مروة مختار تكتب: الهيرو والمنهج.. كيف يفكر النقاد العرب؟

الثلاثاء، 09 أكتوبر 2018 09:30 م
مروة مختار تكتب: الهيرو والمنهج.. كيف يفكر النقاد العرب؟ مروة مختار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أظن أن الكتابة النقدية النظرية النابضة أشبه ما تكون بعزف سيمفونية متناغمة، لأنها خلاصة ممارسة نقدية على أعمال إبداعية مختلفة، روح هذه الأعمال تسرى فيها أثناء الكتابة فتحولها من كتابة صماء إلى أرواح تسرى فيك، فتحيى موات بعض الخلايا وتستنهض أخرى وتجعلك منصتا بداية ثم محاورا ومناقشا، كأنك كنت حاضرا فى مناقشة تلك الأعمال التى انعكست على كتابة الناقد نظريا، فالممارسة النقدية أصل كل تطوير نظرى لأى منهج.

هذه هى الكتابة النقدية النظرية التى ننشدها، وقبل أن نبحث عن موقعنا منها ليتنا ندرك بداية أن ثمة مشكلة فى التنظير النقدى، وإدراكنا لحجم ما نحن عليه سيدفعنا بالتأكيد إلى الاعتراف بالتقصير ثم مواجهة المشكلة بطرح طرق مختلفة لمعالجتها

سأحاول معكم طرح بعض الاسئلة علها تقودنا إلى بعض المفاتيح منها:

هل تلقى المناهج النقدية كان له شكل واحد أم ظهرت معه أنماط متباينة لتلقيها انعكست على كيفية الممارسة؟

هل يمكننا قبول تكرار الممارسة ـ الغربية أو العربية ـ بالشكل نفسه الذى تم طرحها منذ عقود ومع بدايات ظهور أى منهج نقدى فى المؤلفات التنظيرية له وكأنها قوالب مصمتة علينا الالتزام بها أثناء الممارسة النقدية؟

أين مردود الممارسة النقدية على تطوير الجهاز التعريفى أو الاصطلاحى لأى منهج نقدى أو تطوير استراتيجيات ممارسته انطلاقا من اختلاف النصوص بمفهومها الشامل "مسموعة مرئية شفاهية إبداعية سياسية"، وكل منها يشغل طبقة مختلفة من طبقات المعنى.

فى ظنى أن تكرار الممارسة بالشكل نفسه فيه إهدار كبير للجهد وللوقت، والأصل فى عودتنا للبدايات النظرية لأى منهج نقدى أن نصحح مفهوما، أو نعيد صياغة تعريف بشكل جديد أو نجرى تعديلا ما نطور به إجراء فى الممارسة أو نقوم بتطوير ملموس على استراتيجيات المنهج المقترحة فى الأساس، وكل هذا يكون نابعا بالدرجة الأولى من اختلاف النصوص التى ننصت إليها بشكل مستمر ولا نتعالى عليها.

سؤال آخر يؤرقنى: لماذا نمارس نقد النقد على المنهج قبيل أفول نجمه أو بعد ذلك مباشرة ونغفله خلال سنوات الممارسة؟ لماذا نعلن بكل حده وإنكار فشله أو إخفاقه وبالحمية نفسها نستقبل المنهج الجديد ونهتف له؟ لماذا لم نقم بعملية تطوير آنى ـ بناء على الممارسة المتوالية ـ لجهازه الاصطلاحى وآليات ممارسته واستراتيجيات تطبيقه فنترك بصماتنا الروحية والعقلية عليه مثلما تفاعلنا مع النصوص المختلفة الصادرة عن البشر؟

لقد حصرت أغلب دراسات "نقد النقد" الموجهة للمناهج النقدية نفسها فى الفترات الزمنية الانتقالية التى تبدأ بأفول منهج وسطوع آخر، فلماذا لم تواكب زمنيا ممارسات المنهج نفسه لتعمل على تطويره آنيا ومرحليا ومن ثم ينعكس تطور الوعى به على من يعملون بالمنهج نفسه فى مراحل لاحقة؟

يمكننا أن نعود لبدايات تلقى المناهج النقدية الغربية، وأظنها لم تحظ بالدراسة الكافية مثلما حظيت الدراسات الخاصة بتلقى النصوص الإبداعية،علنا يمكننا أن نفسر عدم مواكبة دراسات نقد النقد للممارسة الفعلية للمناهج النقدية.

فى رأيى أن تلقى المناهج النقدية جاء وفق ثلاثة أنماط:

النمط الأول: وجد فى المنهج الغربى "الهيرو" بالمعنى الحرفى للكلمة، فهناك رأى لايجد أى أمل فى تربتنا العربية،ومن ثم يلجأ للمنقذ الغربى تفكيرا ومنهجا وتطبيقا،ظنا منه أنه الحل الوحيد الناجع كى نلحق بركبهم الحضارى والفكرى، وسرعان ما يستحيل هذا التلقى إلى ممارسة تطبيقية حرفية لاقتراحات المنهج الغربى، وسرعان ما يستحيل من نقلوه إلى حراس له يرفضون ما يثار حوله من استدراكات، وتظل الممارسة تتكرر من دراسة إلى أخرى تتوخى استراتيجيات المنهج الوافد دون اعتبار فى أغلب الأحيان لخصوصية التجربة العربية لغة وفكرا.

النمط الثانى: لم يرتض أن تكون قبلته غربية فبحث عن "الهيرو" الخاص به فى أعماق التراث يستدعيه ليواجه الوافد الغربى، ويقوم بالأدوار كلها فى وقت واحد مكررا المقولة الشهيرة التى تتردد مع بزوغ أى منهج جديد: "إن التراث به كل شىء لكنكم لا تقرأون، وتظهر الدراسات هنا وهناك تبحث وتنقب عن جذور عربية لمقولات الوافد الغربى، لتؤكد لنا بيقين منقطع النظير أن الغرب لم يأتوا بجديد وأن كل جديد موجود لدينا فى تراثنا القديم.

والأصل فى اقتراح المناهج النقدية وممارستها على النصوص الإبداعية أن تكون دراستنا علمية فى المقام الأول،تخلصنا من المذهبية وتنقلنا إلى المنهجية، ولكن إذا أمعنا النظر سنجد أن تلق النمط الأول وتلق النمط الثانى كان تلقيا أيدلوجيا.

وقد يكون هذا من أحد الأسباب التى جعلت نقد النقد لم يجد مساحة كافية ليقوم بدوره فى تقديم رؤيته، بشكل متزامن مع الممارسة النقدية لكل منهج كى يتطور آنيا ومرحليا.

النمط الثالث: إدراك أن العلوم الإنسانية بينها مساحات مشتركة تظهر فى التراث وفى الوافد الحديث على تباين النشأة واختلاف الأنساق الثقافية النابعة منها، وأن هناك مساحة من الخصوصية تتمتع بها كل تجربة فأفاد من هنا ومن هناك قديما وحديثا، وأصحاب هذا النمط يتمتعون بوعى نقدى يقظ يُنحى التلقى الأيدلوجى تجاه الوافد الغربى أو تجاه التراث العربى، ويعتقدون أنها إسهامات جدلية يمكننا الاستفادة منها فى تطوير أدواتنا المنهجية، هذه الفئة طورت نفسها وانتقلت من مرحلة إلى أخرى، وتشهد لها مؤلفاتها بهذا التطور والوعى المتجدد.

وهنا يمكننا القول إن حالة الحراسة الدائمة للوافد أو للتراث قد تستحيل إلى نوع من القداسة بمرور الوقت لاستراتيجيات المنهج وإجراءاته، وقد تظهر أدوات عقاب يلوح بها لمن يخرج عليها، وكأن المنهج استحال إلى قواعد مستقاة من نص مقدس واجب النفاذ، ونحن فى الحقيقية نبحث كل يوم عن وجوه جديدة لتأويل المقدس تبرز غناه وخلوده، فما بالنا بالمنهج الذى اقترحه فرد أو مجموعة من البشر يؤخد ويرد عليهم، إن الحراسة التى مارسها بعض مريديه أدت إلى تكلس المنهج نفسه وعدم تطوره.

وأظن أن البينية فى المناهج النقدية هى المخلص الحقيقى لأى دعوة متطرفة للقديم أو للحديث كل بمعزل عن الآخر فبهما نحيا، وهذه البينية نشأت من كون أى منهج جديد ينشأ ليتلافى بعض الاستدراكات التى وجهت للمنهج السابق عليه، التى لو تقبلها بوعى حقيقى لعالج مشكلاته وآمن بالتطور والتغيير وأثبت مرونته المتناسبة وطبيعة العلوم الإنسانية.

وهنا يمكننى أن أقول إن استراتيجيات الممارسة التى تقترحها المناهج النقدية ليست ملزمة بشكل حرفى لمن يقوم بالتطبيق، فالنصوص على تنوع أجناسها تلهمك بإجراءات جديدة تضاف لاستراتيجيات الممارسة التى يقترحها المنهج، فتضاف لاقتراحات المنهج الأصلية المستمدة فى الأساس من العمل على نصوص أخرى.

ومن ثم فهى ليست ثابتة لأنها ليست قوانين كونية فكلها مقترحات فكرية من عقول بشرية، وبالتالى ينطبق عليها التطور مع كل ممارسة جديدة وتتعدد وتتنوع بتنوع أنماط الخطابات التى تطبق عليها.

فالمنهج أصله خلق بشرى قابل دوما للتطوير بعد كل ممارسة نقدية، وإن رفضت تحت عباءة الصرامة العلمية نشأ منهج آخر يتلافى عيوب المنهج السابق عليه،مستفيدا من مزاياه، ومن هنا تنشأ البينية بين المناهج النقدية وتكسبها طبيعتها الجدلية مبتعدة عن فكرة الهيرو التى تبحث عن المخلص بمعزل عن احتياجاتها الحقيقية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة