بكفاءة مشفوعة بالأرقام، وخبرة اقتصادية تمتد جذورها لمئات المشاريع التى وأسسها وأشرف على تدشينتها قبل عقود ، استطاع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن ينال العلامة الكاملة فى ملف الاقتصاد فى قطاعات مختلفة على مدار عام واحد فقط منذ دخوله البيت الأبيض فى 20 يناير 2017 ، على الرغم من الاخفاقات السياسية المتتالية والأزمات التى تحاصره يوماً تلو الآخر، والتى باتت تهدد استكمال ولايته الرئاسية التى يتبقى على انتهائها 3 سنوات.
ففى الوقت الذى شهدت فيه سنة أولى رئاسة لرجل الأعمال دونالد ترامب صراعات داخلية وخارجية، ما بين تحقيقات فى الكونجرس فى ملف اتصالاته مع المسئولين الروس خلال الحملة الانتخابية، بخلاف استقالة سلسلة من المستشارين من فريقه الرأى وفى مقدمتهم ستيف بانون مستشاره السابق للشئون الاستراتيجية ، كان ترامب يجنى شعبية وسط قطاعات لا يستهان بها من الشعب الأمريكى بخلاف الصورة التى تصدرها وسائل الإعلام داخل واشنطن لأسباب فى مقدمتها رفع مستوى المعيشة للمواطن الأمريكى.
وبرغم التهم التى تلاحق ترامب والسقطات التى لا ينكرها منصف على تويتر ضد أعدائه السياسيين وضد الإعلام وفيما تظهر محاولات عزله داخل الكونجرس بين الحين والآخر، لكن يبدو أن فرصه فى استكمال فترته الرئاسية الأولى بل حتى الفوز بثانية أكبر، وكلمة السر فى هذا هى "الاقتصاد".
"إنه الاقتصاد يا غبى".. تلك العبارة الشهيرة فى السياسة الأمريكية، بدأت مع حملة بيل كلينتون للفوز بالرئاسة عام 1992. ففى الوقت الذى بدا فيه منافسه الرئيس جورج بوش الأب لا يمكن وقفه، حيث كان يتمتع بنسبة تأييد جارفة فى عملية عاصفة الصحراء (أيده 89% من الأمريكيين فى استطلاع جالوب فى أعلى نسبة مسجلة على الإطلاق)، لكن هذا لم يكن كافيا، وكانت عبارة مستشار حملة كلينتون جيمس كارفل "إنه الاقتصاد يا غبى" سببا فى فوز كلينتون وخسارة بوش.
وعلى المنوال نفسه، تبدو الأمور تسير لصالح ترامب. فقد أظهر استطلاع لجامعة كبينبياك أن الأمريكيين لم يشعروا من قبل بمثل هذه الإيجابية إزاء الاقتصاد. وقال 63% من الناخبين الأمريكيين أن الاقتصاد ممتاز أو جيد، بينما قال 35% فقط إن الاقتصاد ليس جيدا جدا أو سىء. وكان هناك أعلى تصنيف إيجابى للاقتصاد منذ بدء هذا الاستطلاع عام 2001.
ولم يقتصر هذا الشعور على الرأى العام الأمريكى فقط، ففى مسح اقتصادى أجرته قناة CNBC الاقتصادية أواخر العام الماضى أظهر أنه ولأول مرة منذ نحو 10 سنوات تشعر أغلبية بتفاؤل إزاء الاقتصاد، وأن من ينسب له الفضل فى ذلك هو الرئيس ترامب.
واقترب النمو الاقتصادى فى الربع الأخير من عام 2017 من 4%. ومنحت أكثر من 100 شركة حوافز بمقدار ألف دولار على الأقل أو أكثر لأكثر من مليون من العاملين، واستفاد من هذا بعض ممن يعملون بدوام جزئى. كما أن قانون الإصلاح الضريبى الذى مرره الجمهوريون فى الكونجرس وأثار انتقادات سياسة عديدة كان له بعض المكاسب. حيث سيستفيد أكثر من 90 مليون من الأمريكيين المنتمين للطبقة الوسطى من خفض الضرائب.
وبالنسبة للاقتصاد نفسه، فقد قال الخبراء إنهم يتوقعون استمرار تراجع معدلات البطالة والنمو الاقتصادى فى عام 2018. وأرجعوا الفضل فى ذلك إلى ترامب وإصلاحه الضريبى. أما عن الرئيس السابق باراك أوباما، فرغم أن سياساته أدت إلى استقرار مالى، لكنها أدت إلى نمو ضعيف للاقتصاد ولتوفير فرص العمل.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الاقتصادية المرموقة استطلعت بدورها دور خبراء الاقتصاد الذين اتفقوا لأن ترامي كان له آثار إيجابية بشكل عام على النمو الاقتصادى الأمريكى والتشغيل وأداء سوق البورصة خلال العام الأول له فى الحكم.
وذهبت التوقعات الاقتصادية إلى أن عام 2018 سيشهد تموا قويا وتراجعا فى معدل البطالة. وكان السبب فى ذلك خفض الضرائب الذى قال خبراء الاقتصاد إنه سيعزز الاقتصاد لعدة سنوات على الأقل.
مجلة "إيكونوميست" البريطانية رصدت فى تقريرها لها هذا الأسبوع هذا الأثر الإيجابى لترامب على الاقتصاد، رغم التخوف فى بداية رئاسته. وقالت إنه عندما فاز ترامب فى الانتخابات تراجعت الأسواق الآسيوية، لكن سرعان ما غير المستثمرون مسارهم ورأوا أن رئاسة ترامب ستعنى خفض الضرائب إلغاء الضوابط والإنفاق على البنية التحتية، ما يعنى مزيد من النمو. وبعد عام من توليه الحكم، يبدو أن إعادة النظر هذه كانت صحيحة. فالنمو الاقتصادى المتصاعد الذى تجاوز 3% فى الربعين الثانى والثالث من عام 2017، مقترنا بالأجور المتزايدة يشير إلى أن ترامب قد أوفى بوعده بتنشيط الاقتصاد.
وعندما تولى ترامب الحكم كانت البطالة 4.8%، لكنها تراجع إلى 4.1%. وارتفعت ثقة المستهلك كنتيجة طبيعية لتحسن الأوضاع.
ومع دخول ترامب عامه الثانى داخل البيت الأبيض، لا تبدوا الأزمات التى تواجهه منذ مراسم تنصيبه قادرة على كسر جسور الثقة التى استطاع أن يدشنها مع المواطن البسيط الذى يفقد يوماً تلو الآخر الثقة فى الإعلام الأمريكى الذى خدعه قبل أكثر من عام حين نصب من المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون رئيسة محتملة ، وحاول ـ دون سند ـ إقناع ملايين الأمريكيين أنها الأوفر حظاً للفوز مستنداً فى ذلك لاستطلاعات رأى أقل ما يكمن وصفها بـ"الملفقة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة