عاش الرجال والنساء، بدرجات تطورت أكثر، شعورا جديدا بالحرية. كانوا أسياد حياتهم، تكسرت سلاسل الإقطاعية، تحرروا من كل القيود وأصبح بإمكانهم عمل ما كانوا يرغبون فيه. على الأقل هذا ما كانوا يشعرون به.
هذه هى النقطة الرئيسية التي يتحرك منها كتاب الامتلاك أو الوجود .. الأسس النفسية لمجتمع جديد، تأليف إيريك فروم، ترجمة حميد لشهب، صادر عن دار نشر جداول، والذي يرى أنه رغم كون هذا الأمر ظل محصورا على الطبقات المتوسطة والعليا، فإنه زرع الإعتقاد عند الآخرين، بأن هذه الحرية الجديدة صالحة في آخر المطاف لكل أفراد المجتمع.
الكتاب، حسب مقدمته، امتداد للكتب السابقة لإيرك فروم، وكما يقول، إنه توسيع لأعمالي في ميدان التحليل النفسي الإنساني الراديكالي ويركز على تحليل الأنانية والإيثار كتوجهين أساسيين للطبع، سأتمم في الثلث الأخير لهذا الكتاب، الجزء الثالث، موضوعا شغلني في كتاب "المجتمع السليم" (1955أ) و في كتاب "ثورة الأمل" (1968أ): أزمة المجتمع الحديث وإمكانيات حلها. ولهذا السبب، فإن هناك بعض التكرارات لما قيل في هذين الكتابين، لم يكن بالمستطاع تجاوزها؛ لكن أتمنى أن تكون وجهة النظر الجديدة في هذا الكتاب، التي اعتمدتها في كتابة هذا العمل المتواضع، والإطار الموسع له، أن تحضى باهتمام القارئ، المعتاد على قراءة أعمالي السابقة.
كان الامتلاك أو الوجود آخر ما كتبه إيريك فروم قبل وفاته ويعد عصارة فكره على الإطلاق، عرف رواجا قياسيا منذ نشره لأول مرة، وأعيد نشره بانتظام بمعدل مرتين كل أربع سنوات إلى يومنا هذا، ولا يعد هذا نجاحا ماديا للكتاب فقط بل يترجم حاجة باطنية ملحة لدى الإنسان الغربي في البحث عن بديل ولربما بدائل لما وصلت إليه الحضارة العربية المعاصرة المشجعة لمبدأ الامتلاك على مبدأ الوجود أي دعم فكر نهب الإنسان لأخيه الإنسان، بحثا عن كل سبل هدم الإنسان عن ذاته لذاته.