كانت التوقعات تسبق كافة التقديرات .. علق الملايين من المحيط إلى الخليج قبل عام وبضع شهور آمالاً كبرى على الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، وتابعوا بأعين سكنها التفاؤل وقلوب أرهقتها اخفاقات الماضى أجندة الديمقراطيين ومخططات "أوباما ـ كلينتون" المشبوهة للشرق الأوسط وهى تتحطم تحت أقدام الملياردير الجمهورى دونالد ترامب، الذى قرر بعد اجتيازه سن السبعين دخول عالم السياسة متجاوزاً كافة التقديرات التى اعتبرت فوزه بمقعد الرئيس درباً من دروب الخيال.
بآمال كبرى تابع الملايين الوعود التى أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية، والتى كان فى صدارتها تعهدات واضحة بإدراج جماعة الإخوان والتنظيمات المنبثقة عنها على قوائم الإرهاب داخل الولايات المتحدة، والبدء فى خطة عاجلة للحد من دور التنظيم الدولى للجماعة ومحاصرته داخل وخارج الشرق الأوسط، إلا أن المؤشرات كشفت سريعاً بطلان الحسابات، ليتبين بعد عام كامل للرئيس الأمريكى دونالد ترامب داخل البيت الأبيض أن الوعود وحدها لا تكفى، وأن النوايا ـ حتى ولو صادقة ـ لا تفى طالما ظل هناك من يعملون من وراء الستار مع عواصم الإرهاب ـ أنقرة والدوحة ـ ويحملون بين أجنداتهم ملفات مشبوهة.
ترامب خلال أداء القسم الدستورى رئيساً للولايات المتحدة قبل عام
بصدامات عنيفة، طوى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قبل أيام صفحة عامه الأول داخل السلطة، فى وقت لا يزال فيه ملف تصنيف الاخوان ساكناً لا يجد ما يكفى من وسائل ومسارات قانونية وتشريعية لتحريكه لعدة أسباب فى مقدمتها سيطرة رموز الحزب الديمقراطى على قسم لا يستهان به من مقاعد الكونجرس، بجانب انحياز وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى الموالية للحزب لأفكار وأجندة الجماعة الإرهابية والترويج لها على أنها فصيلاً سياسياً.. إلا أن وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون ومراوغاته المستمرة فى هذا الملف يظل أحد أبرز الأسباب التى حالت دون تنفيذ الوعد الأبرز الذى اتخذه ترامب قبل تنصيبه بإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب.
التحركات المشبوهة التى أقدم عليها تليرسون منذ بداية توليه منصبه دفعت العديد من مراكز الأبحاث والدراسات والصحف الأمريكية الخارجة من سيطرة الديمقراطيين إلى البحث فى جذور علاقاته السابقة منذ أن كان مديراً تنفيذياً لشركة إيكسون موبيل النفطية العملاقة ، وهو المنصب الذى فتح بطبيعة الحال قنوات اتصال ـ شرعية وغير شرعية ـ مع مسئولين ورجال أعمال قطريين منذ تسعينيات القرن الماضى.
وفى تقرير سابق، كشفت منظمة كلاريون الأمريكية للدراسات أن ملف تصنيف الإخوان يقع ضمن الاختصاص المباشر لوزير الخارجية ريكس تيلرسون ، لافتة إلى أن علاقات الوزير مع النظام القطرى الحاكم، الموالى لجماعة الإخوان وراء مماطلته المستمرة، واستشهدت بتوليه عضوية مجلس الأعمال الأمريكى ـ القطرى ، ومجلس الأعمال الأمريكى ـ التركى فى الفترة من تسعينيات القرن الماضى وحتى بدايات القرن الجديد.
وزير الخارجية الأمريكى مع أمير قطر تميم بن حمد
وسبق لوزير الخارجية الأمريكى الزعم بأن الإخوان جماعة "معتدلة وغير عنيفة"، وأدعى أن الأحزاب السياسية المنبثقة عن الجماعة وتلك التى تشارك فى حكومات بعض دول المنطقة تنبذ العنف والإرهاب فى تكرار للإدعاءات نفسها التى سبق أن روجتها إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، ووزيرة خارجيته ـ المرشحة الخاسرة فى سباق البيت الأبيض ـ هيلارى كلينتون.
ولا تقتصر أسباب الاخفاق فى تحريك ملف الإخوان داخل البيت الأبيض على تيلرسون وحده، حيث شهدت السنوات الثمانى التى تولى خلالها باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عملية تمكين لافتة لعناصر الإخوان والموالين لهم، داخل القطاعات الحكومية المختلفة، وهى ما ألمح لها صراحة مستشار ترامب السابق للشئون الأمنية ستيفان جوركا، والذى استقال بعد ضغوط فى أغسطس الماضى، معلناً أمام وسائل إعلام أمريكية أن إدارة ترامب "مخترقة من مواليين لجماعة الإخوان".
وفى حوار مطول مع موقع "واشنطن فرى بيكون" الأمريكى ، قال جوركا إن أجندة الرئيس تمت عرقلتها من قبل "تيار من البيروقراطيين الحكوميين وبعض المعينين السياسيين المعارضين للسياسات الصارمة فى مكافحة الإرهاب"، وتابع: "عانينا داخل الإدارة من تحولنا إلى الجمود البيروقراطى بسبب أولئك الذين يتعاطفون مع جماعة الإخوان وأفرادها داخل الإدارة"، مشيراً إلى أن "المؤمنين الحقيقيين بأجندة ترامب تمت الإطاحة بهم تدريجيا من مجلس الأمن القومى والبيت الأبيض.
جوركا الذى رفض توجيه الاتهامات لأسماء بعينها، ألمح فى حواره صراحة إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون ، وحذر من عرقلة جهود ترامب فى التصدى للتنظيمات المتطرفة وبمقدمتها جماعة الإخوان، مشيراً إلى أن معركة التصدى لعملاء قطر والجماعة داخل الوكالات الحكومية والكونجرس والإعلام الأمريكى فاصلة وستحدد مستقبل واشنطن والمنطقة بأسرها، معتبراً أن الإخوان "الجد الأكبر" لجميع التشكيلات الإرهابية حول العالم.
ستيفان جوركا فضح تسلل الإخوان للإدارة الأمريكية السابقة
وأضاف مستشار ترامب المستقيل : "أنا لا أحب عبارة الدولة العميقة، ولكن هناك بالتأكيد دولة دائمة مكونة من أشخاص فى كثير من الحالات يعتقدون أنهم يمثلون الشعب الأمريكى حتى عندما لا يتم انتخابهم أبدا لمنصبهم"، وأشار إلى أن هناك الكثير من الخلافات السياسية مع هؤلاء الذين بينهم بعض صناع القرار فى الإدارة ممن خففوا من موقف ترامب تجاه التهديد الذى تشكله الجماعات المتطرفة مع السعى لتعزيز سياسات الرئيس السابق باراك أوباما التى تعاملت مع الإرهاب على أنه ليس أيديولوجية ومدفوع بعوامل عديدة.
التحركات المشبوهة فى الجناح الموال لقطر والإخوان، والذى يقوده تيلرسون عبر عنها قبل يومين السياسى البريطانى رحيم قاسم، رئيس تحرير موقع "بريتبات" على هامش مشاركته فى لقاء الاتحاد الأمريكى المحافظ فى كينساس نهاية العام الماضى، حيث قال إن ترامب لديه مساعى صادقة للقضاء على التطرف والإرهاب، إلا أن هناك "الكثير من المعوقات أمام اتخاذ خطوة إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب"، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان تتمتع بنفوذ داخل المؤسسات الحكومية الأمريكية.
وقال رحيم : "الإخوان بارعون جدا فى العمل داخل المؤسسات واللعب بورقة الضحية، فضلا عن دور التمويل غير المحدود القادم من الخارج"، داعيا إلى وقف التمويل الخارجى للمساجد الأمريكية، الأمر الذى دفع لسيطرة الفكر المتطرف على آلاف المساجد فى أوروبا.
وبرغم السطوة التى ظهر عليها الجناح الموالى للإخوان داخل واشنطن ، إلا أن عام ترامب الأول لم يخلو من المحاولات على صعيد الحكومة وداخل أروقة الكونجرس الأمريكى. فقبل شهرين أرسل مجموعة من أعضاء الكونجرس خطاباً لوزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون لإدراج الجماعة على قوائم الإرهاب
ووقع على الخطاب 32 من كبار أعضاء الكونجرس لحث تليرسون على التحرك بشأن مشروع القرار H.R.377 الذى يدعو إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية.
خطابات الكونجرس تلاحق تيلرسون لتحريك ملف الإخوان
وقال الخطاب الجديد الموجة لوزير الخارجية الأمريكى: "كما تعلم، فإن 64 عضوا فى الكونجرس يرعون مشروع القانون هذا، ونحن نضيف رعاة جدد للمشروع، أسبوعيا"، موضحاً أنهم (الاعضاء) بينما يؤمنون بقوة بضرورة تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية أجنبية، فإنهم يؤيدون تطبيق عملية التنصيف استنادا لكل دولة على حدة".
وشدد الخطاب على ضرورة تصنيف جماعة الإخوان خاصة فى كلاً من مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية على قوائم الإرهاب. وأوضحوا أنه بشكل خاص، فإن أفرع جماعة الإخوان فى مصر والسعوية والإمارات شاركوا فى أنشطة تلبى تعريف الأنشطة الإرهابية بموجب المادة 212(a)(3)(B) من قانون الهجرة والمواطنة والمادة 140(d)(2) من قانون العلاقات الخارجية للسنة 1988 و1989.
وأكد أعضاء الكونجرس بالقول: "نعتقد أنه ينبغى على الولايات المتحدة التحرك وتصنيف أفرع الإخوان هذه كمنظمات إرهابية أجنبية فى أسرع وقت".
وأضافوا "إن حكومات هذه الدول، التى تحظى بالإحترام، قامت بالفعل بتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، ومن خلال تطبيق تصنيفنا الخاص، فإن ذلك سوف يسمح لنا بفرض قيود مالية وعلى سفر أولئك الأعضاء الذين يشاركون فى الأنشطو الإرهابية التى تهدد الأمن القومى للولايات المتحدة".
وأوضحوا إن تصنيف أفرع جماعة الإخوان فى كل دولة على حدة يخدم غرضين: أولهما، أن هذه الأفرع والأفراد سيتم تهميشهم وإضعافهم من خلال التصنيف، وثانيا، فإن هذا يبعث رسالة قوية إلى باقى أفرع جماعة الإخوان بإمكانية تصنيفهم.
ولفت الخطاب إلى إجراء مماثل تم إتخاذه حيال منظمات إرهابية بعيتها فى دول أخرى، مثل تصنيف جماعات أنصار الشريعة فى بنى غازى وأنصار الشريعة فى درنة وفى تونس، حيث تم تصنيفهم بشكل منفصل.
وخلص الأعضاء خطابهم لتيلرسون قائلين "السيد وزير الخارجية، إذا لم تكن مستعد حاليا لفرض تصنيف كامل لجماعة الإخوان المسلمين، فإننا نحثك بقوة على مراجعة أفرع الجماعة فى كل بلد على حدة وفقا لمتطلبات القسم 219 من قانون المواطنة والهجرة. وهذا التصنيف سوف يكون خطوة مؤثرة ومتكاملة فى الحرب العالمية على الإرهاب. ونؤكد على حساسية الوقت لاتخاذ الخطوة الآن".
خلافات ترامب وتيلرسون ربما تصل لنقطة صدام
وبرغم فشل ترامب، والتحركات المحدودة من قبل الكونجرس الأمريكى فى حسم ملف الإخوان على مدار عام كامل، إلا أن عام الرئيس الأمريكى الثانى داخل السلطة ربما يحمل مفاجآت ، خاصة فى ظل احتدام الخلافات بينه وبين وزير الخارجية ريكس تيلرسون، والذى ترجح تقارير اعلامية أمريكية استقالته من منصبه فى الربع الأول من عام 2018 ، خاصة فى ظل وجود تباين واضح بينه وبين الرئيس فى أجندات وملفات آخرى بخلاف ملف قطر والإخوان، كما يتوقع مراقبون أن يكثف الكونجرس تحركاته تجاه هذا الملف فى الفترة المقبلة بالتزامن مع التحركات الدولية لملاحقة أنشطة الجماعة فى الدول الأوروبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة