عندما تنتهى الحياة فى السابعة مساء كل يوم، تكتشف أنك فى ممر يصل طوله حوالى 800 متر يربط بين الطريق الزراعى، وعزبة الشيخ، التى تحدث عنها القاصى والدانى فى الأيام الأخيرة، وبالتحديد عقب حادث تصادم قطارى بورسعيد والقاهرة، على مزلقان العزبة والتى راح سكانها حفاة عراة، يتسابقون لإنقاذ من يمكن إنقاذه، لا يخافون من الشائعات التى أطلقها البعض من وجود قنبلة فى القطار، ولا يرهبون الأماكن الضيقة وانقلاب القطار فى الترعة المجاورة له، فظلوا متكاتفين يقومون بنقل الجثامين والمصابين داخل سيارات النقل الخاصة بهم، إلى اقرب مستشفى لهم، ليعودوا آخذين من زوجاتهم الملاءات البيضاء ليستروا بها جثث المتوفين.
حكاية عزبة الشيخ التى أنقذت المئات من ركاب القطارين وأسعفت الباقى وسترت المتوفيين، تبدأ من الطرق المؤدية لها، فالطريق الذى يربطها بوسط الإسكندرية، لا يحتوى على عمود إنارة واحد، وكونه يتوسط قطع من الأراضى الزراعية، فهو من السهل أن تنفيذ عليه الكثير من الجرائم لولا شهامة أهالى المنطقة التى قد تحول دون ذلك، أما الطريق الآخر فهو طريق المحمودية الذى يأتى بطول القرية حوالى 2 كيلو ونصف، فهو يحتوى على أعمدة دون إنارة، وبسبب أكوام القمامة المتكدثة فيه، فجرائم السرقة بالإكراه عليه لا تعد ولا تحصى.
شعبان عبد القوى دياب، يحكى "لليوم السابع"، معاناة العزبة، جراء بعدها عن الأعين الإدارية والحكومية، فهى تترنح بين محافظة البحيرة والإسكندرية، فتتوه الخدمات، قائلًا: نحتاج خط كهرباء من الزراعى وحتى محطة السكة الحديد، على مساحة 800 متر، و10 أعمدة نارية تكفى لإنارة المكان، وإحساس الأهالى بالأمان.
وأضاف شعبان: قدمنا طلب إلى محافظ الإسكندرية، فحولنا على محافظ البحيرة، والتى أعادتنا مرة أخرى إلى الإسكندرية، وجعلتنا فى حيرة كون أننا نتبع إدارة كهرباء البحيرة، فبينما العزبة تقع فى نطاق محافظة الإسكندرية..
وأكمل مصطفى المفتاحجى مضيفًا: لدينا مشكلة كبيرة فى مياه الشرب فهى ضعيفة جدًا، وكذلك المواسير تحتاج إلى تنظيف أو تغيير لأنها أصبح لها طعم متغير، وتتسبب فى إصابة الأطفال بالكثير من الأمراض.
ويضيف مصطفى: حتى خط الغاز الطبيعى توقف فى منطقة سكينة، والتى قبلنا بقليل، فعلى الرغم من عدد سكان العزبة الكبير، إلا أنهم رفضوا إدخال الغاز لأن المنطقة ريفية.
ويكمل الحاج رضا محمد: احنا بندفع فلوس لكل الخدمات، ومبتوصلناش أى خدمة، قائلاً: بندفع للصرف الصحى والقمامة، ونحن من نقوم بالاشتراك والتعاون سويًا، وإحضار سيارة تقوم بجمع القمامة يوميًا، ثم ندفع لها مرتب شهرى، حتى لاتتكدث القمامة، وتتسبب فى المزيد من الأمراض، موضحًا أنه حتى ورد النيل الذى يتم انتشاله من المحمودية يتم وضعه على جوانبها، ثم يقوموا بإشعال النيران فيها، مما تتسبب فى موجة دخانية تؤثر على الصدر والرئة.
ويضيف رضا أحد كبار العزبة، أنه على الرغم من عدد سكان العزبة الكبير، إلا أنهم ليس لديهم وحدة صحية، وأقرب مكتب صحة لهم فى عزبة الصعايدة، والتى تحتاج إلى استقلال 3 مواصلات عامة للوصول إليها، أو وحدة صحة أبيس الثانية والتى تبعد حوالى 7 كيلو، ولا توجد وسيلة مواصلات سوى التوكتوك، وهو أصبح خطير إذا حاولت سيدة اصطحاب رضيعها للذهاب إليها.
ويكمل رضا: أحد أهالى العزبة تبرع بقطعة أرض حوالى 200 متر، ولكن المشكلة فى المبانى والأجهزة والترخيص لها، فتحتاج الكثير من الموافقات.
ويضيف رضا، أن أهم المشكلات التى تعانى منها القرية، هى الترعة التى على الطريق، والتى تمثل خطورة على أطفال مدرسة المعهد الدينى الأزهرى، والتى تحتاج إلى تغطية حتى لا يسقط فيها الأطفال.
وأكد كبير العزبة، أن أعضاء مجلس النواب عن دائرة الرمل التى يتبعونها لم يرونهم سوى فى الانتخابات، ويوم حادثة القطار، مشيرًا غلى أنهم أتوا فقط من أجل " الشو الإعلامى" والأهالى قاموا بالتشاجر معهم ومواجهتهم بذلك.
أما عن الحالات الإنسانية فى العزبة، فحدث ولا حرج، الحاج فاروق محمد، يبلغ من العمر أرذله لا يعرف مالديه من السنوات، يعيش وحيدًا عاجزًا لا يستطيع أن يقف على قدميه، لإصابته بالشلل.
يقول فاروق الذى لا يستطيع السمع بسهولة: كان عندى 4 بنات وكانوا بيقولوا البنات نعمة وستر، ولكنهم طلعوا قليلات الأصل، ربتهم سنين طويلة وجوزتهم على حساب صحتى وعافيتى، ودلوقتى محدش بيسأل عنى ولا واحدة فيهم بتعدى تخدمنى أو تطمن على.
أما أحمد محمد حسن - 32 سنة مبيض محارة، متزوج ولديه طفلين، يقول: " كنت شغال فى أبيس الثانية ، ووقعت من الدور الثالث، محستش بنفسى غير بعد شهرلما فقت من الغيبوبة، واكتشفت إصابتى بارتجاج فى الجمجمة وكسر فى الحوض، وتكلفت العملية الأولى 30 ألف جنيه والثانية 19 ألف جنيه، وقام أهالى العزبة بتجميع المبلغ.
ويكمل أحمد: مازلت أعانى جراء العملية ولا استطيع بذل مجهود آخر، وأحتاج إلى جراحة جديد فى الحنجرة، ولكنى أخافها لأن نسبة نجاحها 30% فقط ولا أملك المال لإجراءها، ولا نملك للأطفال الآن سوى ما يقوم أصحاب الخير بتقديمه. ويضيف أحمد: قدمت على معاش التكافل والكرامة، معاش الرئيس، من شهر فبراير الماضى، ولكن لم يأتى أى خبر عنه حتى الآن.
أما رضا سلامة، والبالغ من العمر 52 سنة فهو يعانى من انزلاق غضروفى، وتمزق فى الفقرة الخامسة فى القطنية، والنقرس وعرق النسا، ويعمل مارًا على المحلات بالبخور، يرعى أسرة مكونة من 5 أفراد ولديه بنت فى الثانوية العامة.
يقول سلامة: أنتظر دور لإجراء عملية جراحية فى مستشفى شرق المدينة منذ شهرين، ولكن الألم لا ينتظر، وبناتى يرغبون فى الامتناع عن الذهاب إلى المدرسة واستكمال تعليمهم ليعملوا وينفقوا على باقى إخواتهم.
ويكمل رضا لليوم السابع: ساكنين فى شقة إيجار بمبلغ شهرى 400 جنيه بالإضافة إلى فواتير المياه والكهرباء ومصروفات البيت، فكيف ذلك وأنا ببخر المحلات بربع ونصف جنيه. أما زوجة رضا فتقول: أنا بستلف تمن العلاج من الجيران، وكمان بطلت أشترى الدواء نفسه عشان بقى غالى، ودلوقتى باشترى المسكنات أرخص
أما مأساة أمينة حافظ والمشهورة بالست أطاطا فهى تعيش فى غرفة وحيدة على كرسى متحرك، بعد أن صدمتها سيارة منذ عامين أقعدتها السرير، وجعلتها تعيش على ما يعطيه لها فاعلى الخير، وتقول أمينة: انا عشت لوحدى بعد وفاة جوزى من 70 سنة وربيت ولاد أخواتى، اللى ماسألوش عنى بعد ما اتجوزوا على الرغم من امتلاكهم لعمارات الآن.
وتضيف أمينة: انا كنت بشتغل فى مقابر المنارة، برش ماية وأقرا قران على المتوفيين وكنت بسترزق، دلوقتى انا قاعدة على كرسى متحرك والجيران بيمشونى فى الشارع وأفضل أناكف فيهم.
وتقول الست أطاطا: أنا كل اللى عايزاه من الدنيا الستر وخير ربنا.
الشارع المظلم ليلًا
خط السكة الحديد
اثار تصادم القطار
القطار المحطم
شعبان أحد أهالى المنطقة
مزلقان السكة الحديد
صورة أخرى للمهرجان
أحد الشوارع الداخلية فى عزبة الشيخ
مدخل أحد المنازل
ممرداخل العزبة
الست أطاطا
رضا سلامة
أسرة رضا
أسرة رضا وبناته
أسرة رضا
أحمد مبيض المحارة
الحاج فاروق
شارع عزبة الشيخ
كبار المنطقة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة