أبحرت السفينة «بالاس» من الإسكندرية يوم 10 أغسطس «مثل هذا اليوم» من عام 1798 متجهة إلى قبرص فى طريق العودة إلى فرنسا، وكان على متنها ضابط وجنود الحملة الفرنسية الذين فشلوا فى احتلال مصر بعد ثلاث سنوات من قدومهم إليها بقيادة نابليون بونابرت، وفقا لما يذكره الدكتور أحمد حسين الصاوى فى كتابه «المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة».
كان مصريون ممن تعاونوا مع الاحتلال الفرنسى على متن السفينة يتقدمهم المعلم أو الجنرال يعقوب تاركا وراءه جدلا مازال ممتدا حول ما إذا كان خائنا لوطنه، أم كان صاحب مشروع لاستقلال مصر؟ فمن هو يعقوب؟ ولماذا مضى الجدل حوله على هذا النحو؟
فى كتاب «تاريخ الأمة القبطية»، عن «مطبعة متروبول - القاهرة» يذكر مؤلفه «يعقوب نخلة روفيله، أنه كان بين الأقباط» رجل يسمى يعقوب يظهر أنه لم يحترف بحرفة الكتابة فى الدواوين مثل باقى عظماء أبناء أمته، بل كان من أصحاب الأملاك والتجارة ولما دخل الفرنسيس مصر، تدخل فيهم وعرف من لغتهم ما قدر عليه ويضيف: «عمل اتفاقا مع قائد العسكر الفرنساوية على تأليف جيش من الأقباط وجمع من الصعيد نحو الألفين من الشبان الأقوياء القادرين على حمل السلاح فقبلوهم منه، وزيوهم بزيهم وعملوهم وأعطوهم مايلزمهم من البنادق والسلاح، وكذلك هو تعلم الحركات العسكرية ورأسهم وبنى قلعة بجهة الجامع الأحمر بالأزبكية، وسماها قلعة يعقوب».
يضيف «نخلة»: «سار يعقوب هذا فى خطة تحالف ما كان عليه أبناء جنسه، وكان فضلا عن مخالفته لهم فى الزى والحركات اتخذ له امرأة من غير جنسه بطريقة غير شرعية على أن رجال الدين ولاسيما البطريرك، لم يكونوا راضين عن تصرفاته وأحواله»، غير أن مؤرخا بوزن شفيق غربال، يراه صاحب «فكرة استقلالية»، وطبقا لكتابه «الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة» فإنه يفضله فى المقارنة بينه وبين عمر مكرم، حيث يرى أن «مكرم» كان زعامة تقليدية، ومشروعه كان يعتمد على تهييج الناس ودفعهم للصدام مع الفرنسيين، وأن هذا الصدام أدى إلى نتائج وخيمة على مصر والمصريين، أما مشروع يعقوب فيعتمد على التعاون مع الفرنسيين لتكوين «جيش مصرى» مدرب يكون أداة لاستقلال مصر عن المماليك والدولة العثمانية».
وفى مقدمته لكتاب «الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس» يضع الدكتور محمد عفيفى رأى غربال فى سياق «المدرسة الليبرالية المحافظة فى الكتابة التاريخية» الذى «يرفض مشروع» العامة «وعلى رأسهم عمر مكرم، ويفضل عليه مشروع» الخاصة «وعلى رأسه يعقوب»، ويتقبل تعاون يعقوب مع الفرنسيين، ويفضل مشروعه عن مشروع عمر مكرم، غير أن أحمد حسين الصاوى يرى رأى «غربال» غريبا، وما فعله «يعقوب» كان «قهرا للمصريين يعاونه فيه بعض المسلمين»، ويستشهد بما ذكره الجبرتى عنه فى أكثر من موقف: «توكل رجل قبطى يقال له عبدالله من طرف يعقوب يجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس فتعدى على بعض الأعيان وأنزلهم من على دوابهم، وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه فتشكى الناس من ذلك القبطى».
يستند الذين يرون «يعقوب» بطلا مصريا، وصاحب مشروع لاستقلال مصر إلى أنه وأثناء وجوده على متن السفينة العائدة إلى فرنسا سلم الفرنسى «لاسكاريس» مذكرة لاستقلال مصر، وسلمها «لاسكاريس» إلى «جوزيف إدموندوز» ربان السفينة الإنجليزية بالاس كى يرفعها بدوره إلى حكومته البريطانية، ويؤكد الباحث مجدى خليل فى مقاله «المعلم يعقوب: الاختلاف على قراءة التاريخ»، أن شفيق غربال عثر عليها فى محفوظات الخارجية البريطانية أثناء إعداده لرسالة الدكتوراة وترجمها إلى العربية ونشرها كملحق لرسالته، غير أن «الصاوى» يرى أن «لاسكاريس» هو «شخصية مهتزة غامضة» وأن قصته «من أغرب القصص التى ذيل بها تاريخ الحملة الفرنسية فى مصر»، ويقول «عفيفى»: «فى الحقيقة فإن ما نعرفه عن «مشروع الاستقلال المنسوب ليعقوب هو منقول عن» رواية لاسكاريس بعد وفاة يعقوب، وما ذكر عن أن يعقوب ومن معه هم الوفد المشكل عن جموع عقلاء المصريين مسلمين وأقباط، الذين اجتمع معهم يعقوب فى مصر قبيل رحيله من مصر، لهو أمر يبعث على السخرية، فأى متخصص فى تاريخ هذه الفترة سيستبعد من الأساس فكرة تكوين وفد أو حتى أن يوكل عقلاء المسلمين، حسب عقلية ذلك الزمن، أحد «أهل الذمة» للتحدث باسمهم، فما بالنا إذا كان هذا المتحدث هو الجنرال يعقوب بماضيه المختلف عليه؟