تحيط المخاطر بمنطقة الشرق الأوسط من كل صوب ودرب، فالمنطقة الغنية بمواردها وثرواتها الطبيعية، طالما كانت مطمعًا للدول الاستعمارية على مر العصور، والتى انتقلت من فكرة الاستعمار العسكرى، إلى الاستعمار الاقتصادى، ما يتبلور فى مخططات تقسيم وتفتيت الدول لدويلات صغيرة متناحرة حدوديًا حتى تسهل عملية التحكم والسيطرة فى مواردها خاصة النفط والمعادن النفيسة.
وفى هذا الإطار، يعزز الغرب لدى الأقليات فى منطقة الشرق الأوسط، النزعات الانفصالية، التى تهدف إلى الاستقلال بمساحات كبيرة داخل الدول لتدشين دويلة جديدة داخل الدولة، وغالبًا ما تنشأ تلك النزعات الاستقلالية الغنية بالبترول، كما حدث فى جنوب السودان، وهو الأمر عينه الذى يتكرر الآن فى العراق، حيث يسعى إقليم كردستان، الاستقلال بحكم ذاتى لمحافظة كركوك الغنية بالنفط، والمناطق الأخرى الخاضعة للأكراد، فى الشمال، عن الدولة العراقية.
استفتاء إقليم كردستان للاستقلال عن العراق
ويجرى، إقليم كردستان، اليوم الاثنين، استفتاءً على الاستقلال عن الدولة العراقية، يشارك فيه نحو 5 ملايين نسمة فى مناطق خاضعة لسيطرة الأكراد فى شمال العراق، وهو استفتاء غير ملزم على الاستقلال، وسيجيب المشاركون فى الاستفتاء بــ"نعم" أو"لا"، على سؤال "هل تريد إقليم كردستان والمناطق الكردية خارج إدارة الإقليم أن تصبح دولة مستقلة؟".
ويحق التصويت لجميع السكان المسجلين الأكراد، وغير الأكراد، فى المنطقة الخاضعة للأكراد بشمال العراق، وتشمل المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد مناطق داخل الحدود الرسمية لإقليم كردستان، ومناطق محيطة سيطرت عليها قوات البشمركة، خلال حربها مع "داعش"، وتقع كركوك، خارج إقليم كردستان، وتطالب بغداد بالسيطرة عليها، وسمح للنازحين داخليا من المناطق المتنازع عليها بالتصويت، كما سمح للأكراد العراقيين المقيمين بالخارج، تقديم بطاقات اقتراع إلكترونية يومى 23 و24 سبتمبر الجارى.
30 مليون كردى منتشرون فى 4 دول بالشرق الأوسط
بالعودة لتاريخ الأكراد، نجد أنهم أكبر مجموعة عرقية ظلت بلا دولة عندما قسمت بريطانيا، وفرنسا - القوتان الاستعماريتان المنتصرتان فى الحرب العالمية الأولى - الإمبراطورية العثمانية، وظل حوالى 30 مليون كردى بالمنطقة متناثرين فى 4 دول هى العراق، وإيران، وتركيا، وسوريا.
ورغم الرفض الإقليمى والدولى، للاستفتاء الذى يجريه الأكراد للاستقلال عن الدولة العراقية، إلا أن حكومة إقليم كردستان، تسعى لاستغلال هذا الاستفتاء كتفويض شرعى للضغط من أجل إجراء مفاوضات مع بغداد، ودول الجوار، للوصول إلى الاستقلال، حال جاءت نتيجته بتصويت الأغلبية بـ"نعم".
وفى جبهة المعارضة لاستقلال إقليم كردستان، توجد الحكومة العراقية، فى بغداد، التى تعتقد أن التصويت قد يحدث انقساما فوضويا بالعراق فى الوقت الذى يكافح فيه من أجل إعادة الاعمار وعودة اللاجئين، هذا فى الوقت أيضًا، الذى تعرض فيه إجراء محادثات لحل النزاعات على الأراضى وموارد الطاقة والمشاركة فى السلطة بما فى ذلك وضع منطقة كركوك المتعددة الأعراق الغنية بالنفط.
جيران العراق يخافون من انتقال عدوى الاستقلال لأراضيهم
الخوف من الفوضى، ليس موجودًا فى بغداد فقط، بل يخشى جيران العراق من انتقال عدوى الانفصال إلى سكانهم الأكراد، ففى تركيا مثلًا توجد أكبر أقلية كردية بالمنطقة، والدولة التركية، تقاتل لإنهاء تمرد كردى فى جنوبها الشرقى منذ عام 1984، كما تدخل فى مواجهات أما الأكراد الإيرانيين، فقريبون ثقافيا من أكراد العراق، ويتحدثون اللغة الكردية ذاتها، كما أن طهران قريبة من الأحزاب السياسية الشيعية التى تحكم العراق أو تتولى مواقع أمنية أو حكومية مهمة منذ عام 2003.
وعلى الجانب الآخر، تعصف بسوريا حرب أهلية ومواجهات بين الجيش السورى، والعديد من الفصائل المسلحة التى تهدف إلى إسقاط النظام السورى، إضافة إلى مواجهات أخرى مع تنظيم "داعش"، وهنا يستغل الأكراد، متمثلين فى قوات سوريا الديمقراطية، تلك الصراعات المسلحة، ودخلوا فى خط المواجهات مع تنظيم "داعش"، للسيطرة على بعض المناطق الخاضعة لسيطرته، وذلك طمعًا فى الفوز بحكم ذاتى للمناطق التى ستخضع لسيطرتهم نتيجة ذلك الصراع.
ولا تأتى المعارضة لاستقلال أكراد العراق، من جانب جيران بغداد فقط، بل يعارضه الجميع تقريبًا إقليميًا ودوليًا، بما فى ذلك الولايات المتحدة، والأمم المتحدة – التى رفضت المشاركة فى مراقبة الاستفتاء - وكذلك أعلنت مصر، وسوريا، والإمارات، مواقفهم الرسمية الرافضة للاستفتاء ودعمهم لسلامة ووحدة الأراضى العراقية، خشية زعزعة استقرار العراق، فى وقت لم تضع فيه الحرب على تنظيم "داعش"، أوزارها.
أهمية إقليم كردستان لأسواق النفط
وهنا يجب أن نتعرض للسبب الرئيسى فى تحول "كركوك"، إلى بؤرة توتر فى الدولة العراقية، و"كركوك"، مدينة متعددة الأعراق تقع خارج إقليم كردستان، ويقطنها أكراد، وتركمان، وعرب، ومسيحيون آشوريون، والسر هنا فى أن تلك المدينة لديها احتياطيات نفطية كبيرة، وتصدر النفط الخام من خلال خط أنابيب عبر البحر المتوسط يمر من إقليم كردستان العراق، وتركيا، ولكن فى حال قررت تركيا إغلاق خط الأنابيب، فسيحرم ذلك حكومة كردستان فى أربيل من معظم دخلها من العملة الصعبة.
وينتج إقليم كردستان العراق، نحو 650 ألف برميل نفط يوميا من حقولها، بما فى ذلك حوالى 150 ألف برميل من مناطق كركوك المتنازع عليها، ويمثل إنتاج الإقليم 15% من إجمالى الإنتاج العراقى ونحو 0.7% من إنتاج النفط العالمى، وتطمح حكومة إقليم كردستان، إلى إنتاج ما يربو على مليون برميل نفط يوميا بحلول عام 2020.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة