يجلس ممسكاً بقلم الفحم واللوحات البيضاء خاصته وهو يستمع لكلمات وألحان الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، التى ينشدها مجموعة من مطربى الزمن الجميل "وطنى حبيبى الوطن الأكبر"، وهو يمارس المهنة والهواية التى طالما مارسها طوال 60 عاماً، هذا هو الحال الذى وجدنا عليه "عم مصطفى" الرسام كما يطلق عليه والذى يبلغ من العمر 67 عاماً.
"بدأت الرسم وأنا عمرى أقل من 7 سنين واحترفته فى الثانوية العامة، وكنت ببيع اللوحة بـ 40 قرش".. هكذا بدأت قصة عم مصطفى الذى يعد من أقدم رسامى الـ"بورتريه" فى شارع شريف بوسط البلد مع الفن، ويقول إنه عمل فى البداية فى الممر التجارى بشارع فؤاد، وكان يرسم يومياً ما لا يقل عن 4 لوحات من القماش للمناظر الطبيعية وكانت تحتوى على بعض العناصر الأساسية التى يقوم الفنان بتوزيعها وفقاً لرؤيته الخاصة، وهى البحر والأشجار والسماء والسحب والأرض وجبل، وكانت تبلغ مساحة الواحدة فيهم متر ونصف تقريباً، وكان متوسط تنفيذ اللوحة ساعة أو ساعة ونصف.
تخرج فى كلية الحقوق وتزوج من زميلته فى الدراسة بعد قصة حب كبيرة، ورغم أنها كانت من عائلة عريقة، إلا أن أهلها وافقوا على إتمام الزيجة بسبب حبهما، واطمأنوا عندما علموا أنه يتقاضى أجر جيد من الرسم، واستمرت قصة حبهما إلى أن توفاها الله منذ أعوام قليلة بعد أن أنجبا ثلاثة أبناء.
يحكى أقدم رسام بورتريه فى شارع شريف عن أكثر الشخصيات التى رسمها ولا ينساها قائلاً الدكتور رشاد رشدى رحمه الله الذى كان عميداً لأكاديمية الفنون والمخرج الراحل كمال الشيخ، ومحمد عبد المطلب عام 1970م، الذى رسمته بمحض الصدفة، فكت جالس للرسم فى ميدان الأوبرا والتقيته هناك وتعرفت إليه وجلسنا سوياً ورسمته، إلى جانب المطرب الراحل محمد قنديل الذى غنيت فى منزله لأننى امتلك صوت عذب، وخاطبنى الفنان الراحل محمود عبد العزيز أيضاً يوماً ما حتى أرسمه وفعلت، وكذلك الفنانة فريدة سيف النصر، أما الفنانة نجلاء فتحى فرسمتها "لايف" حين كانت تجلس أمامى وكانت وقتها فى بداية حياتها الفنية، والفنان العالمى صلاح طاهر، وبسؤاله عن الوقت الذى يتطلبه لرسم الشخص فى نفس اللحظة التى يقف فيها أمامه، أجاب أن الأمر يتحدد وفقاً لملامح الشخص نفسه، حيث يوجد شكل مميز يساعدك على إنجازه سريعاً، وآخر معقد ويحتوى على الكثير من التفاصيل التى تتطلب دقة شديدة لرسمه، كما يوجد وجوه يحبها الفنان، ووجوه أخرى العكس، ويلفت نظر الفنان دائماً بعض تفاصيل الوجه المتمثلة فى الفم والعينان والأنف، تلك التى يطلق عليها عناصر البورتريه.
وصف عم مصطفى الوجوه قائلاً "فيه وجوه زى الوجبة الجميلة اللى بتدفع الفنان إنه يرسمها، وفيه وجوه تانية دمها تقيل"، وأضاف أن الأشكال لا تتساوى بأى حال من الأحوال، ولكل فنان رؤيته الخاصة لها، ووصف حبه لللاسم قائلاً إن أحلى ما فيه خاصة إذا كان هواية صادقة أنك تشعر بالمتعة واللذة وخروج عن الواقع، وتعيش فى حالة مختلفة مليئة بالخيال والمشاعر والوجدانية التى تدفع روحك للتحليق فى ملكوت آخر.
تم تعيينه كرسام مع الفنان ناجى العلى فى جريدة القبس الكويتية عام 1982 بعد أن رسم الأستاذ رؤوف شحورى وهو مغمض العينين، وكان يكتب على أعماله "خاص بالقبس" أى لا يجوز نشرها فى أى مكان آخر دون موافقة من الجريدة، كما عمل فى جريدة الجماهير التى كان يملكها الشيخ فهد رحمه الله، وكان رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ سعيد وهبة، وساعدته سرعته فى الرسم على ذلك بسهولة.
وعن المواقف التى تعرض لها ولا ينساها طوال مشواره الفنى قال إنه كان يرسم فى الحسين خلال شهر رمضان الكريم عام 1990، وكان الأشخاص يقفوا فى طابور من أجل أن يرسمهم، وفى أحد الأيام جاء إليه أحد فتوات منطقة الجمالية والحسين وقتها، وأعطاه مبلغ من المال وطلب منه أن يرسمه، وكانت المقاهى الموجودة هناك تقدم له 10 "مشاريب" كل ساعة وكان مجبر على شربهم جميعاً دون سبب معلوم، وأكتشف بعد الانتهاء من الرسم طوال اليوم أن كل الأموال التى تقاضاها مقابل الرسم قد سرقت دون أن يشعر.
يبلغ متوسط سعر البورتريه 150 حنيه، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار الخامات، فقلم الفحم أصبح سعره 48 جنيه بعد أن كان 2 جنيه فقط، والفحم نفسه ليس غالى وحسب، بل أصبح نادراً أيضاً، لذا عندما أجده أقوم بشراء كل الكمية الموجودة، وأحياناً أشترى بـ 2000 جنيه فحم، وأشعر بالفرحة كثيراً أثناء شرائى للخامات، فهى تجعلنى أشعر بالأمان والمتعة، وتتعدد أشكال الرسم فتوجد لوحات الفحم، والباستيل والأكواريل أو الألوان المائية، ويتم اختيار شكل اللوحة وفقاً لرؤية الشخص صاحب اللوحة، ويمكن مزج أكثر من خامة فى الرسمة الواحدة.
تغيرت أدوات الرسم الآن عن زمان كثيراً، فعلى سبيل المثال بعد أن كانت المحاية "الأستيكة" العادية ماركة "كونور" التى كنا نستخدمها بيدينا، تحول شكلها لتصبح مثل القلم الرصاص الذى يحتوى على فرشاة للتخلص من بقاياها على اللوحة، ولكنه يفضل استخدام الأدوات القديمة، للدرجة التى تجعله يضع القطع الصغيرة المتبقية من الممحاة القديمة فى قلم الأستيكة الحديثة حتى لا يهدر أى جزء منها، لذا عندما يجد مكتبة تبيع كميات قليلة وتمتلك بضائع قديمة يشعر أنه حصل على كنز ويقوم بشراء كل الكمية الموجودة لديها بلا وعى، وأحياناً يستخدم الأستيكة التى توجد أسفل الأقلام الرصاص القديمة أيضاً إذا شعر أنها جيدة.
يقو عم مصطفى عن الرسم "لا يستغرق رسم البورتريه الكثير من الوقت، فقط أقوم بتحديد الملامح وارسم فوراً، واعتمد دائماً على موهبتى الفطرية، فحين بدأت الرسم كان أبى يساعدنى ويعطى لى بعض الملحوظات وكان يتم تصنيفى كطفل لماح وذكى، كما أننى أعشق الجمال، ولم أعتمد على الدراسة فى تعلم الفن، واعتمدت فى تنمية موهبتى على الممارسة المستمرة والرؤية، لأننى لا اعترف بالشهادات بصفة عامة، فعلى سبيل المثال السيدة العظيمة أم كلثوم، لم تتخرج فى معهد الموسيقى ولم تدرس الفن ورغم ذلك لا يمكن لأحد أن يتحدث عن فنها، الذى اعتمدت فيه على موهبتها فقط فى الوصول لما وصلت إليه، وإذا تحدثنا عن الدراسة فبعد اقتطاع فترة الإجازات الصيفية ونصف العام، وحسبنا عدد ساعات المحاضرات التى يتعلم فيها الطلاب فسنجدها حوالى 100 ساعة فقط، هذا هو رصيد كل من درسوا الفن، أما الرسام الموهوب والفنان الحقيقى فيمارس خلال حياته الفنية أكثر من تلك الساعات بكثير.
يجد عم مصطفى الدراسة الحقيقة فى رؤية أعمال العباقرة والفنانين العالميين مثل الفنان الهولندى العالمى رامبراند وليوناردو دافنشى وميكيلانجيلو وفرانسو بوشير ومحاولة اتقان تقليدها، حتى يصبح لدى الفنان مخزون استرتيجى فى خياله، وعن الفنانين المتميزين فى مصر ذكر الفنان محمود سعيد وعبد الهادى الجزار، ومحمود مختار فى النحت، ولكنه يرى أن الرسام منير فهيم رحمه الله من أفضل الفنانين المصريين، وكان متخصص فى رسم الفلكلور مثل "الرحايا وسيدة تأكل القصب" واهتم بالموضوعات الشعبية.
لم يعد الفن بالنسبة إليه ولأسرته مجرد عمل أو موهبة، بل استشرى الأمر ليتحول كافة أبنائه إلى محترفيه مثل والدهم، فالابن الأكبر رسام فى مدينة نصر، والأوسط يعمل مع الأب، أما الأخت الصغيرة فتخرجت فى كلية الآداب قسم اليونانى واللاتينى وتعمل على الماجيستير ورغم ذلك تمتلك موهبة كبيرة للدرجة التى تدفعه أحياناً لاستشارتها فى بعض اللوحات لتخبره ببعض التعليقات المهمة التى لا تخرج سوى من الرسامين البارعين.
اختتم عم مصطفى حديثه عن الموهبة قائلاً أن للبيت والأسرة دور كبير فى تنمية مواهب أطفالهم، وذكر على سبيل المثال الموسيقى العالمى موزارت الذى يتم تدريس بعض مقطوعاته التى عزفها وهو يبلغ من العمر 6 أعوام فقط حتى الآن، وأضاف أن الأمر لم يكن بمحض الصدفة، فقبل تلك المقطوعات التى ألفها فى سن صغيرة كان بالطبع يعزف على البيانو الموجود لديهم فى المنزل وتلقى تشجيع كبير من أسرته، لذا يجب على الأسرة أن تنقب عن امكانيات أولادها، والطفل الذى يمتلك والدين متفهمين ومتفتحين يكون من أكثر الأطفال حظاً، لأنه أحياناً قد يولد طفل لديه خامة جيدة، لكن البيئة التى يعيش فيها لا تساعده على استغلالها، فعلى سبيل المثال لو جلبنا كمية من القمح الجيدة ووضعناها على البلاط لن تثمر شيء، لكن إذا تم وضعها فى تربة زراعية ووفرنا المياه والتهوية الجيدة لها سيكون الوضع مختلف، وكذلك الإنسان يجب الاهتمام به منذ اللحظات الأولى.
عم مصطفى أثناء الرسم
رسام شارع شريف مع محررة اليوم السابع
عم مصطفى أثناء الحوار
رسم البورتريه
إحدى الرسومات
أدوات الرسم
بعض الأدوات
إحدى اللوحات أثناء التنفيذ
بعض أعمال عم مصطفى
عم مصطفى أقدم رسام فى شارع شريف
رسم البورتريه
الأستيكة المستخدمة أثناء الرسم
الممحاة
قلم رصاص يستخدم فى الرسم
تنفيذ إحدى الأعمال الفنية
عم مصطفى يرسم بورتريه
رسم بورتريه فى دقائق
أثناء حواره مع اليوم السابع
ألوان الباستيل
علبة ألوان الباستيل
علبة جديدة لألوان الباستيل
ألوان الأكواريل
إحدى مراحل الرسم
عم مصطفى وإحدى لوحاته
استعراض اللوحات
أثناء تجهيز اللوحة
رسم البورتريه
إحدى اللوحات المرسومة
لوحة من أعمال عم مصطفى
عم مصطفى مع أحد أعماله
رسم عم مصطفى
لوحة تم الانتهاء منها
لوحة بالألوان
البدء فى لوحة جديدة
بداية رسم لوحة جديدة
أثناء الرسم
رسم الوجه
عم مصطفى وسط أدواته
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة