"إنه إبراهيم.. أبو الأنبياء والمؤسس الأعظم فى الكتاب المقدس العبرى، وهو أيضا الجد الروحى الذى فى العهد الجديد والمخطط الأعظم فى القرآن، إن إبراهيم هو الجد المشترك لكل من اليهودية والمسيحية والإسلام. وهو محور الصراع العربى الإسرائيلى. وهو واسطة الحرب الدائرة بيت الغرب والمتطرفين الإسلاميين. إنه الأب فى حالات عديدة وأوجه كثيرة، هو الأب البيولوجى – لاثنى عشر مليون يهودى وبليونى مسيحى، وبليون مسلم فى العالم أجمع- إنه أول موحد عرفه التاريخ".
يقول بروس فيلر فى كتاب "الخليل إبراهيم .. رحلة إلى جوهر الديانات الثلاث" والذى ترجمه نشأت باخوم مراجعة وتقديم أحمد هويدى، وصدر عن المركز القومى للترجمة، إن إبراهيم الذى أتوق إليه هو الذى سيكون الجسر بين البشرية والقداسة، الذى يوضح المثال لما يعنيه أن تكون مؤمناً مخلصاً، ولكنه أيضاً الذى يسلمنا بركة الله على الأرض، ينقل نعمة الله عبر أولاده، عبر إسماعيل، عبر إسحق، ثم الذى يمللك الكثير من القداسة التى لم تزل متروكة وحية وباقية لدرجه تمكنه من أن يتصدق ببعض منها على كل أعضاء أهل بيته، ومن ثم لأولاده من زوجته الثانية، وهذا الإبراهيم يكون عالماً بما يكفى لأن يعرف أن أولاده لن يتبنوا دائماً ولن يحتضنوا الكمال الذى لبركة الله، لن يرقصوا بلا نهاية رقصة ال ( Kumbaya) حول نار المخيم، سيحاربون ويقتلون ويطيرون بالطائرات مخترقين المبانى لتفجيرها ويرسلون القنابل ويزرعونها هنا وهناك، حتى فى المدارس، وبصفة عامة يحاولون تشتيت كرم الله وسماحته .
لكن إبراهيم يؤمن أن أولاده مازالوا يطلبون وجه الله، ما زالوا فى حاجه للراحة من شيء أعظم منهم ، مازالوا يتشبثون ببعض الوميض للبشرية ، مازالوا يحلمون بلحظة عندما يقفون جنباً إلى جنب، أحدهما بجانب الآخر، ويصلون من أجل أبيهم المفقود ، ومن أجل التركة وميراث السلام بين الأمم الذى كان أول أمر شرعى من السماء.
الكتاب نموذج جيد على تبنى الحوار بين الأديان الإبراهيمية، وقد انتهج مؤلف الكتاب منهجا علميا وصفيا استطاع من خلاله أن يقدم لنا شخصية إبراهيم عليه السلام، كما يفهمها أتباع الديانات الإبراهيمية، فجمع النصوص وسأل بعض علماء الشريعة والفقه واللاهوت للتعرف على حقيقة هذه الأديان، ونقل هذه الآراء كما سمعها وفهمها، وقد صاغ المؤلف كتابه على شكل حوار بينه وبين من قابلهم من علماء هذه الأديان، وقد كان علميا وموضوعيا إلى حد كبير فقد تكبد المؤلف مشقة السفر لبعض الأماكن التى تنقل بينها إبراهيم فى محاولة منه للتعرف عن كثب على شخصية إبراهيم وهويته وقيمته عند المؤمنين به، ويذكرنا هذا المؤلف بالمنهج والأسلوب الذى أنتجه البيرونى فى مؤلفه الأبرز "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرزولة" .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة