أكرم القصاص - علا الشافعي

ماهر المهدى

لن تكون الأخيرة

الجمعة، 11 أغسطس 2017 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم توفر كل شىء حوله وحول أسرته ، الا أن سهيل لم ينل كل ما يريد ، أو هكذا يفكر . فقد طمع في من يحبها وتحبه ويكون معها وتكون معه أسرة سعيدة .
 
 ولكن سهيل لم يعثر لها على أثر في ناد ولا بين أصدقاء ولا بين أقارب ولا في موقع عمل ولا لدى خاطبة . لقد طرق كل الأبواب بابا وراء باب ، ولكنه لم يجد أحدا . ولم يدخر والدا سهيل قطرة من دم ولا قطرة من عرق ، الا وبذلاها من أجل أن يجد ابنهما من يحبها ويرتاح اليها ويطمح الى الحياة معها وبداية مشوار العمر .
 
 فقد أنهى سهيل دراسته منذ سنوات بعيدة في احدى الكليات العملية المرموقة ، ولم يشأ أن يعمل في وظيقة حكومية أو أن يصبح تحت امرة أحد في القطاع الخاص ، فأسس له أبوه مكتبا لأعمال المقاولة ، وأصبح سهيل من أصحاب الأعمال عقب تخرجه في الجامعة . 
 
الأيام تتقدم وتحتل مزيدا من عمر سهيل كل يوم ، وسهيل يرقب الأيام بقلب حزين مكسور ، كلما انتهى يوم عمل وتعين عليه العودة الى بيته وحيدا في قبضة أفكاره . ولكن اصرار والدي سهيل على مساعدة ابنيهما - بكل الطرق – جعل لحياة سهيل لونا كوميديا طريفا . فقد صار يتعرف الى بنات كثيرات وجميلات ومن مستويات عالية ومناسبة ، وصار سهيل مشغولا بمقابلات لا تنقطع مع وجوه وقصص بلا نهاية . وقد صنف سهيل قصصه – ببساطة – ما بين رافض أن مرفوض بالثلاثة ، على حد وصفه . 
تعب سهيل كثيرا . تعب من خيبة أمله . وتعب من كثرة الضحك على حاله . وتعب من كثرة من رفضهم وتعب من كثرة من رفضوه ، فقرر أن يقوم برحلة لعدة أسابيع الى احدى المدن السياحية االشهيرة ، ليستريح ويجدد أقكاره ، ويعود نشيطا  صافي الذهن . 
هبطت طائرة سهيل في تلك المدينة االساحرة ، حيث وجد الرجل سيارة جميلة في انتظاره لتقله الى القرية السياحية التي حجز اقامته فيها ، فوضع سهيل حقيبته الصغيرة الى جواره برفق وراح يرقب الطريق ويعد نفسه بأيام هانئة وخالية من التوتر ومن الاحباط والفشل ، بينما السيارة  تبتلع الطريق في سكينة . 
أخيرا ، ألقى سهيل جسده المتعب على سرير فخيم في ذلك الجناح الجميل الذي كان في انتظاره ، ليرتاح قليلا ، قبل أن يظهر لاحقا ليستكشف القرية ذائعة الصيت والجمال . ولم تمض ساعات قليلة حتى استيقظ سهيل نشيطا سعيدا ، فارتدى ملابسا أنيقة ، ثم خرج مسرعا .
لم يكد سهيل يخطو داخل مكتب استقبال القرية حتى تسمر وبهت كتمثال بارد من رخام  ، وظل في مكانه لحظات بلا حراك يرقب تلك الفاتنة الطويلة القامة الأنيقة الملبس وهى تدون شيئا في بعض من دفاتر وضعت أمامها . ثم أفاق سهيل من غيبوبته اللذيذة على صوت نسائي لمضيفة تستفسر عما يمكن أن تقدمه الى الضيف الجديد . فاعتذر سهيل عن سرحانه ، وبادر بالاجابة بأنه يريد معرفة البرامج الترفيهية للأسبوع القادم ، فرحبت المضيفة وساقته في التو واللحظة – لدهشة سهيل – الى الفتاة التي تعلقت بها عيناه وقلبه قبل قليل ، لتقدمه الى مديرتها الأستاذة نانسي . 
 
لم يصدق سهيل ما حدث من خدمة الظروف له على هذا النحو ، فابتسم لنانسي مقدما نفسه وطالبا بعضا من الشرح لبرامج الترفيه التي ستقدمها القرية خلال الأسبوع التالي . وراح يدقق النظر الى ملامح نانسي الجميلة ودقة عنايتها بكل شىء في شعرها وملبسها وأظافرها ، ويستمع الى لغتها الأجنبية الرفيعة ، كأنه يشاهد عملا فنيا . وعندما انتهت نانسي من حديثها كان سهيل قد انتهى هو أيضا ، وراح يردد لنفسه أن هذه ستكون الأخيرة . ولم يترك سهيل الفرصة تمرق قبل أن يتبادل مع نانسي أرقام التليفونات ، وهو يطير فرحا وزهوا . فقد كانت نانسي قطعة من الروعة ، ويلفها قدر كبير من الثقة بالنفس مما يجعلك تحار في سرها . 
عشرة أيام وسهيل يتصل بنانسي ويتقابلان ثم يفترقان ليتبادلا الأحاديث التليفونية الطويلة التي قد تمتد لساعات في بعض الليالي ، قبل أن يخلدا الى النوم . وسهيل يكتشف في نانسي أسبابا للجمال ويزداد فرحا وتقربا اليها ، حتى أوشك أن يبلغ والديه أنه قد عثر أخيرا على من يحب ويهوى . فلم تكن نانسي رائعة فقط ، ولكنها كانت ابنة صاحب القرية ومديرة القرية أيضا وتلقت تعليمها في لندن.
أوشكت أيام سهيل الخمسة عشر في القرية على الانتهاء ، وقد صارت المسافات بينه وبين نانسي قريبة جدا ، ولربما أراد سهيل أن يخبر نانسي بحبه لها . وعندما هم بأن يتصل بنانسي ليطلب مقابلتها ، اتصلت نانسي به لتبلغه بأنها ستحضر اليه في جناحه الخاص بنفسها ، فارتبك سهيل لبرهة ، ولكنه رحب على الفور ، وراح ينتظر نانسي . 
دقائق وكانت نانسي مع سهيل في جناحه الخاص والفرح ثالثهما . قالت نانسي : لقد تقاربنا كثيرا خلال الايام الماضية . ولا أنكر أنك لطيف ووسيم وخفيف الظل وأنني تعلقت بك أيضا . ولكني أحب أن أطلعك على شىء الآن ، وقبل أن نتقدم في علاقتنا أكثر . 
صمت سهيل وحبس أنفاسه ، بينما انطلقت نانسي الفاتنة تحكي : لقد تربيت خارج مصر وأعرف معنى الحرية . حرية العقل وحرية الروح . وقد جربت ايضا حرية الجسد ، فعرفت من عرفت من الرجال من ثقافات وجنسيات متباينة ، وسمحت لنفسي بما يسمح الرجال لأنفسهم به من التجارب ، وليس لدى ما أخفيه بعد ذلك . 
مات سهيل للحظات طويلة ظن أنها سنوات ، ثم عاد الى الحياة وهو يتمتم : لن تكون الأخيرة .









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة