ويتجدد الحديث عن صناعة الغزل والنسيج فى مصر وأزماتها كلما حدث إضراب عن العمل من العمال فى أحد قلاع هذه الصناعة، كما حدث قبل أيام فى مصانع شركة مصر للغزل والنسيج «غزل المحلة».
صحيح أن الإضراب انتهى، وانتظم العمال فى العمل، وأعطوا تعهدا بتحويل الخسائر إلى مكاسب والعمل ساعات إضافية لتعويض فترة التوقف، وبالطبع فإن كل ذلك يعد خطوة إيجابية وتعظيم لطاقات الانتاج التى نحن أحوج إليها فى هذه الفترة، غير أن الملف الأصلى فى هذه القضية الذى يجب الالتفات إليه بجدية هو مستقبل صناعة الغزل والنسيج فى مصر، فبعد أن كانت مصر واحدة من الدول المتقدمة فيها تراجعت فى السنوات الأخيرة، وفيما يحدد النائب محمد المرشدى وكيل لجنة الصناعات الصغيرة بمجلس النواب، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، عام 2002 كبداية لمخطط ضرب هذه الصناعة لتخرج مصر من المنافسة العالمية، فإن الواقع يقول أنها بدأت قبل ذلك بسنوات مع بدء برنامج الخصخصة فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، حيث شهد عمليات بيع لشركات فى مجمل القطاعات الانتاجية دون إحداث تطوير حقيقى فى المصانع التى تحتاج إلى ذلك كى تواصل ضخ إنتاجها، ومنها مصانع الغزل والنسيج.
ولم يستمع المسؤولون وقتئذ إلى الصرخات التحذيرية من ترك المصانع التى لم يتم بيعها على أوضاعها البائسة، وكان التفسير المباشر لهذا التجاهل هو الرغبة الرسمية فى تخسير كل الشركات حتى لا يكون هناك مفر أمامها من البيع، وتلك قصة طويلة يتحمل مسؤوليتها نظام مبارك ومسئولون فيه أبرزهم الدكتور عاطف عبيد الأب الحقيقى لبرنامج الخصخصة بكل مساوئه.
فى هذا السياق تم إهمال صناعة الغزل والنسيج بمكوناتها المختلفة، فتراجعت إلى حد كبير، وبتعبير «المرشدى»: بدأنا فى استيراد القماش من الخارج لنتحول من صناع إلى ترزية»، والمفارقة أن هذا كان يحدث فى وقت كانت حكومات مبارك تفتخر بأن مشروعها القومى هو «البيع»، وكان ذلك فريدا من نوعه، أما الآن وفى ظل الرغبة المحمومة فى دوران عجلة الانتاج بتعظيم الدائرة بالفعل، وتشغيل العاطلة، وإنشاء الجديد، فإنه من الضرورى أن تكون هناك كلمة الفصل بالتوجه نحو الأخذ بكل الوسائل التى تساعد على عودة نهضتنا فى هذه الصناعة، لأنه بخلاف ذلك ستبقى المشاكل كما هى.
ومن المعلوم أن هناك عشرات الدراسات التى أجريت فى السنوات السابقة تحدد الوسائل الكفيلة بعودة هذه الصناعة إلى سابق مجدها، ويتجدد الكلام بشأنها مع كل أزمة، وفى هذه الدراسات كلام عن توفير المادة الخام للصناعة بزراعة القطن قصير ومتوسط التيلة، وفيها كلام عن الرسوم الجمركية، وكلام عن التهريب الذى يؤدى إلى قتل المصانع المحلية، وكلام عن تطوير ماكينات الإنتاج فى مصانع القطاع العام، وهناك تشخيص لثغرات أخرى.
المطلوب الآن هو التصدى وبإرادة قوية لهذا الملف ووضعه فى أجندة العلاج، مادمنا نرغب فى تعظيم طاقتنا الإنتاجية، وندعو إليها باعتبارها الوسيلة الأهم للعبور نحو المستقبل، نعم نحن أمام ملف يحتاج إلى الكثير لكن فتحه وعلاجه سيعود بفوائد عظيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة