بالكاد خرج العمال والنقاشون من الدور رقم 18 من العمارة رقم 54 فى شارع البطل أحمد عبد العزيز فدخلنا، كانت المقاعد «بشوكها» وأجهزة الكمبيوتر توحى بأنك فى «سيبر إنترنت» وليس فى جريدة، كان فى الجريدة كبار حقا يرعون أحلامنا الصغيرة، زمرة من المخضرمين وكثير من الشباب، والقائم على التجربة فى الثلاثينيات! ونحن الشباب لم نكن لنجد فرصة «أظرف» من هذه، رئيس التحرير نفسه شاب مثلنا، يتحدث بنفس لغتنا، ويهوى نفس هواياتنا، كان خالد صلاح وقتها صديق كل واحد فينا، يقربنا إليه فلا نفهم لماذا، يمنحنا الكثير من الاهتمام فيثير الحيرة فى قلوبنا، حتى اعتدنا عليه واعتاد علينا، كان يقول لنا أنتم من سيرث هذه الجريدة، فنظن أن كلامه تطيب خاطر، أو بثا للحماسة فى قلوبنا لا غير، كان يقول لا تشغلوا بالكم بأى شىء سوى المهنة، لا تجتهدوا فى شىء قدر اهتمامهم بالحصول على الخبر، أنتم الآن محررون، وبعد قليل ستصبحون رؤساء أقسام ثم مديرى تحرير ثم رؤساء تحرير، وأتحدى أصدقاء فى «اليوم السابع» لو كان أحدا وقتها صدقه، لكنه صدق.
عشر سنوات مضت، لا أفهم كيف أو متى، وصدقنى فقد فزعت أمس حينما نشر «اليوم السابع» خبرا يقول إننا وصلنا إلى الخبر رقم 4 ملايين، ولهواة الحساب أن يحسبوا كم خبرا ننشر فى السنة، وكم فى الشهر، وكم فى اليوم، ولهواة ترويج الشائعات واصطناع الأكاذيب ونصب الفخاخ أن ينظروا قليلا، ليعرفوا حقا إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
هذا درس لنا، ودرس لمن يريد أن يعتبر، فالعمل وحده هو الفيصل والعمل وحده هو الضمانة الأساسية والوحيدة للنجاح، وإن أردت أن تعرف سر نجاح «اليوم السابع» بشهادة واحد من مؤسسيه وشاهد عيان على كل ما مر به أو جرى فيه فسأقول لك إننا لم نفعل شيئا معجزا، ولم نأت بما عجز الأوائل عن الإتيان به، عملنا فحسب، وسعينا فحسب، واجتهدنا فحسب، ونظمنا أنفسنا فحسب، ووزعنا الاختصاصات فحسب، وأثبنا المجتهد، وعاقبنا الشاذ، وأبعدنا الخونة.
نعمل كثيرا، ونفرح كثيرا، ينال منا الإحباط مرة، ويدفعنا الأمل مرات، فى صالة التحرير نختلف ونتفق، نتشاجر ونختصم، ندفع بعضنا بعضا، فنكتشف مكمن الفساد ونجتثه، يذكرنى «اليوم السابع» بمشهد من فيلم أمريكى عند بداية الهجرة إلى أمريكا وكيفية توزيع أراضيها الشاسعة على المهاجرين، فقد كان مطلوبا من كل مهاجر أن يجرى، فكل المسافة التى يقطعها ستصير ملكه، وهكذا صار الحال فى «اليوم السابع»، جرينا وسعينا، فصار «اليوم السابع» تجربة عصية على الإنكار، تغيرت الحكومات ولم نتغير، تغيرت الأنظمة وعقيدنا ثابتة، اختلفت الأحوال ومرت الأهوال ونحن على ما تأسسنا عليه، قانون واحد، ودستور واحد، ولم يكن خالد صلاح أبا أحد منا، لكنه صار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة