استهل الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، ووكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب، خطبة عيد الأضحى المبارك، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، من مسجد محمد كريم بمقر قيادة القوات البحرية برأس التين بمحافظة الإسكندرية، بالتكبير، قائلاً، "الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر و الحمد لله.. الحمدالله رب العالمين.. الحمد الله حمداً كثيراً طيبا مباركاً فيه، ملء السموات والأرض.. اللهم لك الحمد كله ولك الثناء كله.. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين".
وقال "الأزهرى"، إن الحج فريضة معظمة تغرس فى نفوس العباد آداب رفيعة وشمائل نبيلة وأخلاق عالية، ولقد اخترت قيمتين عظيمتين تغرسا فى نفوس العباد عند معايشة شعائر الحج، والقيمة الأولى إذا وقف الإنسان فى مناسك الحج ورأى ألوف مؤلفة من البشر على اختلاف ألوانها وأعراقهم وأجناسهم ولغاتهم وألسنتهم ولكل واحد منهم حال وسرير مع الله، غرس فى قلبه انشراح الصدر للعباد واتساع صدره لهم فلا يضيق بأحد من الخلق ولا يضجر منه ولا يكرهه ولا يعتدى عليه ولا يكفره لأن الجميع وقوف على أبواب رحمة الله، حيث تلهج الألسنة بالتلبية والحناجر بالتكبير فإذا رأى الإنسان هذا المشهد واهتز له قلبه غرست فى نفسه القيمة الأولى وهى سعة الصدر وانشراحه للعباد جميعا، ولقد ظهر هذا المعنى فى خليل الرحمن إبراهيم إذا جعل النداء بالحج للناس جميعا مع إن شعائر الحج للمسلمين.. وقال العلماء إذا وقف فى مناسك الحج ألوف مؤلفة من البشر وهذبة نفس كل واحد منهم بسعة صدر وانشراح خاطره ثم انفض الحجيج إلى أوطانهم صار كل واحد من هؤلاء الحجيج أمان على بلده ومظهر للخلق الرفيع فتسرى أنوار الحج للناس جميعا".
وأضاف الأزهرى، "لأجل هذا أشار الله تعالى لهذا المعنى الدقيق، بقوله تعالى، "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين"، فجعل الله الحج هدية يفيض أثرها وأخلاقها وأمانها وآدابها الرفيعة حتى تصل إلى العالمين، ثم إن خليل الرحمن ظهر فى مسلكه ودعوته صباح مشرق، إذا قال الله تعالى فيه "وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض"، فلما رأى ملكوت السماوات والأرض اتسع صدره وانشرح خاطره فلما واجهه الناس بالعدوان كان سلاما وأماناً عليهم".
وأشار الأزهرى إلى أن هذا المشهد بزر فى سيرة نبى الله موسى إذا شرح الله صدره وصانه وحفظه من ضيق خاطره وضيق صدره إذا وقف موسى يقول "رب إنى أخاف أن يكذبون ويضيق صدرى ولا ينطلق لسانى فأرسل إلى هارون"، ثم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شرح الله صدره بقوله تعالى، "ألم نشرح لك صدرك"، وجعله رحمة للعالمين واتسع خاطره للناس جميعاً، ثم أمرنا الله نحن بهذا الأدب الرفيع، بقوله تعالى "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَى ثُمَّ إِلَى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"، وهذا المعنى اللطيف كامن فى أوائل الوحى إذا يشير الله تعالى إليه فى أول سورة "الحمد الله رب العالمين"، فشرح صدر الإنسان بأن يكون متسعاً للعالمين جميعا قبل أن يبرزه البيان النبوى، فى حديثه "إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ".
وأوضح الأزهرى، أن القيمة الثانية هى الأمان، وقدر أبرز الله تعالى قيمة الأمان وربطه بالحج حينما أمر عباده أن تتسع قلوب بعضهم لبعض وأن لا يعتدى بعضهم على بعض، وأن يرحم بعضهم بعضا، فإذا اتسعت صدور الناس ببعضهم شاع الأمان، مستشهداً بقوله تعالى "إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا"، ثم قوله: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ"، ثم يقول الله تعالى، :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ"، ويؤمرنا الله سبحانه أمراً بان نكون أمانا حتى على من لم يستجب لنداء الإيمان لقوله "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ".
وتابع قائلاً، "الله ربط الأمان فى البيت الحرام بسعة الأرزاق، وحركة الاقتصاد ورواج التجارات ونهوض المؤسسات وعمران الحرف حتى تفتح البيوت وتتدفق الأرزاق على العباد وتبنى الحضارة..إنها إذاً ثلاثية من القيم، وهى سعة الصدور ثم شيوع الأمان، ثم ازدهار العمران.. وإذا ازدهر العمران أكرم الإنسان، ومن ثم يزداد الإيمان، فقد أسس الله تعالى لهذه المعادلة المعظمة ليستفيد بها العمران ويأمن بها العباد، أما من ضاق صدره يكفر الناس، ويعتدى عليهم، ويروع أمنهم، فهو ألد الخصام.. احذروا ثم احذروا.. إياكم والتورط فى مثل تلك الأمور، حتى أن الله يحذر تحذيرًا شديدًا من هذا النوع من البشر.. والأصل فى الحج أن تتسع الصدور العباد لبعضهم البعض وأن يشيع الأمان بينهم ليرى الناس مكارم الدين على الحقيقة"، مستشهداً بقوله تعالى " وإذا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ".
وأضاف "إذا اتأسست هذه القواعد والأركان فإن الله يختم مشهد الحج بزيادة الإيمان والمعرفة بالله وكثرة التعلق به وشكره والإنابة إليه والحب فيه.. والإنسان لا يقبل على الله وهو على بصيره إلا إذا أمن وانشرح وأكرم وكان شاعرا بالمنة ومدركا للكرم".
وفى ختام خطبته، قال "الأزهرى"، "أوجه رسالة للعالم كله من أرض الكنانة.. نحن صناع حضارة وحملة الأمان وصناعه.. نحن عباد من عباد الله قد أنار الله بصائرنا بالفهم وجعلنا أبواب أمان للعباد والبلاد.. أيها الناس فى مشارق الأرض ومغاربها إلى مختلف الشعوب والأمم والحضارات إلى كل إنسان على ظهر الأرض هذه يدنا من أرض الكنانة مصر مبسوطة إليكم بالأمان والود والتقدير والاحترام والصلة والتعاون على صناعة الحضارة وإكرام الإنسان وندعو الله أن يجعلنا من أكثر عباده برا بعباده".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة