ـ الغزو القطرى للإدارات الأمريكية بدأ منذ التسعينيات.. سقوط بغداد نقطة تحول فى سيناريوهات الفوضى المدعومة من الدوحة وأنقرة.. والربيع العربى بداية "المؤامرات المكشوفة"
ـ ريكس تيلرسون.. عميل الدوحة فى "البيت الأبيض" .. بدأ مسيرته رئيساً لـ"إكسون موبيل" النفطية .. وعلاقته المشبوهة برجال أعمال قطر دفعته لاستهداف التقارب بين مصر وأمريكا
ـ جون ماكين .. بدأ رحلة استهداف مصر بملف "أيمن نور" وانتخابات 2005 .. مهد الطريق أمام انقلاب واشنطن على القاهرة قبل الربيع العربى.. وواصل مسيرة الأكاذيب لتخفيض المعونة فى عهد ترامب
ـ ماركو روبيو.. خسر انتخابات الجمهوريين الداخلية أمام ترامب .. ويبحث عن فرصة للظهور عبر التحريض الدائم ضد دولة 30 يونيو
كان ذلك قبل أكثر من 14 عاماً.. طوقت الدبابات ساحة الفردوس فى العاصمة العراقية بغداد، وحاصرت كتلاً من البرونز كانت قبل هذا المشهد تنتصب على ارتفاع 12 متراً كاملة لتدشن تمثال الرئيس العراقى الراحل صدام حسين.. سقطت بغداد فى ذلك الحين لتودع معها ملف 24 عاماً من حكم صدام فى محاكم التاريخ التى لم تغفر لمستبدى الأمس ولن ترحم أيضاً طغاة اليوم.
سكنت الفوضى شوارع بغداد وميادينها.. ونافست براميل البارود الأحزمة الناسفة فى الترويع والدمار الذى طال الجميع ليطوى عراق ما بعد صدام والعرب بأكملهم صفحة مليئة بالاستبداد ويفتحون صفحة جديدة عنوانها الفوضى والمؤامرة امتدت لتجتاز ما بين النهرين، وتعبر الحدود تلو الحدود.
غاب الديكتاتور وحلت الفوضى ليتحول العراق من أرض تقاوم محتل أجبنى إلى نقطة انطلاق لإرهاب وجد من يموله فى عواصم عدة من بينها الدوحة وأنقرة لتمتد نيرانه وتطال الجميع تحت رايات وألوية مختلفة بداية من القاعدة وصولاً إلى داعش. أدركت عواصم الإرهاب فى تركيا وقطر حينها أن المليشيات وجيوش المرتزقة قادرة على حل الخلافات وإقصاء الخصوم وإعادة رسم خرائط النفوذ فى الشرق الأوسط من وراء الستار. أنفقت عواصم الإرهاب الأموال وقدمت السلاح ووفرت ما هو آمن من ملاذ.. إلا أن شراء الصمت الغربى على المؤامرات العابرة للحدود كان مطلوباً لتمرير سيناريوهات الدم والنار، وكان يستوجب التسلل إلى عقل واشنطن ودوائر صنع القرار داخل المؤسسات الأمريكية المختلفة.
منذ منتصف التسعينيات، اختارت عواصم الإرهاب الجديد رجالها فى مؤسسات واشنطن الرسمية وشبه الرسمية. بدأت قبل الجميع برنامجاً طويلاً لشراء الأقلام ومراكز الأبحاث لضمان التسلل إلى مفاصل الهيئات والجمعيات القديمة ، والتحكم من وراء الستار فى مسار علاقة الإدارات الأمريكية المتتالية بداية من بوش الأبن وصولاً إلى دونالد ترامب بدول الشرق الأوسط والمنطقة العربية وفى مقدمتها مصر ، والضغط عبر وسائل عدة من بينها تحريك المنظمات المشبوهة التى تعمل تحت ستار حقوق الإنسان لإعلان تقارير موجهة ، وشراء حملات إعلامية فى صحف وشبكات تلفزيونية أمريكية مختلفة لتخريب تلك العلاقات متى استطاعت.
ومن غزو العراق وصولاً إلى رياح الربيع العربى، كانت الدوحة وأنقرة قد تسللتا إلى مفاصل الدولة العميقة داخل واشنطن ، وكان لعواصم الإرهاب رجالاً يدينون بالولاء ويعتلون المناصب فى الهيئات والمنظمات والشركات متعددة الجنسيات ، لينثروا بذور الفوضى ويفتحون الباب أمام المزيد من سيناريوهات الخراب الممول من قطر وتركيا، ويشكلون نواة لصراع المؤسسات داخل الولايات المتحدة والذى وصل ذروته مع دخول الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ولينتقل ذلك الصراع من الغرف المغلقة إلى الشوارع والميادين وتقف واشنطن نفسها على مشارف حرباً اهلية ظهرت نواته فى اشتباكات فرجينا الأخيرة التى خلفت قتيلاً وأكثر من 10 مصابين.
وعلى مدار سبعة أشهر، هى عمر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى البيت الأبيض، توالت الأزمات داخل واشنطن مع احتدام الصراع الذى انعكس على ملفات السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما بدا واضحاً فى تضارب المواقف بين ترامب وجناحاً من إدارته فيما يتعلق بموقف قطر من الإرهاب ، وهو ما بدا أكثر وضوحاً فى قرار واشنطن بتعليق جزء من المساعدات الأمريكية المخصصة إلى مصر ، والذى يقف وراءه العديد من الأطراف والمسئولين الذين تسللوا إلى دوائر صنع القرار.
ريكس تيلرسون .. الناطق باسم الدوحة
فى أيام 2016 الأخيرة، كان الأمريكيون يستعدون لطى صفحة الانتخابات الأمريكية الأخيرة بأعين سكنتها الدهشة لما حملته من مفاجئات كانت خارج كافة توقعات مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام واستطلاعات الرأى، ليفتحوا صفحة جديدة عنوانها "أمريكا كبيرة مرة آخرى" مع المرشح الفائز دونالد ترامب. ومع اقتراب الرئيس السابق باراك أوباما من مغادرة البيت الأبيض دون رجعة فى العشرين من يناير الماضى، توالت الترشيحات والأسماء المحتمل دخولها ضمن تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة وكان الجميع يتحدث عن ثلاثة أسماء بارزة لتولى منصب وزير الخارجية الجديد، من بينها رجل الأعمال ريكس تيلرسون، المدير التنفيذى السابق لشركة "إكسون موبيل" النفطية العملاقة.
وعبر وسائل الإعلام الموالية للدوحة، ومراكز الأبحاث التى تتلقى تمويلاً مباشراً وغير مباشر من الحكومة القطرية بدأت الآلة الإعلامية الأمريكية حملة كبرى لتمرير اسم تيلرسون ذلك المرشح الغامض الذى لا يحمل ضمن ملفاته أى تاريخ فى العمل السياسى لضمان دخوله البيت الأبيض ضمن فريق ترامب الذى قطع خلال حملته الانتخابية الكثير من الوعود وفى مقدمتها حرباً شاملة ضد الإرهاب تشمل من يمول ومن يقدم الدعم ويوفر الملاذات الآمنة للكيانات المتطرفة.
ومن الترشح للمنصب وصولاً اعتماده من قبل مجلس الشيوخ، راوغ رجل الأعمال الوافد حديثاً إلى عالم السياسة الجميع بتصريحات تتسق مع ما حمله ترامب من وعود، وتعهد أمام الكاميرات بإدراج سريع وعاجل لجماعة الإخوان على قوائم الإرهاب ، وتوعد تنظيم داعش والمليشيات الإرهابية بحرب لا هوادة فيها لتجفيف كافة منابع التطرف فى الشرق الأوسط ، إلا أن كل تلك الوعود ما لبث أن تبدلت ما أن تم الإعلان عن الإدارة الأمريكية الجديدة والتى ضمت اسمه وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق جون كيرى.
تيلرسون الذى تحمل سيرته الذاتية عضوية غامضة فى مجلس الأعمال الأمريكى ـ القطرى، وآخرى فى نظيره الأمريكى ـ التركى بادر فور تسلم مهام منصبه بالتأكيد على صعوبة إدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب والتأكيد بأن وجود أعضاء فى التنظيم الدولى داخل حكومات بعض الدول من بينها تركيا يجعل من تصنيف الجماعة إرهابية أمراً معقداً وفى حاجة ماسة إلى إعادة النظر والدراسة المتأنية، ليعرقل بذلك مساعى الرئيس ترامب والعديد من أعضاء الكونجرس الأمريكى الذين أعدوا أكثر من مشروع قانون للتصدى للدور المشبوه الذى تلعبه الجماعة فى الشرق الأوسط نيابة عن قطر وتركيا.
ومن ملف تصنيف الإخوان إلى الأزمة القطرية الأخيرة، كشف تيلرسون بما لا يدع مجالا للشك ولائه الكامل لتنظيم الحمدين الإرهابى ، ودفع العديد من وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الأبحاث الخارجة عن دائرة الرشاوى القطرية للبحث فى جذور علاقاته المشبوهة برجال الأعمال والمسئولين القطريين منذ منتصف التسعينيات ، حيث عمد وزير الخارجية فى بداية المواجهة العربية التى تقودها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ضد الإرهاب الممول من قطر، على اختزال الأزمة على أنها "خلاف عربى ـ عربى" لا ينبغى أن تتدخل فيه واشنطن ، ليتبنى بشكل تدريجى الرواية القطرية للأزمة، ويروجها فى العديد من المحافل الدولية والإقليمية فى تصدى واضح لتحركات ترامب الذى حمل الدوحة صراحة مسئولية انتشار الإرهاب فى الشرق الأوسط.
وأمام التحركات المشبوهة التى يقودها تيلرسون على مسرح العمليات فى الشرق الأوسط فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، وإدارة ملفات الأزمة القطرية والموقف الأمريكى من جماعة الإخوان، لم يكن غريباً أن يقدم تيلرسون على تمرير قرار مفاجئ ودون نقاش فى دوائر واشنطن التشريعية بتخفيض المساعدات الأمريكية المخصصة إلى مصر، ليعكس بذلك حقيقة الدور الذى يلعبه داخل البيت الأبيض والذى دفع شبكة سى إن إن الأمريكية للتأكيد على وجود اتجاه لخروجه مبكراً من الإدارة الأمريكية قبل نهاية العام الجارى لما هو قائم بينه وبين ترامب من خلافات وتباين واضح فى الخطوط العريضة للسياسة الخارجية.
جون ماكين .. 12 عاما من التحريض
ومن الإدارة الأمريكية إلى الكونجرس، كانت قطر فى حاجة إلى المزيد من العملاء الذين جاء ضمن قائمتهم السيناتور الجمهورى الشهير جون ماكين، والذى تحمله دوائر عدة مسئولية كافة المساعى لتخريب العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وآخرها تخفيض المساعدات.
ماكين، الذى يحرض جهراً ضد الرئيس دونالد ترامب ويقود تحركات رصدتها وسائل الإعلام الأمريكية داخل الحزب الجمهورى لإعداد بديل للرئيس واختيار مرشح آخر من بين قيادات الحزب لانتخابات 2020 المقبلة، بالتزامن مع الدفع فى سيناريو عزل ترامب بتهم عرقلة سير العدالة وانتهاك الدستور، لم يكن غريباً أن يطلق من آن إلى آخر سهامه ضد الدولة المصرية خاصة بعد ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان، وكتبت صفحة النهاية فى تاريخ الجماعة الإرهابية الأكثر نفوذاً منذ الثمانينيات وحتى السنوات القليلة الماضية.
ولاء ماكين للقطريين لم يكن وليد اللحظة، وعداءه للدولة المصرية لم يبدأ مع زوال حكم جماعة الإخوان، فالسيناتور الجمهورى كان له دورا بارزا فى بدايات الخلاف الكبير بين إدارة جورج بوش الأبن ، والرئيس الأسبق حسنى مبارك ، واستغل قبل أكثر من 12 عاماً مؤتمر عن الأمن الأوروبى ودور الشرق الأوسط فى مدينة ميونخ الألمانية للتحريض جهراً ضد مصر فى حضور وزيرى الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط آنذاك، ونظيره الأمريكى فى ذلك الحين كولن باول ، حيث فاجئ الجميع وفى خروج عن الملفات المطروحة على طاولة المؤتمر باتهام مباشر خارج السياق لنظام حسنى مبارك بالديكتاتورية والاستبداد، بعد إدانة أيمن نور بحكم قضائى فى واقعة تزوير توكيلات حزب الغد، داعياً لقطع المعونة الأمريكية بالكامل عن مصر دون مقدمات.
ماركو روبيو
ومن بين قائمة المحرضين ضد ترامب قبل مصر، يأتى اسم السيناتور الجمهورى ماركو روبيو، الذى خسر فى الانتخابات الداخلية للحزب أمام الرئيس الحالى، ويحمل بين أوراقه أجندة مشبوهة للنيل من العلاقات المصرية ـ الأمريكية.
السيناتور روبيو الذى يشغل مقعداً نيابياً عن ولاية فلوريدا بادر وفى تحريض لافت ضد مصر، بعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للولايات المتحدة الأمريكية بإعداد رسالة مطولة للرئيس الأمريكى موقعة من 9 أعضاء بمجلس الشيوخ طالبه خلالها بالضغط على مصر وقطع المعونة الأمريكية تحت ذريعة حقوق الإنسان وتدنى مستوى الحريات، إلا أن تلك الرسالة لم تلقى القبول فى ذلك الحين أمام الأصوات التى نادت بالمزيد من التنسيق بين القاهرة وواشنطن فى الملفات الإقليمية والدولية وفى مجال الحرب على الإرهاب.
ولم يفوت السيناتور الشاب عضو لجنة العلاقات الخارجية ذو التوجهات المشبوهة، مناسبة دون الهجوم على الدولة المصرية خاصة بعد زوال حكم الإخوان، الأمر الذى دفع العديد من الصحف الأمريكية ومن بينها "USA Today" لاتهامه بالبحث عن الشهرة وأداء "دور لا يلق به" بعد دعواته المتكررة فى مناسبات عدة لحجب المعونة الأمريكية، مشيرة إلى أن خسارته فى الانتخابات الداخلية للحزب الجمهورى أمام ترامب دفعته للبحث عن الأضواء بشتى الطرق مروجاً فى ذلك الكثير من الأكاذيب والادعاءات.
وبخلاف تيلرسون وماكين وروبيو، تمتد قائمة عملاء الدوحة وأعداء القاهرة لتشمل السناتور ليندسى جراهام، رئيس اللجنة الفرعية لمخصصات المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ، وميشل دن خبيرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية والباحثة بمعهد كارنيجى، وغيرهم الكثيرين ممن عرقلوا مساعى ترامب ـ حتى الآن ـ فى التقارب مع مصر ، وحرضوا ضد دولة 30 يونيو، إلا أن قائمة المحرضين لا يزال أمامها قائمة مضادة تشمل أسماء وأصوات تؤكد دور القاهرة فى الحرب على الإرهاب، وتعى ضرورة التوازن بين ملفات حقوق الإنسان والأمن القومى، وتدرك حساسية الظرف التاريخى الذى تمر به منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وبين قائمة عملاء قطر، وقائمة انصار التقارب مع القاهرة داخل واشنطن، تواصل الإدارة الأمريكية للشهر السابع على التوالى منذ دخول ترامب للبيت الأبيض صراعاتها الداخلية، فيما تواصل الدولة المصرية تحركاتها الطموحة فى الداخل لبناء اقتصاد قوى أقل اعتماداً على المساعدات، وتوجهاتها الجريئة فى الخارج لتدشين شبكة علاقات خارجية عمادها الندية وقوامها التعدد، دون اعتماد منفرد على واشنطن، أو رهان وحيد على البيت الأبيض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة