سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على تداعيات احتجاجات "السترات الصفراء" التى اعتبرتها تشكل أكبر تحدى لرئاسة الرئيس الفرنسى الشاب إيمانويل ماكرون، وقالت إن أوروبا تنظر لما يحدث فى عاصمة النور وهى تحبس أنفاسها لأنها تدرك أن ما يحدث سيكون له بالغ الأثر على كافة أرجاء القارة العجوز.
وأوضحت الصحيفة أن فرنسا ليست الوحيدة التى تأمل أن تسفر تنازلات "ماكرون" المتعلقة بالضرائب ورفع الحد الأدنى للأجور عن احتواء أعمال العنف والشغب والاحتجاجات المناهضة للحكومة والتى عجت بها بالشوارع الفرنسية خلال الشهر الماضى بشكل زعزع استقرار البلاد.
ثورة السترات الصفراء تحدى هائل للسلطة فى باريس
واعتبرت "الجارديان" أن ثورة "السترات الصفراء" التى أسفرت عن اعتقال أكثر من 1250 شخص وإصابة 400 آخرين فضلا عن تكلفتها الاقتصادية على البلاد والتى وصلت إلى مليارات اليوروهات، تمثل تحدياً هائلاً لسلطة الرئيس الوسطى مشيرة إلى أنه إذا فشل فى الاختبار، فلن يكون وحده من يدفع الثمن.
وكما ترى "الجاردينن" فإن "ماكرون" اُنتخب لتعهده بإثبات أن فرنسا يمكن إصلاحها ويمكن إنعاش اقتصادها من خلال التخفيضات الضريبية والإنفاق العام، وتمرير تغيرات واسعة فى سوق العمل، وليس هذا فحسب، وإنما تطلع الأوروبيون إليه باعتباره مدافعا شرسا عن الديمقراطية الأوروبية الليبرالية.
وكما ذكرت، فهو قدم نفسه على أنه بطل التعددية والحصن ضد مد القومية "الأنانية.. والخطيرة"، لاسيما مع تصاعد موجة الشعبوية المتشككة فى الاتحاد الأوروبى والاستبدادية فى أماكن متفرقة من أوروبا، حتى أنه حذر الشهر الماضى فى الذكرى المئوية لهدنة الحرب العالمية الأولى من أن "الشياطين القديمة بدأت تظهر من جديد".
مطالب متناقشة لمظاهرات السترات الصفراء
وأضافت "الجارديان" أن الصعوبات التى يواجهها "ماكرون" لإرضاء حركة متنوعة ليس لها هيكل معين وقائمة على وسائل التواصل الاجتماعى، حيث أن أبطالها من الفرنسيين الذين يتقاضون أجورا ضعيفة، ليس من السهل حلها، لاسيما مع المطالب المتناقضة للمشاركين فى المظاهرات، فمنهم من يطالب برفع الحد الأدنى ومنهم من يطالب بالديمقراطية، ومنهم من يطالب بتخفيض الضرائب، الأمر الذى غازل مساحة واسعة من الرأى العام خاصة هؤلاء الذين لا يشاركون الرئيس وجهات نظره الدولية والتى تنادى بالتعاون الاقتصادى والسياسى مع الدول المجاورة، أى تناقض الفكر الشعبوى والنزعة القومية.
فمثلا، قال ماتيو سالفينى، وزير الداخلية الإيطالى، وزعيم الرابطة اليمينية المتطرفة والذى خاض معه "ماكرون" حرباً كلامية بشأن سياسات مكافحة الهجرة المتشددة فى روما، إن "المنسيون وآلاف الشرفاء الذين ظلمتهم الحكومة الفرنسية، أصبحوا الآن فى الشارع".
باريس تحترق
أما ستيف بانون، مهندس الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، والذى يحاول الآن توحيد صف القوات القومية فى أوروبا، فقال فى اجتماع عقد فى بروكسل فى نهاية الأسبوع: "باريس تحترق. والمشاركون فى مسيرات السترات الصفراء هم بالضبط نوع الأشخاص الذين انتخبوا دونالد ترامب.. وصوتوا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى".
ولم تنته المسألة عند هذا الحد، فغرد الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب قائلا: إن فرنسا عليها إنهاء اتفاق باريس للمناخ "السخيف والمكلف للغاية"، وأن تعيد الأموال إلى الشعب عن طريق تقليل الضرائب. بينما سلط رئيس تركيا رجب طيب أردوغان الضوء على الفوضى فى الشوارع وما وصفه "رد فعل عنيف من الشرطة".
واعتبرت "الجارديان" أن ضعف موقف "ماكرون" الداخلى سيؤدى بالضرورة إلى تراجع النفوذ الفرنسى بالخارج، حتى أن الرئيس نفسه أكد مرارا وتكرارا أن مصداقيته الدولية تعتمد على قدرته على تنفيذ الإصلاحات الداخلية، والتى تهدد الآن بعرقلته رئاسته.
كما تعهد بإبقاء العجز فى ميزانية فرنسا ضمن قواعد الإنفاق فى الاتحاد الأوروبى، وهو هدف يمكن أن يهدد خطط الإنفاق الخاصة به، مما يضعه فى خلافات ليس مع بروكسل فحسب، بل أيضاً مع روما، حيث تطالب الحكومة الشعبوية بحقها فى الإنفاق، وفقا لما تراه مناسبا.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول انه قبل أربعة أشهر من انتخابات البرلمان الأوروبى فى شهر مارس، والتى من المتوقع أن تحقق تقدمًا كبيرًا للقوى القومية وغير الليبرالية فى القارة، فإن ضعف موقف ماكرون على رأس فرنسا الفوضوية والمتمردة هو آخر شيء تحتاجه أوروبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة