بعد سلسلة الانتصارات التى شهدتها سوريا والعراق ضد تنظيم داعش، والتى بدأت بتحرير مدينة حلب السورية، وانتهت باكتمال تحرير مدينة الموصل العراقية اليوم الأحد، حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" فى تقرير لها منذ استمرار الحرب على التنظيم الإرهابى على الصعيد الإقليمى والدولى، مشددة على أن عناصره ومن يعتنقون فكره فى مختلف دول العالم، أو من يعرفون بـ"الذئاب المنفردة" باستطاعتهم قلب الموازين.
ورصدت الصحيفة، فى تقريرها نشأة التنظيم وصعوده، مشيرة إلى اعتلاء أبو بكر البغدادى منبر مسجد النورى فى الموصل قبل ثلاث سنوات، وإعلانه عن تدشين دولته الإرهابية والتى سرعان ما سقطت رغم ما ارتكبته عناصر تنظيمه من جرائم ووحشية أرهبت العالم.
وكان إعلان ما يسمى بدولة الخلافة نقطة إلهام مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى، وقد ساعدهم العنف والأيديولوجية المروعة فى الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضى فى العراق وسوريا، وجذب جحافل من المقاتلين الأجانب وإنشاء إدارة تدير محاكم وآبار النفط، والآن بات كل هذا مبددًا، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، الأمريكية.
وفى سوريا حاصرت القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، مدنية الرقة التى يتخذها تنظيم داعش عاصمة لدولته المزعومة، وقد استطاعت القوات اختراق أسوارها التاريخية، وعبر الحدود، استولت القوات العراقية على مسجد الموصل وحاصرت بقية الجهاديين فى بعض المناطق.
ومع ذلك يرى المحللين والمسئولين فى الولايات المتحدة والشرق الأوسط، إن خسارة داعش لمدينته الأكبر لن تسفر عن هزيمة نهائية للتنظيم الإرهابى، موضحين أنه على الرغم من عودة الجماعة إلى مجرد قوى متمردة متفرقة لا تسيطر على أرض، إلا أنها تتمتع بمدى دولى وأيدولوجية لا تزال تحفز المهاجمين فى جميع أنحاء العالم.
وقال حسن حسن، وهو زميل بارز فى معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط فى واشنطن، إنه من الواضح أن هذه ضربات كبيرة لداعش لأن مشروعه لبناء دولة قد انتهى، وهذا سيقلل الدعم وقدرته على تجنيد عناصر جديدة، لكن تنظيم داعش اليوم منظمة دولية، فقيادتها وقدرتها على النمو لا تزال حاضرة.
وفى تقريرها، قالت نيويورك تايمز، إن تنظيم داعش استطاع خطف الأضواء من أسلافه من التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة، وذلك من خلال الاستيلاء على الأراضى وإدارة المدن والمناطق النائية لفترة طويلة، مما أكسب التنظيم نفوذ فى عالم الجماعات المسلحة وسمح له ببناء منظمة معقدة، مشيرة إلى أنه حتى فى الوقت الذى يتعرض فيه لهزائم مادية كبيرة، فإن كوادره الباقية سوف يستثمرون خبرتهم فى عمليات التنظيم فى المستقبل.
وعلى الرغم من هزيمة التنظيم فى المراكز الحضرية الهامة، أشارت الصحيفة، إلى أن عناصر داعش لاتزال تسيطر على تلعفر والحويجة والمدن الأخرى والكثير من محافظة الأنبار.
وفي سوريا، فر معظم كبار عناصرها من الرقة، فى الأشهر الستة الماضية إلى مدن أخرى لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش فى وادى نهر الفرات، ذلك وفقا لمسئولين أمريكيين وغربيين ومسؤولين فى مكافحة الإرهاب تلقوا إحاطات استخباراتية.
ونقل التنظيم العديد من عناصره إلى قرية ميادين، الواقعة على بعد 110 أميال جنوب شرق الرقة بالقرب من منشآت النفط وخطوط الإمداد عبر الصحراء المحيطة، حيث ذكر مسئولون أمريكيون أنهم اتخذوا معهم كل ما يتعلق بالتجنيد والتمويل والدعاية والعمليات الخارجية، وتم خروج قيادات أخرى من الرقة بمساعدة شبكة موثوق بها من المساعدين وانتقلوا إلى سلسلة من القرى من دير الزور إلى أبو كمال.
وأضافت الصحيفة، أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية استهدفت هذه المنطقة بكثافة بطائرات بدون طيار مسلحة من طراز ريبر وطائرات هجومية، مما أدى إلى تعطيل وإضعاف قيادة داعش وقدرتها على التمسك بالأراضى، لكن معركة الرقة لا تزال يمكن أن تستمر عدة أشهر.
وأشارت الصحيفة، إلى أن جذور تنظيم داعش تعود إلى الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، وتضيف أن البغدادى استطاع تمييز أتباعه من تنظيم القاعدة فلم يكنوا مجرد متمردين، بل أيضا مؤسسى دولة تقوم على الإيديولوجية المتطرفة.
وقال مسئولون كبار فى المخابرات الأمريكية ومكافحة الإرهاب، إن أكثر من 60 ألف مقاتل من تنظيم داعش قتلوا منذ يونيو 2014، بما فى ذلك الكثير من قيادات الجماعة، موضحًا أن الجماعة فقدت حوالى ثلثى أراضيها المهمة، ومع ذلك أقر هؤلاء المسؤولين، بمن فيهم اللواء مايكل ك. نجاتا، أحد كبار ضباط العمليات الخاصة بالجيش الأمريكى، بأن داعش احتفظت بقدر كبير من قدرته على إلهام عناصر آخرى لشن الهجمات الإرهابية وتمكينهم وتوجيههم.
وبحسب دراسة نشرها مركز ويست بوينت الأمريكى، فقد نفذت عناصر التنظيم ما يقرب من 1500 هجمة فى 16 مدينة فى جميع أنحاء العراق وسوريا بعد تشتتهم من الأراضى التى كان يستولون عليها، مما يدل على أن الجماعة قد عادت إلى جذورها المتمردة وتلوح بتهديدات أمنية طويلة الأجل.
وعلى الصعيد الدولى، قالت الصحيفة: "عوض تنظيم داعش، جزئيا خسائره فى العراق وسوريا عن طريق تشجيع أتباعه فى الخارج وخاصة فى ليبيا ومصر واليمن وأفغانستان ونيجيريا والفلبين على شن الهجمات وتفعيل نشاط أتباع فى أماكن أخرى.
ويعتقد مسئولون من الاستخبارات الأوروبية أن ما بين 100 و 250 من المقاتلين الأجانب مدفوعين أيديولوجيا تم تهريبهم إلى أوروبا بين عام 2014 وحتى منتصف عام 2016، وكلهم تقريبا انطلقوا عبر حدود تركيا. غير أن أولئك ربما لا يكونوا التهديد الأكبر لأوروبا طالما أن أيديولوجية التنظيم لا تزال تحفز المهاجمين عن بعد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة