يحيى فؤاد الشلقانى يكتب: لحظة صمت

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017 10:00 ص
يحيى فؤاد الشلقانى يكتب: لحظة صمت محطة مترو أنفاق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

على مشارف نهاية العمر تقابلوا فى بهو محطة مترو الأنفاق .. هو إنسان قارب عمره على الستين عاماً وهى فى أواخر الأربعينات ... وقف ينظر إليها وكأنه لم ير امرأة فى حياته .. فقد كانت ما زالت فى أبهى صورة لامرأة فى مثل عمرها ... ممشوقة القوام ... محتشمة .. تبدو على وجهها ملامح البراءة باستثناء جبهتها حيث تعارض خطان أعلى جبهتها يدلان على صراع مع الزمان قبل الدخول فى مرحلة تخاف منها كل فتاة وكل امرأة  ألا وهى علامات تدل على حقيقة عمرها واللاتى يحاولن دائماً إخفاءها بشتى الطرق ليبقين إناثاً بكل معانى الأنوثة ... وكانت هى الأخرى ترمقه بنظرة شاملة فقد التقى الاثنان بعد أن كانا يهرعان إلى المترو الذى أغلق أبوابه ورحل سريعاً قبل أن تخطو قدمها إلى داخل الباب ولولا هذا الرجل الذى استطاع أن ينقذها من انفلات ذلة قدمها عندما أسرع فى لمح البصر وساعدها على أن تستعيد ثباتها قبل أن تفيق من تلك اللحظة وتنفس جميع المتواجدين الصعداء عندما غادر المترو المحطة وترك الفتاه سليمة .. مضت لحظة التقاء عيونهما كأنهما يعرفون بعضهما البعض منذ سنوات.

 

كانت صدفة أفرزت إعجابا متبادلا وفى عفوية نظر الاثنان إلى أصابع بعضهما البعض حيث كانت تتشابك وكانا يبحثان عن أى رمز لارتباط أحدهما بآخر .. طال الصمت بينهما كثيرا لدرجة أنهما لم يشعرا بأنهما فى محطة رسمية وهناك أناس وحياة حولهم .. حتى اختلط صوتها بمشاعر متفاوتة وهى تشكره لأنه تسبب فى إنقاذها مما لا يحمد عقباه ... فأومأ برأسه وقال أرجوكى ... لا داعى للشكر فأنا مجرد سبب إلهى لألتقيكى فهل تسمحين لى بالتعارف إليكى .. فابتسمت فى حياء وخجل فى حين أكمل ... أنا أسف لكن صدقينى .. عندما رأيتك شعرت أننى رأيت نفسى التى ضاعت منى فى الحياة طوال سنوات ضاعت بلا أمل .. وفجأة عادت لى نفسى وأصبحت لى حياة فقد كنت فيما مضى إنسان محبط المشاعر وأتالم لأحوال الدنيا التى أصبحت بلا مشاعر وكأنها حجر قاسى صلد .. وقبل أن يكمل هو .. ابتسمت فى براءة وهى تأخذ زمام الحديث .. هل تعلم أنك تتكلم بلسانى .. لقد كنت هكذا من قبل قليل وكنت أشاطر أحزانى مع الدنيا و أتبوأ لنفسى مكانا فى ظلام الأحلام بعيدا عن حياة طغت فيها الأهواء و سارت الشياطين هما السادة و أولياء قساة القلوب و المشاعر .. لم أعد أرى ملائكة و لم أعد أسمع غناء الطيور ....  فابتسم برضا وهو يقول .. هل أطمع فى أن تكونى أميرتى رغم أننى لم أعد وسيما فقد شاب شعرى و لكن قلبى ما زال طفلاً مفعماً بالأمل ... و لا أملك من حطام الدنيا إلا إيمانى بخالقى و أنه لن يخذلنى أبداً ما دمت .. فهل ترضين أن ترافقينى حتى يحين موعدى مع الموت .... فترقرقت الدموع فى عينها و هى تمسحها بمنديل ورقى و تقول أما بعد فكما ترانى هكذا أنا بلا رتوش كنت محطمة الفؤاد منذ زمن بعيد لكن الله دوانى بالصبر واستطعت أن أجعل آيته لا يكلف الله نفساً إلا وسعها دوائى فأكرمنى سبحانه وتعالى بك .. فكيف أرفض هذا الشرف الذى أرسله الله إلى .. وصدقنى فلا أوصف لك سعادتى وأننى سوف اكون المرأة التى طالما بحثت عنها مثلما وجدتك الرجل الذى أبحث عنه ... وتنهدا الصعداء وهم يتفقان على الذهاب و المضى قدماً فى توثيق الإرتباط المقدس عند الرجل الذى يجمع كل قلبين طاهرين فى الحلال.

 

وصل المترو و صعدا إليه فى طريقهما إلى بداية حياة جديدة بعدما قارب اليأس و الإحباط من إلتهامهما فى طيات النسيان .. و أغلق المترو أبوابه و بدأ يمضى و يمضى حتى إختفى فى الظلام معلناً ختام قصة من قصص الصدف و النصيب بطلاها كانوا على وشك نهاية كانت شبه حزينة لم تكتب لهما.. بل كتب لهما القدر أن يصيرا سطورا فى صحف السعادة المفقودة و حضن الأمل الضائع بين الكثير من الرجال و النساء ... تزوجا وعاشا حياةً سعيدة وكانت معجزة الله فى أن رزقهما المال و البنون وصارا عمودا فى معبد الرضا بالمقسوم.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة