البابا تواضروس الثانى.. الراعى الروحى للمصريين.. انتصر للدولة وواجه محاولات تفتيتها.. مد عصا رعايته للخارج فتحولت كنائسه لسفارات تدعم الدبلوماسية الشعبية رافضا مزايدات الداخل.. وهكذا استقبل الأذى الإخوانى

الإثنين، 04 سبتمبر 2017 02:09 م
البابا تواضروس الثانى.. الراعى الروحى للمصريين.. انتصر للدولة وواجه محاولات تفتيتها.. مد عصا رعايته للخارج فتحولت كنائسه لسفارات تدعم الدبلوماسية الشعبية رافضا مزايدات الداخل.. وهكذا استقبل الأذى الإخوانى زيارة البابا تواضروس الثانى لليابان واستراليا
كتبت: سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تعرف الرجال بالمواقف، ونذكر المواقف برجالها، ولا تتتسق أقوال غريبة مع تصرفات حكيمة سابقة، إلا إذا كانت شائعة أو كان هناك من يستعد للتربص والانقضاض على القول لتغيير الفعل، وانطلاقا من هذه الثوابت، نتحدث عن البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية، الرجل الذى عرف بمواقفه الوطنية، فلا يذكر يوم التوافق الوطنى فى الثالث من يوليو إلا وذكرت وقفته، مدافعًا عن استعادة مصر من أيدى الإخوان غير عابئ بما قد يطاله بعد ذلك، لم يتراجع قيد أنملة، ولم يظهر منه ما يجعلنا نظن فيه عكس ذلك، بل أنه تجاوز وعبر فوق أمواج الفتن فى أكثر من موقف وأكثر من نائبة، وهو صاحب العبارة الشهيرة وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن، تلك الكلمة التى واجه بها محاولات الإرهاب الدائمة للوقيعة بين الدولة والمواطنين المسيحيين فيها، البابا الذى انتصر للدولة الوطنية وبعد سنوات من التجارب التى لم تمر مثلها على بطريرك قبطى فى العصر الحديث، قد اضطر لمواجهة شائعة مطالبته للحكومة الاسترالية بقبول طلبات لجوء الأقباط وهو من ذلك برئ.

 

زياره البابا تواضروس لليابان واستراليا (6)

 

كيف ينصب المحاور الفخ لضيفه؟

فى الصحافة، هناك أسئلة بريئة وهناك فخاخ، ينصبها المحاور للضيف بالشكل الذى يجعل إجابته مأزقًا فى أى حال، ومن تلك الفخاخ ما تعرض له البابا حين سألوه عن رأيه فى تقدم 20 أسرة قبطية بطلبات للجوء من الحكومة الأسترالية، فكان البابا أمام إجابتين الأولى أن يطلب من الحكومة رفض طلبات اللجوء ويضر بمصالح 20 أسرة قد تكون قامرت بكل ما تملك أملًا فى حياة جديدة، أو أن يطلب من الحكومة مساعدتهم كأى راع ينظر لمصالح أبنائه، فما كان من البابا إلا أن أكد أن الهجرة قرار شخصى، لا شأن للكنيسة به، حتى أن المهاجرين المسلمين إلى أستراليا أكثر من المسيحيين، وهى إجابة تحمل الكثير من الدبلوماسية وتعبر فوق الفخ الذى نصبه المحاور.

البابا أجرى أكثر من حوار تلفزيونى وصحفى وإذاعى على هامش زيارته الأولى لأستراليا، وجدد فيها مواقفه الداعمة للدولة المصرية والمؤيدة لها، وقال، إن الكنيسة ترتبط بعلاقات جيدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى والبرلمان والحكومة وكافة أركان المجتمع، وأن الحكومة تحمى الكنيسة والأقباط بشكل جيد، واصفًا مصر بقلب الشرق الأوسط ومدن البحر المتوسط، وأن استقرار مصر يعنى استقرار المنطقة كلها.

ورأى البابا تواضروس، أن الهجمات الإرهابية فى مصر تستهدف الوحدة الوطنية، واصفا الموقف بعد تفجيرات أحد السعف التى استهدفت كنيستى مارجرجس فى طنطا ومارمرقس بالإسكندرية بالأحداث التراجيدية.

 

زياره البابا تواضروس لليابان واستراليا (1)

لماذا أعلن البابا رفض تظاهرات أقباط المهجر

البابا تواضروس أعلن من استراليا، رفضه لتظاهرات أقباط المهجر، لأن مصر بلد جريح على حد تعبيره، وعندها نقاط ضعف فى محافظات وقرى كثيرة، وقد تحدث بها بعض الهجمات لكن الصورة العامة جيدة، والأقباط أو المصريون فى الولايات المتحدة كمثال فى بعض الأحيان لا يعلمون حقيقة ما يحدث فى مصر بسبب الرسالة الإعلامية.

ورفض البابا تواضروس الربط بين هجرة الأقباط وبين أوضاعهم فى مصر، وأرجع ذلك إلى أن مصر تعانى بعض المشاكل الاقتصادية والتعليمية، وكانت هناك ثورتان أثرتا على الحياة اليومية المصرية، مشيرا إلى أن أى مساعدة من الحكومة الأسترالية للمهاجرين الأقباط تكون محل تقدير.

فى عام 2011 كانت هناك ثورة فى مصر غيرت كل شىء لكن هذه الثورة تم سرقتها بعد ثلاثة أعوام وبعض الجماعات حاولت تغيير النظام العام فى مصر، يوضح البابا تواضروس لقناة SBS  الأسترالية، ويقول،  إن المصريين عامة مسلمين ومسيحيين يحبون الدين، لكنهم لا يقبلون أن يكون النظام الحاكم دينى، لذلك بعد عامين خلال 2013 حدثت ثورة كبيرة، وصححت كل شىء وبدأنا العمل من جديد، بدستور جديد ونظام انتخابى رئاسى جديد، وبرلمان جديد، وكل المصريين لديهم أحلامهم لبناء مصر جديدة باقتصاد جيد وتعليم جيد وقانون جيد وأيضا إعلام جيد.

 الدور الرئيسى للكنيسة هو الدور الروحى والكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة وطنية ومنفصلة تماما عن السياسة مثلما يؤكد البابا، لكن مشاركتنا فى هذه الثورة كان من خلال المواطنة لأنه بجانب الدور الروحى لدينا الدور الأجتماعى لنخدم مجتمعنا مضيفًا:  نحن مصريون  يجب أن نحافظ على مجتمعنا ووحدتنا الوطنية مع كل أطياف الوطن.

الكنيسة تشارك مجتمعيا فى كل شئ


 البابا تواضروس يشدد على أن الكنيسة منذ القرون الأولى تعتبر منفصلة تماما عن السياسة لكن فى نفس الوقت يجب أن تشارك فى الجانب المجتمعى وما يخص المواطنة، مؤكدًا أن الهجمات الإرهابية ضد الكنيسة والمجتمع وفى نفس الوقت نحبهم ونحن نسامحهم وننتظر أن تتغير قلوبهم لتكون صالحة.

نحن كنيسة استشهاد والخوف يعتبر شعور إنسانى بالطبع لكن فى نفس الوقت لنا قوة الإيمان فى قلوبنا وهناك عيد سنوى للاستشهاد فى الكنيسة، يقول البابا لمحاوره الأسترالى،  ويؤكد أن  كنائسه تقرأ كل يوم قصة عن شهيد، ويضيف: "هذا يقوى طريقنا ورؤيتنا وهدفنا السماوى مضيفًا: بعد الهجمات الأخيرة فى مصر ديسمبر وأبريل الماضيين كانت كنائسنا ممتلئة بالمصلين، إذا زرت الكنيسة خلال أسبوع الآلام الماضى كنت ستجدين زحاما، فى أغسطس الماضى كان هناك عيد للسيدة العذراء مريم، وهذا الاحتفال يدوم لـ15 يوما.

وعن أنشطة أسقفية الشباب قال: "هناك لقاءات أسبوعية فى الكنائس خاصة بالشباب سواء داخل أو خارج مصر وهذه اللقاءات تساعدهم وتعلمهم عن حياتهم وتحافط عليهم مرتبطين بالكنيسة وتبنيهم لمستقبلهم، لكن فى نفس الوقت نحن نعانى من قلة عدد القادة الشباب مضيفًا: هذه مشكلة حقيقية، لا يوجد عدد كاف من قادة شباب سواء داخل مصر أو خارجها لخدمة الشباب، لكننا نحاول أن نعد قادة جدد.

فى نفس الزيارة التى تفقد فيها البابا كنائسه فى أستراليا، افتتح أول كنيسة مصرية فى اليابان لينشر دعوة القديس مارمرقس الرسول فى بلاد الشرق الأدنى، ولم ينسى فى الوقت نفسه مصريته وهو يدلى بأحاديث تلفزيونية لجمهور اليابان، وكذلك خلال لقاءاته بالمسئولين اليابانيين، فالبابا تواضروس  رأى أن الإرهابيين يعانون من فهم خاطئ للدين، بل ويعمدون إلى تشويهه حيث اتجهوا للعنف، وبدأوا فى ضرب أماكن كثيرة، وذلك خلال حوار له فى التلفزيون الياباني.

البابا عندما تحدث عن داعش وممولى الإرهاب

داعش تؤمن بأفكار قديمة لم تعد تصلح فى هذا الزمان، العالم يتقدم والإنسان يتقدم، ومن غير الصواب استخدام أفكار قديمة، ولا يمكن أن توضع رقعة قديمة على ثوب جديد، يوضح البابا محذرًا من تمويل جماعات فهناك من يدفع المال للجماعات الإرهابية، ولا بد من التصدى لذلك ومن يزود تلك الجماعات بالمال فهو إرهابى أيضا، مثلما يقول.

 واستكمل البابا: بعض تنظيمات الشر فى الشرق الأوسط تحاول أن تتستر بالدين، وتستخدم العنف، ومع ذلك فإن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين قوية، ولكنهم يرغبون فى إفساد الوحدة الوطنية عبر استهداف المسيحيين وضرب الجيش والشرطة

وتابع: "فى منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، الديانات السماوية هى الأكثر انتشارا، والأحداث الإرهابية جعلت العنف مشكلة عالمية وليست محدودة فى مكان معين مستطردًا: مواجهة الإرهاب تحتاج تكاتف العالم كله، ويجب أن يقف العالم وقفة واحدة تجاه الأحداث".

وأرجع البابا سبب انتشار الإرهاب فى الشرق الأوسط إلى وجود تفسيرات خاطئة لآيات القرآن، وهى التفسيرات الخاطئة التى يستخدمها الإرهابيون  لتبرير أعمال العنف مما جعل الناس يربطون بين الدين والإرهاب وهو أمر خاطئ تماما.

وعن العلاقات الاجتماعية، قال البابا إن الخيانة الزوجية خطيئة تستوجب إنهاء الزيجة، أى عدم استمرار هذا الزواج مضيفًا: والشخص غير المخطئ فى هذه القضية نمنحه تصريحا بالزواج، مرجعًا الأمر لعوامل التربية.

الحب فن إسعاد الآخرين

واستطرد البابا:  لا بد أن يتربى الإنسان على إقامة بيت على أساس من الحب، لأن الحب هو فن إسعاد الأخر، مما يحتاج إلى وقت لكي يحصل على السعادة، فالسعادة تحدث بوجود الأخر مضيفا: الزوج والزوجة يتفنان فى إسعاد بعضهما البعض، ومن ثم إسعاد الأولاد، والأسرة تقوم على مبدأ الحب الداخلى، ويضمن استمرار الزواج ويحمى الزواج من خطيئة الخيانة الزوجية.

واعتبر البابا تواضروس، أن التنوع فى الثقافات بين الشعوب مصدر ثراء وليس فقر، فالمعرفة والتنوع الإنسانى مصدرا للثروة، أما إذا كان الإنسان ذو عقل ضيق وروح ضيقة لا يستطيع أن يتعامل مع الله، مضيفًا: والسلام يتطلب فكر منفتح وعقل منفتح.

 أما فى لقاءاته بالوفود الأجنبية بالكاتدرائية، فقد كان البابا حريصًا على إظهار المكاسب التى حققها الأقباط المصريين بعد ثورة 30 يونيو، فذكر فى أكثر من مناسبة كان آخرها لقائه بالمستشارة الألمانية ميركل، أن الأقباط تمكنوا من إنجاز أول قانون لبناء الكنائس منذ 160 عاما، بالإضافة إلى حصولهم على أعلى نسبة تمثيل نيابى فى البرلمانات المصرية الحديثة، بالتوازى مع الكثير من الإنجازات التى تتم على الأرض من مشروعات قومية مثل مشروع قناة السويس وطفرة فى البنية التحتية وبناء الطرق.

البابا سفيرًا.. الكنيسة تتجاوز دورها الروحى للدبلوماسية الشعبية

البابا تواضروس الذى حرص على أن يكون طرفًا فى مشهد التوافق الوطنى يوم الثالث من يوليو 2013، حين اصطف إلى جوار شيخ الأزهر والقوى الوطنية لتأييد حركة الجيش والشعب، رآى أن كنيسته المتواجدة فى أكثر من 62 دولة حول العالم عبر إيبراشياتها المختلفة مطالبة بلعب دور دبلوماسى للدفاع عن مصر، فما كان منها إلا أن أصبحت محطة لكل الزائرين الكبار الذين توافدوا على مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة.

ويأتى ذلك إلى جانب سعد الحريرى، والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركيل التى أكد لها البابا أن أوضاع المسيحيين المصريين تحسنت بعد 30 يونيو، حيث تم إقرار أول قانون لبناء الكنائس، وكذا حصلت الكنيسة على حصة من النواب تحت القبة، فإن البابا استقبل الشهر الماضى الرئيس اللبناني ميشيل عون، وكذا رئيس دولة توجو فور غناسينغبى، والرئيس العراقى فؤاد المعصوم، وملك البحرين حمد بن عيسى، وكذلك ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز الذى التقاه البابا فى زيارة وصفت بالتاريخية كأول ملك سعودى يقابل بابا للأقباط، إضافة إلى وفود برلمانية أوروبية كخيط متصل لا ينقطع كان أبرزهم رئيس مجلس الشيوخ الفرنسى، ووفدى الكونجرس والبوندستاك الألمانى.

البابا تواضروس وفى أكثر من مناسبة،أكد على أن كنائسه الموزعة على 62 دولة حول العالم ما هى إلا سفارات لمصر، تربط أبناء الكنيسة بوطنهم الأم وتوضح للسلطات المحلية فى كل دولة حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية فى بلاد النيل.

زياره البابا تواضروس لليابان واستراليا (2)

 

كيف أفاد البابا تواضروس مصر دبلوماسيا ؟

ولم يكتف البابا تواضروس باستقبال الوفود فى صالونه الباباوى، بل حرص أيضًا على مد خيوط دبلوماسيته إلى خارج البلاد، فزار أثيوبيا والتقى رئيسها مولاتو تيشومى العام الماضى بدعوة من بطريرك أثيوبيا الأنبا متياس، مستغلًا تاريخ طويل يجمع بين الكنيسة القبطية الأم والكنيسة الأثيوبية ابنتها فى الأرثوذكسية والتى ظلت تابعة لها لقرون طويلة.

البابا ذهب إلى إثيوبيا فى ظل اشتعال أزمة مياه النيل بين البلدين، وكلف الأنبا بيمن أسقف نقادة ورئيس لجنة الأزمات بالمجمع المقدس بإدارة هذا الملف حتى صار الرجل منسقًا للعلاقات الكنسية المصرية الأثيوبية، ومن وقتها وتبعث الكنيسة معونات طبية للجانب الأثيوبى كنوع من الدبلوماسية الناعمة.

فى عهد البابا تواضروس، تمتعت العلاقات الكنسية الإفريقية بطفرة كبيرة، فالبابا تسلم من الرئيسس التوجولي منذ شهور فى الكاتدرائية عقد إنشاء أول كنيسة مصرية هناك بالإضافة إلى إنشاء كنيسة فى أوغندا ومستشفى كنسية فى كينيا تقدم المساعدات الطبية لفقراء إفريقيا وترفع اسم مصر عاليًا، مع استمرار إرسال مساعدات صحية وطبية لأثيوبيا حيث يشرف الأنبا بيمن على هذا الملف عبر زيارات متتابعة كل شهرين ونصف.

زيارات البابا كانت لمصر ومصلحتها

 إضافة إلى زيارة البابا لملوك السويد والدنمارك وكذا زيارته الأولى للولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2015 تلك الزيارة التى تأجلت أكثر من مرة على خلفية التوترات السياسية بين البلدين، وحين تمت أفاد منها البابا لصالح مصر والتقى عدد غير قليل من المسئولين الأمريكيين وأكد لهم أن الوضع السياسى فى مصر صار أفضل من ذى قبل، وهو الأمر الذى لم يثنى الكنيسة عن التصدى لدعوة الكونجرس بمراقبة ترميم الكنائس التى تضررت من فض رابعة، فأكد البابا أن الكنائس ترممت بالفعل بفضل القوات المسلحة المصرية ووعود الرئيس عبد الفتاح السيسى.

إلى جوار ذلك، فإن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لنيويورك لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت من ضمن الأحداث التى لم تفوتها الكنيسة، فابتعث البابا اثنين من أساقفته الأنبا بيمن والأنبا يؤانس، وعقدا العديد من اللقاءات مع أقباط المهجر فى الكنائس لينتهى المشهد باستقبال حافل للرئيس فى نيويورك أمام مقر الأمم المتحدة محاطًا بأعلام مصر، وهو ما تستعد الكنيسة لتكراره خلال أول زيارة رسمية للرئيس السيسي للولايات المتحدة الأمريكية فى عهد ترامب حيث أرسل الأنبا كاراس النائب الباباوى لأمريكا خطابا لكل الآباء الكهنة هناك يطلب منهم خروج الشعب القبطى لاستقبال الرئيس فى العاصمة الأمريكية أثناء تواجده بالبيت الأبيض.

البابا ينتصر للوطنية ويهزم محاولات تفتيت الدولة

ضربت الكنيسة المصرية أعظم الدروس فى الوطنية وتخطت بحكمة قياداتها وشعبها مواقف صعبة انتصرت فيها لصالح الوطن، وتقفز فوق مخططات تفتيت وحدته، واستهدافه، غير عابئة بدعوات الخارج أو مزايدات الداخل.

الكنيسة المصرية التى  كانت جزءًا من مشهد 30 يونيو قررت مواصلة الطريق، وبسبب وقوف الأقباط جوار الوطن حاول الإرهابيون إثناءهم عن مواصلة السير فى طريق المستقبل الصعب، بتوجيه أعمال إرهابية طالت كنائس وأديرة وقدموا الكثير من الشهداء على مدار الفترة السابقة.

وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن.. هكذا استقبل البابا الأذى

تعرضت الكنائس المصرية عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة لموجات عنف ممنهجة اجتاحت 7 محافظات، وتسببت فى تدمير ما يقرب من 72 مبنى كنسى، ما بين كنيسة ومبنى خدمات ومدرسة ومستشفى، وفى تلك اللحظة الفارقة، قال البابا تواضروس الثانى عبارته الشهيرة: "وطن بلا كنائس خير من كنائس بالوطن"، ليقضى بذلك على محاولات الفتنة التى أراد الإخوان زرع فتيلها، وهو الأمر الذى أكده الباحث كمال زاخر مؤسس التيار المسيحى العلمانى حيث قال لـ"اليوم السابع"، إن أقباط مصر حرصوا على إدارة هذا الملف داخليًا دون الاستعانة بأقباط المهجر أو التصعيد الدولى من أجل تفويت الفرصة على المزايدين ودعاة الفتنة، حتى انحصر دور أقباط المهجر بشكل شبه كامل.

وعن مشاركة الكنيسة فى ثورة 30 يونيو ودعم البابا تواضروس لخارطة الطريق، قال المتحدث الرسمى باسم الكنيسة، إن مصر كانت فى مرحلة مفترق طرق فإما أن تعود لأبنائها أو تختطف من قبل الإخوان وجماعات الإسلام السياسى ويتعرض الأقباط للإقصاء، فما كان من الشعب إلا أن خرج ليدافع عن وجوده وهويته الوطنية.

وأضاف المتحدث الرسمى للكنيسة: "الكنيسة لم تندم على المشاركة فى 30 يونيو رغم أنها لا تلعب سياسة ولا علاقة لها بالعمل السياسى، بل كانت مشاركتها من أجل إعلاء مصلحة الوطن وتحقيق آمال المصريين الذين خرجوا بالملايين وكان على الكنيسة دعم الإرادة الشعبية".

زياره البابا تواضروس لليابان واستراليا (3)

قصة القبطية سعاد ثابت ومواقف البابا فى الأزمة

فى مايو 2016، وقعت عدة اعتداءات طائفية متتابعة فى محافظة المنيا، بدأت بالاعتداء على سيدة الكرم "سعاد ثابت" وتجريدها من ملابسها، ثم أحداث قرية طهنا الجبل التى لقى فيها قبطى مصرعه، وأحداث كوم اللوف التى اعتدى فيها متشددون على بيت تحت الإنشاء خوفًا من بناء كنيسة، لاحقتها أعمال عنف متنوعة، تحلى فيها الأقباط بالصبر وانتصروا على صوت الفتنة ومحاولات تمزيق الصف الوطنى، حتى أن الكنيسة كانت تؤكد فى بياناتها الصحفية على لسان البابا تواضروس حرصها على ضبط النفس وتفويت الفرصة على محاولات الفتنة، وهو ما دفع الرئيس السيسى للقاء البابا تواضروس ووفد من الأساقفة فى قصر الاتحادية للتأكيد على رغبة الدولة فى تنفيذ القانون بحسم.

يظل حادث تفجير الكنيسة البطرسية، الذى وقع فى ديسمبر من العام الماضى من أقسى الأحداث آلمًا فى الذاكرة المصرية الحديثة، بعدما تسبب فى استشهاد 28 سيدة وحارس الكنيسة بعبوة فجرها انتحارى، وبعد الحادث زادت الاتهامات بالتقصير الأمنى، ووقعت مظاهرات أمام مبنى الكنيسة تندد بما جرى، إلا أن الكنيسة كانت مصممة على السير فى نهج الحكمة الذى اتخذته منذ 30 يونيو وحتى اليوم، ورفضت الانصياع لمحاولات التفريق بين المسلمين والأقباط، خاصة أن الرئيس أعلن عن مرتكب الحادث بعدها بـ24 ساعة.

من جانبه أشار كمال زاخر، إلى رمزية الكنيسة البطرسية، التى كان الاعتداء عليها محاولة لضرب المقر الرئيسى للكنيسة المصرية أى الكاتدرائية واللعب على وتر التقصير الأمنى واتهام الدولة بتعمد تجاهل تأمين الكنائس.

ويستهدف تنظيم داعش والجماعات الإسلامية المسلحة فى سيناء، منذ شهور منازل الأقباط وممتلكاتهم فى العريش، الأمر الذى دفعهم لترك منازلهم والذهاب إلى مدينة الإسماعيلية، وعلى الرغم من ذلك طالبت الكنيسة رعاياها فى بيان رسمى بالحفاظ على الوحدة الوطنية فى ظل تلك الأحداث.

بعد كل هذه الأحداث المتتابعة لم يتوقف قطار التضحيات، فتفجير الكنيسة البطرسية لم يكن الأخير، وتلا ذلك تفجير كنيسة مارجرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية التى كان يصلى فيها البابا نفسه قداس أحد السعف، ورغم كثرة ما أزهق من أرواح ظل البابا ممسكًا بخيط الوطنية يؤكد أن تلك الأحداث لن تنال من وحدة الصف، بعدها بشهور كانت الكنيسة على موعد جديد مع الشهداء، فاستهدفت جماعات إرهابية أتوبيسات للرحلات كانت فى طريقها لدير الأنبا صموئيل المعترف بالمنيا، وراح ضحية الحادث ما يزيد عن 26 شهيدًا، دفعوا الكنيسة لإلغاء الرحلات والتجمعات القبطية نهائيًا ولكنهم لم يغيروا موقفها السياسى.

وتحدث القمص صليب متى ساويرس عضو المجلس الملى العام للأقباط، عن مخططات التقسيم وقال لليوم السابع: "ثورة 30 يونيو قضت على المخطط الغربى الذى كان يستهدف تقسيم المنطقة ويؤسس لاتفاقية سايكس بيكو جديدة، إلا أن الشعب والجيش المصرى تمكنا من القضاء على هذا المخطط تمامًا، بعد اقتلاع جذور الإخوان من المنطقة العربية بالكامل".

"الكنيسة المصرية وطنية ولها دور كبير فى دعم ومساندة الثورة، وكانت من ضمن عوامل نجاحها، رغم ما ترتب على ذلك" هكذا تحدث ساويرس، مضيفًا: " الكنيسة أصبحت من ضمن الفئات المستهدفة من الإرهاب كالجيش والشرطة، ولكن حكم الإخوان كان أصعب علينا مما يحدث الآن، رغم مراراة ما تجرعناه من حرق للكنائس عقب فض رابعة والنهضة، ومن الاستهداف والتفجيرات التى طالتنا بعد ذلك.

زياره البابا تواضروس لليابان واستراليا (4)

من هو البابا تواضروس.. الراعى الروحى للمصريين

لم يكن الصيدلي الشاب "وجيه صبحى" الذى ترك الدنيا لأجل حياة التقشف والرهبنة، يعلم أن ذهابه لدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون عام 1986 سينتهى به إلى اعتلاء سدة كرسى بطريرك الكنيسة القبطية الـ118

تربى "وجيه"  تربية مسيحية، ونشأ في أحضان كنيسته التي كان يشغل فيها منصب أمين الخدمة إلى جوار غيره من الشباب، إلا أن لقاءه بالأنبا باخوميوس أسقف البحيرة فى عمره المبكر غير حياته، ودفعه نحو الرهبنة التي تعلق بها قلبه، فترهبن رسميًا فى مثل هذا اليوم عام 1988

في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، الذى قضى فيه الأخ وجيه عامين بجلباب أزرق قبل أن تتم رهبنته رسميًا، سيعيش حياة النساك في الصحراء بعدما تصلى عليه صلاة الموتى، فالرهبنة موت عن العالم، وحياة أخرى مع الله، يتغير فيها اسمه ويتجرد من كل ما يملك فيودع وجيه الصيدلي، ويصير الراهب "ثيؤدور"، الذى ينال رتبة القسيسية بعد عام من رسامته (تعيينه) راهبًا.

ينتقل القس ثيؤدور للخدمة في محافظة البحيرة إلى جوار أبيه ومعلمه الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمسة مدن الغربية، ويتولى القس الشاب مسئولية الخدمة في كنيسة كنج مريوط التي زارها منذ ما يقرب من شهر ألقى فيها عظته الأسبوعية وكأنه يستعيد ذكريات خدمته كقس، ويعود إليها محاطًا بزفة الشمامسة وبلحن "أبؤورو" الذى يصاحب البابا البطريرك عند دخوله الكنيسة

سبع سنوات يقضيها القس ثيؤدور فى الخدمة بتلك الكنيسة، ثم يأتي العام 1997 الذى ينال فيه درجة أعلى، فيصير أسقفًا عامًا، ويتغير اسمه إلى الأنبا تواضروس أو عطية الله ويصبح مساعدا للأنبا باخوميوس بإيبراشية البحيرة التي نشـأ وتربى في كنائسها صغيرًا وعاد إليها بعمامة الأساقفة الكبيرة يتفقد أحوال رعيتها، يصلي لهم لينالوا البركة، ويدير شئون القساوسة بمهاراته الكبيرة في علم الإدارة التي حصل فيها على الماجستير من لندن.

يمر وقت طويل، ويهاجم المرض جسد البابا شنودة بابا الإسكندرية، ثم يلقى ربه وسط وداع مهيب من شعبه القبطي ومن المصريين جميعًا، وفي تلك اللحظة يصعد الأنبا باخوميوس لمنصب القائم مقام ليدير شئون الكنيسة باعتباره أكبر الأساقفة سنًا بعد اعتذار الأنبا ميخائيل مطران أسيوط لظروفه الصحية.

يدير القائم مقام الكنيسة في ظروف صعبة سياسيًا وتاريخيًا، تنتقل مصر من عصر إلى عصر وتعيش الكنيسة الانتقال ذاته دون أن يشعر أحد أن ارتباكًا قد حدث بخلو المقعد بوفاة البطريرك الكبير، وتجري الانتخابات الباباوية التي يترشح فيها الكثير من الآباء الأساقفة المشاهير هؤلاء الذين تصدروا المشهد الكنسي والإعلامي طوال سنوات مرض البابا شنودة، وطوال فترة خدمته التي تجاوزت أربعين عاما ظهر فيها نجومًا وأفل أخرين.

زياره البابا تواضروس لليابان واستراليا (5)

الرجل الذى جاء من الصفوف الخلفية ليعتلى القمة

لم يكن الأنبا تواضروس الأسقف المساعد بالبحيرة، يتخيل أنه يقترب من كرسي مارمرقس، ولم يطرح اسمه ضمن بورصة المرشحين وكأنه قادم من الصفوف الخلفية في الكنيسة، إلا أن التزكيات التي حصل عليها تجعله في خضم المنافسة مع الأنبا رافائيل أسقف وسط القاهرة واللاهوتي الشهير، وثلاثة من القمامصة هم ، القمص رافائيل أفامينا ، القمص باخوميوس السرياني، القمص سارافيم السرياني

يتفوق الأنبا رافائيل على الأنبا تواضروس في الأصوات التي حصدها في الانتخابات الباباوية، ولكن القرعة الهيكلية تأتي به بابا للكنيسة ليجمع بين اختياري الأرض والسماء، ويواصل ما تعلمه من حكمة على يد أبيه الأنبا باخوميوس أستاذه ومعلمه فيدير الكنيسة في أصعب وقت تمر به، يرأس جنازات الشهداء، ويؤكد على دور الكنيسة الوطنى، وينتصر لوحدة البلاد صامًا أذنيه عن الكثير من المزايدات، كربان للسفينة يتجاوز بحكمته طيش الأمواج وأصوات الفتن.

مع مرور الوقت، يصبح لقب بابا الكنيسة على عظمته، أصغر من الدور الذى يلعبه البابا تواضروس فى حياة المصريين، وهو يرتدى عباءة الباباوات، فى الصلاة، وعباءة السفراء عند لقاء المسئولين الرسميين، وعباءة الصبر على توديع الشهداء فى جنائزهم، ولا يتخلى عن ابتسامته الواسعة ونظرته الواثقة ليستحق اللقب، البابا الروحى للمصريين.

 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة