كانت رياح التغيير التى حملتها نتائج الانتخابات الأمريكية فى نهايات 2016 عاتية .. قال الناخبون الأمريكيون كلمتهم مدوية واختاروا بإرادة حرة أن يضعوا نقطة نهاية لحكم الديمقراطيين الذين كبدوهم فى ولاية باراك أوباما إخفاق تلو الآخر على صعيد الداخل والخارج، ويفتحون دون أن يدروا الأبواب أمام عهد جديد من الاضطرابات ليعرف القاموس الأمريكى مصطلحات غير مألوفة مثل «الدولة العميقة»، و«صراع المؤسسات» وغيرها.
بتربص غير معهود، رفض الديمقراطيون نتائج الصناديق، واختاروا عبر دوائر الإعلام والمؤسسات شبه الرسمية أن يدشنوا جبهات مفتوحة للصدام مع الوافد الجديد للبيت الأبيض، الملياردير الجمهورى دونالد ترامب، وهو ما ظهر فى الاحتجاجات التى اندلعت فور إعلان نتائج الانتخابات فى مشهد غير مألوف داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
«مناورات مفتوحة وأزمات لا تعرف خطا للنهاية».. بهذه العبارات يمكن إيجاز عام دونالد ترامب الأول داخل البيت الأبيض، حيث يفتح الرئيس الأمريكى صفحة عامه الثانى وسط سيناريوهات لا تخلو من التحركات الشعبية وشبه الرسمية لعزله من منصبه عبر تهم من بينها عرقلة سير العدالة والإضرار بعمل المؤسسات وتهديد الأمن القومى عبر علاقات مشكوك فيها مع النظام الروسى برئاسة فلاديمير بوتين.
فعلى مدار العام الأول لرئاسته ومنذ توليه منصبه فى البيت الأبيض فى 20 يناير 2017، أثار الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الكثير من الأزمات التى تتعلق بتصريحاته وسياساته على الصعيدين الداخلى والخارجى، حتى بات الكثير يتحدث عن سيناريوهات عزله. غير أن هذه السيناريوهات تبدو صعبة التحقق وهو ما يشير إلى أن الرئيس الأمريكى ذاهبا نحو النجاة من محاولات خصومه الإطاحة به.
وبينما تظل قضية التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، النزوة السياسية الأبرز التى تطارد مستقبل الرئيس الأمريكى خلال عام 2018، حيث إن تواصل أعضاء حملة ترامب خلال عام 2016 واحتمالات التنسيق بينهم وبين الكرملين للحصول على تسريبات تضر بالمنافسة الديمقراطية هيلارى كلينتون جميعها، كانت ولا تزال موضع جدل وتحقيقات واسعة داخل الولايات المتحدة والتى على أثرها تتزايد دعوات عزل الرئيس الأمريكى من منصبه.
لكن بعد أشهر من التحقيقات التى تجرى على ثلاث جهات، حيث يجرى الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب تحقيقين منفصلين، فضلا عن تحقيق المحقق الخاص، روبرت مولر، غير أنه حتى الآن لم يحصل على أدلة بشأن تورط الرئيس الأمريكى فى التنسيق مع روسيا فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، وفضلا عن تركيز التحقيقات على المقربين منه فإنها لم تتوصل إلى ما يرقى لتوجيه اتهامات رسمية لهم. لذا فإن دعوات عزل ترامب، التى ربما لا تخرج عن كونها دعوات شعبوية من دائرة الديمقراطيين المعارضين له ووسائل الإعلام الليبرالية التى أعلنت منذ العام الماضى دعمها لكلينتون فى الانتخابات، تستند فقط على تهمة عرقلة العدالة التى أثير الحديث عنها فى مايو الماضى.
ومع تصاعد الأحداث سريعا منذ أن قام بشكل مفاجئ بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى الـ«FBI»، جيمس كومى، فى مطلع مايو الماضى، تزايدت التنبؤات باتجاه الكونجرس نحو اتخاذ إجراءات بعزل الرئيس الأمريكى من منصبه، استنادا إلى شبهات بعرقلة العدالة، إذ إن «كومى» كان مسؤولا عن التحقيقات الجارية فى علاقة حملة ترامب بروسيا والتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 عبر أنشطة قرصنة إلكترونية.
وبدأت التوقعات بإجراءات العزل منذ أن غرد الرئيس الأمريكى على حسابه قائلا: «الأفضل لجيمس كومى أن يأمل بعدم وجود تسجيلات لأحاديثنا قبل أن يباشر الإدلاء بتصريحات للصحافة»، وهى التغريدة التى زادت الجدل اشتعالا واعتبرت تهديدا صريحا للمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالى وعرقلة للعدالة. غير أن أيا من جهات التحقيق لم توجه لترامب أى اتهام من هذا الصدد.
وعلى مدار عام ترامب الأول داخل البيت الأبيض لم يهدأ حديث الصحافة الأمريكية عن قضية العزل، كما برزت العديد من الدعوات للكونجرس للسير فى هذا الاتجاه، وكان أبرزها تخصيص الملياردير الديمقراطى، توم ستير، 10 ملايين دولار لبث إعلانات تليفزيونية تحث الكونجرس على بدء إجراءات عزل ترامب. وهى الحملة التى انتقدها الديمقراطى ديفيد أكسيلرود، المستشار الأول السابق للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، باعتبارها تضر أكثر مما تنفع، مضيفا أن التحرك يبدو أنه عمل ذو أسباب أنانية.
وبينما تتطلب إجراءات العزل من قبل الكونجرس إلى تصويت الأغلبية لصالح البدء فى الإجراءات من قبل كل من مجلسى الشيوخ والنواب، فإنه بالنظر إلى سيطرة الحزب الجمهورى على المجلسين، حيث يحظى بأغلبية المقاعد، فربما يكون التصويت لصالح العزل من الصعب تحقيقه.
وتحدث بعض الكتاب الأمريكيين خلال العام الماضى عن المادة 25 من الدستور الأمريكى، باعتبارها الأنسب بحيث يتم عزل الرئيس وتنصيب نائبه رئيسًا للولايات المتحدة، وهذا الإجراء يتم إذا اتفقت نصف الحكومة والنائب أن الرئيس لا يصلح للإدارة وغير قادر على القيام بمهام منصبه، مع الحصول على موافقة أغلبية أعضاء الكونجرس، وهو الأمر الذى يصعب تحقيقه لأنه يعنى انقلابا من البيت الأبيض ضد ترامب.
وبخلاف أزمة التدخلات الروسية ومحاولات عزل ترامب من منصبه، تظل علاقة الرئيس الأمريكى بوسائل الإعلام أحد أبرز الأزمات التى لا يمكن إغفالها فى سنة أولى رئاسة، حيث لا يمل ترامب من اتهام الصحف وشبكات الأخبار الأمريكية بالكذب والتدليس، فيما لا تكف تلك المنصات عن انتقاده فى تقارير تحمل الكثير من المبالغة.
وقبل أن يطوى ترامب صفحة عامه الأول داخل البيت الأبيض، اختار فى تحد جديد للإعلام الأمريكى أن يفتح جبهة جديدة للصراع، ليعلن ما وصفه بـ«جوائز الأخبار الكاذبة» فى تهكم وسخرية على أداء الصحف والمنصات التليفزيونية الأمريكية، معتبراً أن عام 2017 كان عام انحياز مفرط وتغطية إعلامية غير نزيهة وحتى معلومات كاذبة مخجلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة