على واقع استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق عن الحكومة المركزية فى بغداد، أصبح شبح الانفصال يطارد إيران البلد المجاور للعراق، والملاصقة حدوده الشمالية الغربية لإقليم كردستان العراق، لاسيما أن العنصر الكردى يشكل فى هذا البلد إحدى قومياتها وتمثل نسبته 9% من الإيرانيين، بواقع 6 ملايين تقريبا من إجمالى 80 مليونا بحسب إحصائيات غير رسمية، يعيش معظمهم فى إقليم كردستان وكرمانشاه وآذربيجان الغربية وإيلام، وتراودهم طموحات الانفصال منذ ما قبل الثورة الإيرانية.
وانتابت الدوائر السياسية وصناع القرار فى إيران المعارضة بشدة للانفصال مخاوف حقيقة من سريان عدوى الانفصال، بعد أن خرجت نتائج الاستفتاء الذى أجرى فى كردستان العراق مخيبا لآمال العراقيين الرافضين لتقسيم بلادهم وبلغت نسبة التصويت بنعم 92%، وأصبح انفصال اقليم كردستان العراق عن بغداد واقعا على الحكومة الإيرانية التعامل معه، واتخاذ الإجراءات والسيناريوهات التى وضعتها للحيلولة دون تكرار الأقليات الكردية الإيرانية هذه التجربة داخل إيران.
ويبدو أن مخاوف إيران من انفصال إقليم كردستان العراقى بدأت تتحقق، وبدأت رياح الانفصال تهب على الأقاليم الكردية فى إيران، شمال غربى البلاد، وعقب انتهاء الاستفتاء الكردى فى العراق، خرج مئات من الأكراد لشوارع المدن الإيرانية، خاصة "سنندج" وكردستان و"أورومية"، معبرين عن تأييدهم لاستفتاء انفصال أكراد العراق عن الحكومة المركزية فى بغداد، وهو ما كانت تخشاه طهران.
وعلى نحو ما وثقت مواقع إخبارية منها هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" فى نسختها الناطقة بالفارسية، مقاطع فيديو تم تصويرها من داخل المدن الكردية فى إيران، ويظهر فيها خروج جمع غفير من الأكراد لتأييد انفصال إقليم كردستان العراقى، مرددين هتافات باللغة الكردية، بينما ظهرت قوات الشرطة بجانب المسيرات. لكن طهران حاولت أن تهون وتخفى خوفها من خروج مسيرات الأقليات الكردية فى إيران لتأييد الاستفتاء الكردى فى العراق، واعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومى على شمخانى الذى ناقش الوقائع فى جلسة مغلقة فى أن "الاحتفالات التى أُقيمت كانت عادية وطبيعية، إذ أن أشخاصا لديهم لغة واحدة أظهروا مشاعرهم، وعلى هذا الأساس لا يوجد قلق داخل إيران".
تصريحات شمخانى لم تخف القلق من مسيرات الأكراد فى إيران والتى دقت ناقوس الخطر على مسامع صناع القرار التى عبرت تصريحاتها الأيام الأخيرة عن قلق بالغ من تداعيات الاستفتاء على بلادها، إذ دفعت السلطات الإيرانية بالتحرك سريعا، وكشفت مقاطع فيديو أخرى، اتخاذ إيران تدابير أمنية مشددة، ونزول قوات الأمن الإيرانية، وقوات مكافحة الشغب، ومعدات الجيش الثقيلة، إلى شوارع المناطق التى يقطنها الأكراد، تحسبا لوقوع أية مواجهات أو تظاهرات وحتى لا تحرك نتائج كردستان العراق طموح الانفصال بين الأقليات الكردية داخل إيران.
وفى إطار مساعى الدولة الإيرانية لاحتواء الأكراد، اتخذت إيران عدة إجراءات وتحركات سريعة فى اقليم كردستان، منها على سبيل المثال تم تعيين "جيلا سجادى"، وهى من الأقليات الكردية، فى منصب مساعد وزير الداخلية ورئيس أكاديمية التعليم العلمى التابعة للوزارة، وبحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، فإن "سجادى" التى تعمل بالتدريس فى الجامعة وعضو الهيئة العلمية بجامعة "شهيد بهشتى" الإيرانية، ستكون أول امرأة كردية تتسلم منصب مساعد وزير الداخلية.
ويحمل قرار تعيين امرأة كردية إيرانية فى هذا المنصب دلالات كبيرة، فى وقت يسعى أكراد كردستان العراق للانفصال عن حكومتهم المركزية فى بغداد، وتخشى طهران من تداعيات استفتاء الانفصال على أقاليمها التى يقطنها أكراد، وترى الأمر خطرا على أمنها القومى، إذ تعد إجراءات تقوم بها إيران لاحتواء الأقليات الكردية فى إيران التى يراودها حلم الانفصال، لتحول دون تكرار تجربة كردستان العراق على أراضيها.
مغازلة إيران للأقليات الكردية داخلها لم تقف عند هذا الحد، بل ذهب رئيس البرلمان الأسبوع الماضى فى زيارة نادرة له، إلى إقليم أذربيجان غرب إيران وتفقد النقطة صفر من الحدود الغربية الملاصقة لإقليم كردستان العراقى لأول مرة وهو يرتدى الزى العسكرى، وقال إنه زار الإقليم للوقوف على المشاكل التى يعانى منها الأكراد فى إيران، وأثارت تلك الزيارة الجدل بعدما انتشرت صوره الزى العسكرى على الحدود مع كردستان، برفقة عدد من العسكريين ما يمكن أن يشير إلى رغبته فى توجيه رسائل سياسية فى هذا التوقيت الحساس لحكومة كردستان العراق، على نحو ما قال نائب مدينة نطنز وعضو لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية مرتضى صفارى لصحيفة ابتكار، "إن زيارة لاريجانى النقطة صفر على الحدود مع كردستان العراق بزى عسكرى، حركة رمزية، أراد أن يقول إن كافة أطياف الشعب الإيرانى جاهزة لارتداء زى الحرب تحت أى ظروف حساسة تواجهه والتصدى لأقل تهديد خارجى على بلاده".
تحركات إيران المعبرة عن مخاوف من مغبة الانفصال الكردى وصلت إلى إطلاق التهديدات لزعيم الإقليم برزانى الذى أبى الانصياع لأى من رافضى سياسته للانفصال، حيث كانت أولى التحركات بإطلاق الحرس الثورى الإيرانى مناورات عسكرية على الشريط الحدودى مع إقليم كردستان العراق شمال غرب البلاد الأحد الماضى قبيل إجراء الاستفتاء، كما أوقفت طهران الرحلات الجوية إلى مطارات فى إقليم كردستان العراق، وأغلقت مجالها الجوى مع الإقليم.
وجاءت أبرز السيناريوهات بشأن تعامل إيران مع نتائج الاستفتاء المؤججه للنزعة الانفصالية لدى أكرادها، فى فرض عقوبات وممارسة ضغوط على حكومة كردستان، حيث دفعتها لتعزيز تعاونها مع بغداد وأنقرة، وأطلق المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى استراتيجية لمواجهة انفصال إقليم كردستان، وكشف النائب الإيرانى جبار كوجك نجاد، عن إجراءات ستتخذها إيران فى المرحلة المقبلة، وقال إن الأعلى للأمن القومى سيواصل المحادثات الثلاثية بين إيران والعراق وتركيا، وتزامنا مع ذلك ستُجرى مفاوضات مع الجماعات والأحزاب فى إقليم كردستان، وكذلك ممارسة ضغوط وفرض عقوبات".
وعن التحركات المتوقعة من جانب طهران للتعامل مع الأمر، قال النائب الإيرانى، إن أمين المجلس الأعلى للأمن القومى أعلن أنه سيتم اتخاذ تدابير مختلفة من أجل إرغام أكراد كردستان العراق على التراجع عن موقفهم، فالحكومة العراقية بإمكانها اتخاذ أى إجراء حتى لو كان عسكريا، وطهران تدعم كل إجراءات الحكومة العراقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة