فى الوقت الذى كانت قطر تسعى فيه لاستمالة واشنطن ومحاولة دفعها لتبنيها مواقفها بلقاء وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن الثانى مع نظيره الأمريكى ريكس تيلرسون فى واشنطن، كان الكونجرس يشهد نقاشا ساخنًا حول إرهاب قطر ودعمها للمتطرفين والإرهابيين فى الشرق الأوسط وسط دعوات من خبراء وأعضاء بارزين بمزيد من الضغوط على الدوحة لوقفها تمويلها للتطرف.
وأثارت إيلانا روز ليتنين، رئيسة لجنة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، أثناء جلسة اللجنة، تساؤلات جديدة بشأن مدى ملائمة قطر لاستضافة القاعدة الجوية الأمريكية فى ظل فشلها فى التحرك ضد ممولى الإرهاب، موضحة أن دور نقل تمويل للإرهابيين أو فشلها فى متع آخرين من إرسال أموال للجماعات المحظورة يجب أن يثير تساؤلات بشأن استمرار الوجود العسكرى الأمريكى فيها.
وقالت رئيسة لجنة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى: "لا يمكننا أن نسمح بأن تستغل قاعدتنا كوسيلة لتبرير هذا النوع من السلوك.. لقد عرف عن قطر، كونها بيئة متسامحة مع تمويل الإرهاب.. وبحسب تقارير فهى مولت منظمات مدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية بالإضافة إلى مجاميع عدة متطرفة تنشط فى سوريا".
وأوضحت إيلانا روز ليتنين، أن السعودية والإمارات العربية حاولتا إثناء قطر عن هذه الممارسات منذ فترة طويلة، مستطردة: "كاترين باور وهى موظفة سابقة رفيعة المستوى فى وزارة الخزانة الأمريكية قالت مؤخرًا فى محاضرة ألقتها، إن المملكة العربية السعودية والإمارات حاولتا لفترة طويلة من الزمن إيقاف تصرفات قطر فيما يخص تمويل الإرهاب.
وفى السياق ذاته، تحدث جوناثان سكانزر، نائب رئيس مركز الدفاع عن الديمقراطيات البحثى الأمريكى، فى شهادته أمام اللجنة عن دعم قطر للكيانات الإرهابية ودعمها للجهاديين فى سوريا وليبيا وللإخوان وطالبان، مشيرًا إلى أن دعمها لمثل هذه الكيانات مزعج على وجه التحديد فى ظل استضافتها للقاعدة العسكرية الأمريكية التى تشن منها واشنطن عملياتها على الإرهاب.
وأكد سكانزر، على أن قطر استغلت ثروتها الهائلة وقوتها الناعمة لتقويض المصالح الأمريكية بما فى ذلك حلفاء أمريكا، مضيفًا أنه عندما واجهت الولايات المتحدة الدوحة فى هذا صلتها بالإرهاب كان الرد القطرى متراخيا أو مقللًا من أهميته.
وتحدثت الخبير الأمريكى عن المؤتمر الذى استضافه معهد الدفاع عن الديمقراطيات عن علاقة قطر بالإخوان ودعمها لهم فى مايو الماضى، وقال إنه بعد انتهاء المؤتمر حدثت واقعة "قرصنة الوكالة القطرية" وفقا لرواية الدوحة، واتهمت الإمارة المعهد بأنه جزء من تلك "المؤامرة" التى كانت سببا فى القطيعة العربية لها، حيث نفى سكانزر الأمر بشدة، مدللا على هذا بأن السفير الإماراتى فى واشنطن نفسه تعرض للقرصنة وتم تسريب إيميلاته.
وأوضح سكانزر فى شهادته بالتفصيل دعم قطر للقاعدة فى سوريا وضربا مثالا عليه بقاء قادة جبهة النصرة بكبار المسئولين العسكريين القطريين والممولين فى الدوحة فى عام 2012، ووصلت شحنات من الأسلحة القطرية إلى الجماعات المسلحة تم تسليمها لجبهة النصرة، وهو السبب الذى جعل إدارة أوباما تطلب أن توقف قطر تصدير الصواريخ التى تطلق من الكتف للمسلحين فى سوريا.
وأكد الخبير الأمريكى، على أن قطر عملت من أجل "تطبيع" القاعدة فى سوريا، ووعدت بتقديم دعم مالى إضافة لو قامت جبهة النصرة بتغير علاقتها بالقاعدة وأن تنأى بنفسها عن التنظيم الإرهابى، حيث رصد أيضا فشل قطر فى ملاحقة أى من ممولى الإرهاب لاسيما من يقومون بتمويل القاعدة، مشيرًا إلى أن مسئولى وزارة الخوانة وثقوا هذا الأمر ففى مارس 2014 على سبيل المثال وصف مساعد وزير الخزانة للاستخبارات المالية والإرهاب ديفيد كوهين قطر، وأيضا الكويت بأنها متساهلة قضائيا مع ممولى الإرهاب، واتهم الدوحة فى أكتوبر هذا العام بمنح حصانة قضائية لأبرز ممولى الإرهاب ومنهم خليفة الصبيحى وعبد الرحمن النعيمى القطريين الذين يواجهان اتهامات من الأمم المتحدة والولايات المتحدة لجمع ملايين الدولارات لصالح القاعدة.
إلى جانب هذا، فإن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب، والصادر الأسبوع الماضى، أشار إلى أن قطر لم تلاحق أو تدين أى من ممولى الإرهاب قبل 2015، ووفقا لما ذكرت وكالة أسوشيتدبرس، فإن ممولى الإرهاب المصنفين من قبل الأمم المتحدة تم مقاضتهم فى قطر، لكن لأسباب ما لم يتم سجنهم، حيث طالب سكانزر اللجنة بأن تطلب تفسيرا من قطر بشأن نظامها القضائى فيما يتعلق بتمويل الإرهاب.
وتناول سكانزر دفع قطر لفدى كبيرة للإرهابيين الذين يقومون باختطاف من أجل الحصول على أموال، مشيرًا إلى تقارير العديد من الصحف الأمريكية والبريطانية التى تحدثت عن أن أحد أسباب الأزمة الراهنة بين قطر والدول العربية، هو قيام إمارة تميم بدفع مليار دولار فدية لإطلاق سراح مواطنيها المحتجزين فى العراق وبينهم أعضاء من الأسرة المالكة.
وفيما يتعلق بدعم قطر للإخوان، قال سكانزر، إنها سبب الخلاف الحالى سببه هذا الدعم، موضحًا أن وجود الإخوان فى قطر يعود إلى عام 1974، عندا أراد الطلاب الذين درسوا فى دول مثل الكويت ومصر تشكيل فصل خاص بهم من هذا التنظيم، ومنذ هذا الوقت استضافت قطر قادة الحركة ودعمت أنشطتها الإقليمية لاسيما منذ اندلاع العربى، مشيرًا إلى أن قطر استثمرت 18 مليار دولار فى مصر عقب وصول الإخوان للحكم، وقدمت أموال لحزب النهضة فى تونس.
ودعا الخبير الأمريكى، فى شهادته الولايات المتحدة إلى البحث عن بدائل أخرى للقاعدة العسكرية الأمريكية فى الدوحة، على الأقل لتمنح واشنطن حرية كافية فى الضغط على الدوحة عندما تخطئ، موضحًا أنه من غير المعقول أن تكون هناك قاعدة أمريكية جوية تقوم بعمليات على بعد أميال قليلة من عناصر حماس والدوحة الموجوين فى قطر، ومن بين البدائل التى طرحها قاعدة الظفرة فى الإمارات الواقعة جنوب شرق أبو ظبى، وقاعدة الشهيد موفق الجوية فى الأردن والتى لعبت دورا فى الحرب على داعش، وقاعدة الشيخ عيسى الجوية فى البحرين، ومطار أربيل الدولى بكردستان العراق.
وقدم سكانزر فى النهاية عدة توصيات للسياسة الأمريكية إزاء قطر، وقال إن على الكونجرس أن يبحث تشريعات يفرض رقابة مشددة على تمويل قطر للإرهاب وأن يضغط على الخارجية الأمريكية لتصدر تقريرها عن الدول التى جفعت فدى للإرهابيين على مدار العام الماضى، مطالبًا الكونجرس أيضا أن يضغط بدرجة أكبر من أجل تطبيق كامل للقانون الذى يطلب من الدول التى تستضيف إرهابيين من قطر أن تخلض بتراخيص محددة فى الحصول على المواد ذات الاستخدام المزدوج لضمان عدم وصولها لأيدى الإرهابيين.
من ناحية أخرى، قال إيلان جولدنبرج، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز أمن أمريكى جديد، إن قطر تمثل شريكًا معقد للولايات المتحدة، فمن ناحية اتبعت سياسة تتضمن بناء علاقات مع عدد من الأطراف التى تجدها الولايات المتحدة مقلقة للغاية منها الجماعات المتطرفة فى سوريا وطالبان وحماس والإخوان، ومن ناحية أخرى، تستضيف قاعدة جوية أمريكية ، كما أن تعاملها مع هذه الأطراف جعلها طرف اتصال مفيد عندما تكون الدبلوماسية مطلوبة.
وفيما يتعلق بالأزمة الحالية بين قطر ودول الخليج، دعا جولدنبرج إدارة ترامب إلى اتخاذ عدة خطوات لتعديل سياستها الحالية فى التعامل معها، أولها أن يكون لديها رسالة واحدة لجميع شركائها، فلا يمكن أن ينتقد الرئيس قطر علانية فى الوقت الذى يقوم فيه وزير خارجيته بدور الوسيط، مطالبًا أيضًا الولايات المتحدة أن تتقبل حقيقة أن هذا الانقسام سيظل قائما لفترة وأن تستعد للتعامل معه على المدى الطويل، وأنه سيكون مشكلة دائمة وليس أزمة تحتاج لحل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة