحلة ،التى يعيشون فيها فى كنف بعبع الثانوية العامة ، بدءا من إرهاق الدروس والمناهج ، مرورا بالامتحانات وما يعانيه معظم الطلاب من هزات نفسية تصل إلى حد إصابة بعضهم بالأمراض النفسية والعضوية ،أو انتحار البعض بعد وصولهم إلى اقصى درجات الضعف والانهيار.
ويستمر هذا المسلسل الكئيب ليصل إلى ذروته مع إعلان النتيجة ، حالة من الحزن والحيرة تصيب أغلب الطلاب وأسرهم ، يتساوى فى ذلك طلاب حصلوا على مجموع 95 % وأخرين حصلوا على مجاميع أقل بدءا من 50 % وحتى 90 % .
تشعر أن الكل غير راض عن المجموع ، فالطلاب المتفوقون الذين حصلوا على درجات عالية تصيب أغلبهم حالة حزن لأنهم قد لا يصلون إلى كليات القمة التى ينشدونها وتحلم بها أسرهم ، وتحملت من أجلها ما يفوق طاقتها ، يشعرون كمن رقص على السلم ، ويضطرون للاختيار بين رغبات قد تبتعد عن رغباتهم الحقيقية ، فقط ليتناسب ما يختارونه مع مجموعهم ، وقد تضطر أسرهم إلى الاستمرار فى فرض حالة الضغط على نفسها وعلى الطالب الضحية وتفضل أن يلتحق ابنها بإحدى كليات القمة فى الجامعات الخاصة ، بينما يبحث الطلاب ذوى المجموع الضعيف على مكان يقبل مجموعهم " والسلام"، أو تحاول الأسرة ان تلحقه بإحدى الجامعات أو المعاهد الخاصة.
يجرى الجميع ويلهث وراء أوهام وأصنام صنعناها ولا زلنا نطوف حولها ، وأكبر هذه الأوهام كليات القمة ، التى لا زلنا نعبدها كما عبدها أباؤنا الأولون رغم أن سوق العمل اختلف ، ورغم أن الكثيرين من خريجيها لا يزالوا عاطلين لا يجدون عملا يناسب مؤهلاتهم ،ومنهم خريجى طب وهندسة وإعلام وصيدلة وسياسة واقتصاد.
بينما يمتلئ سوق العمل بنماذج ناجحة لم يكن لها نصيب كبير فى حصد درجات عالية فى الثانوية العامة ، وبعضهم لم يكن لمؤهلاتهم علاقة بالمهن التى عملوا فيها.
خريجو كليات أداب وتجارة وجدوا فى أنفسهم مواهب فنية فحصلوا على دورات تدريبية فى فنون الجرافيك أو التصوير أو المونتاج ، واختاروا هذه المهن ليعملوا فيها وحققوا فيها نجاحات ومنهم من أسس مشروعا خاصا ، وكثيرون نموا قدراتهم فى البرمجيات ، وتفوقوا وحصلوا على وظائف جيدة لا ترتبط بمؤهلاتهم.
بينما أصبحت كليات أخرى لا تصنف ضمن كليات القمة تتيح لخريجيها مجالات عمل أوسع ومنها كليات الزراعة ، ومعاهد البصريات.
الكثير من الشباب حققوا نجاحات فى مشروعات صغيرة وفى مجالات اكتشفوا مواهبهم فيها قد تبتعد عن مؤهلاتهم ، أو اختاروا كليات ومعاهد لا تنتمى لأصنام كليات القمة وطوروا أنفسهم فيها فحققوا التفوق والنجاح فى سوق العمل.
عزيزى طالب الثانوية العامة ، لا تنظر فى اتجاه واحد ولا تضع عينك على كليات القمة فقط وتعتبر أنك خسرت إذا لم تلتحق بها ، لا تشعر بالقهر إذا لم تحصل على مجموع كبير ، فنجاحك فى الحياة والعمل لن يتحقق به ، بل بأمور أخرى لا علاقة لها بالمجموع .
نجاحك فى أن تفتش داخل ذاتك وأن تكتشف رغباتك ومواهبك وقدراتك وأن تطورها وتنمى نفسك فيها ، انظر حولك وستجد مئات النماذج حققوا النجاح والتفوق المادى والمعنوى دون أن يكونوا ممن حصدوا أعلى الدرجات فى الثانوية العامة.
وعزيزى ولى الأمر تحرر من عبودية أصنام نسميها كليات القمة ولا تقهر أبنائك وتجبرهم على الدوران فى ساقية المجموع والوجاهة الاجتماعية للكلية التى تريد أن يلتحقوا بها ، حررهم من قهر الثانوية العامة ودرجاتها ، ودعهم يفتشون عن مواهبهم ويعبرون عن رغباتهم ويحققونها ، لا تسفه من اختياراتهم ولا تجبرهم على دراسة ما تحبه أنت ، لا تخطئ فى حقهم وحق نفسك ولا ترسم لهم المستقبل بمعايير الماضى ، لأنك حينها ستفشل ويفشلون ، دعهم يدرسون ما يحبون ، فحينها فقط ستنجح وينجحون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة