تمر اليوم ذكرى رحيل على باشا مبارك، الذى توفى يوم 14 نوفمبر 1893، بعدما حقق لمصر خطوة فى مجال التعليم، فى عصر النهضة.
وفى كتابه "حياتى" الذى يحكى سيرة حياته، ويتذكر على باشا مبارك أيامه الأولى وسعيه للتعليم وظروف حياته، حيث كان ولدا وحيدا له سبع بنات أشقاء، وله أخوة ذكور من أم أخرى، وكان والده حريصا على تعليمه، ومن أجل ذلك وقعت بعض الحكايات الغريبة فى طفولته.
حفظ القرآن بالضرب
أسلمنى أبى لمعلم اسمه الشيخ أحمد أبو خضر من ناحية الكردى قرية بقرب برنبال، وجعل الوالد يرسل لى كفايتى عنده وكنت لا أذهب إلى بيتنا إلا كل جمعة، ومن خوفى منه كنت لا أعيد إليه فارغ اليدين، فأقمت عنده نحو سنتين، فختمت القرآن بداءة ثم لكثرة ضربه لى تركته وأبيت أن أذهب إليه بعد ذلك وجعلت أقرأ عند والدى إلا أنى لكثرة أشغاله واشتغاله عنى تعلقت باللعلب والتفريط، فنسيت ما حفظته، فخشى والدى عاقبة ذلك، فهم بجبرى على الذهاب إلى هذا المعلم، فاستعصيت ونويت الهرب إن لم يرجع عنى.
كاتب نظيف لكن جعان
وعندما سألونى عما أريده قلت أريد أن أكون كاتبا لما كنت أرى للكتاب من حسن الهيئة والهيبة والقرب من الحكام، وكان لوالدى صاحب من الكتاب، كان كاتب قسم، فأسلمنى إليه، فرأيته رجلا حسن الهيئة نظيف الثياب جميل الخط فأقمت عنده مدة، ولى من والدى مرتب يكفينى، فدخلت بيته وخالطت عياله، فإذا هو مجمل الظاهر فقير فى بيته وله ثلاث زوجات وعيال، على قلة من الزاد، فكنت فى غالب أيامى أبيت طاويا من الجوع، وكان أغلب تعليمه إياى على قلته فى البيت أمام نسائه، وكان خروجه إلى السرحة قليلا، وإذا خرج يستصحبنى معه، فلا أستفيد إلا خدمتى له، ومع ذلك فكان يؤذينى دائما، إلا أن كنا يوما فى قرية المناجاة فسألنى أمام الناظر وجماعة حضور، عن : الواحد فى الواحد، وقلت له باثنين، فضربنى بمقلاة بن، فشجنى فى رأسى، فلامه الحاضرون، وذهبت إلى والدى أشكو إليه، فلم أنل منه إلا الأذية، وكان يومئذ مولد سيدى أحمد البدوى، فهربت مع الناس قاصدا المطرية (جهة المنزلة) لألحق بخالة لى هناك.
الهروب من المنزل
مرضت بالريح الأصفر، فى طريقى بقرية صان الحجر، فأخذنى رجل من أهلها لا أعرفه، فمكثت على ذلك عنده أربعين يوما، وثد سألونى عن أهلى، فقلت أن يتيم مقطوع، وكان والدى فى تلك المدة وأحد أخوتى يفتشان على فى البلاد، فاستدلا على فى صان الحجر، فلما رأيتهما من بعد هربت، ونزلت بمنية طريف، فأخذنى رجل عربى، ولم أقم عنده إلا قليلا حتى هربت ولحقت بأخ لى فى بلدتنا برنبال، وبعد أيام قدم إلينا أخى الذى كان يفتش على فأخذنى بالحيلة إلى والدى، وقد أشكل عليهم أمرى، وذهبوا كل مذهب فى كيفية تربيتى، وما يصنعون بى، وجعلوا يعرضون على القراء والكتاب فلم أقبل، وقلت إن المعلم لا أستفيد منه إلا الضرب والكاتب لا يفيدنى إلا الضياع والأذية ويستفيد منى الخدمة.
شغل وفلوس وفضح سيرة
ثم عرض على والدى أن يلحقنى بصاحب له من كتبة المساحين فرضيت بذلك، فلما عاشرته رغبت فى عشرته لما كنت اكتسب من صحبته من النقود التى تنالنى مما يأخذه من الأهالى، فأقمت عنده ثلاثة أشهر، لكنى لصغر صنى وعدم معرفتى بما ينفع وما يضر كنت أفشى سره واخبر عما يأخذه من الناس، فطردنى فبقيت فى بيتنا.
الدخول إلى السجن
ثم بعد نحو سنة جعلنى مساعدا عند كاتب فى مأمورية أبى كبير بماهية خمسين قرشا أبيض له الدفاتر، فأقمت عنده نحو ثلاثة أشهر، وقد خلقت ثيابى وساءت حالى ولم أقبض شيئا من الماهية إلا الأكل فى بيته، ثم عيننى يوما لقبض حاصل أبى كبير، فقبضته وأمسكت عندى منه قدر ماهيتى، وكتبت له علما بالواصل، ووضعته فى كيس النقدية، فلم وقف على ذلك اغتاظ منى وأسرها فى نفسه.
وكان مأمور أبى كبير يوم إذن عبد العال أبا سالم من منية النمرد فأخبره بذلك واتفق أن المأمورية مطلوب منها شخص فى العسكرية، فأغراه بى واتفق على إلحاقى بالجهادية لسداد هذه الطلبة، فنادونى على حين غفلة، وأمرنى المأمور بالذهاب إلى السجن لكتب المسجونين، وأصحبنى رجلا من أغوات المأمورية، فلما دخلت السجن أحضروا غلا من الحديد ووضعوه فى رقبتى، وتركت مسجونا، فداخلنى ما لا مزيد عليه من الخوف، فلبثت فى السجن بضعا وعشرين يوما، فى أوساخ المسجونين وقاذوراتهم، وسرت أنتحب، فرق لى السجان لصغر سنى، فقربنى إلى الباب، وواسيته بشيء من النقود التى كانت سبب سجنى وكنت أرسلت إلى والدى بحبسى، فذهب إلى العزيز وكان بناحية منية القمح، وقدم له قصتى فى عريضة، فكتب بإخلاء سبيلى.