"حدث فى أوروبا فى ذلك الوقت أن اختفت المعارف، وظهرت إشارات على الأبواب الأمامية تحذر الزوار وتبعدهم. وحلت النداءات الخشنة "أخرجوا الموتى" محل أصوات البائعين المتجولين فى الشوارع الذين يعلنون عن بضائعهم.
وسمع صرير العربات المحملة بجثث الموتى والمحتضرين على طوال الشوارع بدلا من العربات المليئة بالمواد الغذائية الطازجة والسلع الأخرى" هكذا يصف جوزيف بيرن حال أوروبا فى كتابه "الموت الأسود" الذى صدر عن دار جرينوس برد، بينما صدرت ترجمته العربية عن مشروع كلمة ذلك ضمن سلسلة الحياة اليومية عبر التاريخ.
ويقول الكتاب الذى ترجمه عمر سعيد الأيوبى، إن الموت الأسود والمقصود به الطاعون ضرب العالمين الإسلامى والمسيحى ما يزيد عن ثلاثة قرون، وانحسرت عن أوروبا فى أواخر القرن السابع عشر، وقد شهدت كل المناطق فى هذه الفترة أهوال الطاعون مرة كل عقد من الزمان تقريبًا.
ويرى الكتاب أن الطاعون تفشى فى وقت ما فى ثلاثينيات القرن الرابع عشر من موطنه المعزول فى أراضى آسيا الوسطى الشاسعة. وانتقل المرض فى المناطق الشرقية من العالم الإسلامى فى أواسط أربعينيات القرن الرابع عشر، وامتد إلى الجنوب الغربي جول البحر الأسود، فضرب القسطنطينية زالأطراف الغربية للبحر المتوسط فى أواخر سنة 1447، وفى ذلك الوقت بدأ المسلمون والمسيحيون يسجلون ما عرفوه من منشأ الطاعون ومساره المبكر والأهوال التى لم يعودوا راغبين فى أن يشهدوها.
وانتقل الوباء مع التجار والقوافل والجيوش والحجاج والبعثات الدبلوماسية، وعلى متن السفن المحملة بالبضائع والمسافرين من موانئ المناطق الداخلية على ضربها الطاعون. فتفشى فى صقلية ومرسليا وبيزا وجنوا والإسكندرية.
وعبر إلى المناطق الداخلية على متن القوارب والصنادل على طول الممرات المائية، وعلى متن العربات فى الطرقات ودروب الجياد وعلى حيوانات الحمل، واجتاز جبال الألب والبيرينيه والأبنين والبلقان والقناة الإنجليزية وبحر الشمال.
ووصل فى نهاية المطاف إلى إلى السهول الكبرى فى أوروربا الشرقية والمدن الروسية فى حوض نهر الدون وموسكو نفسها.