قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية فى افتتاحيتها إن المشهد السياسى ، فى الولايات المتحدة أصبح مضطربا بعد سلسلة من الأحداث جعلت البيت الأبيض يبدو غير فعالا والرئيس الأمريكى متهورا أكثر من أى وقت مضى لاسيما بعد أن أدت قراراته خلال أيام فى إغلاق جزئى للحكومة الفيدرالية واستقالة وزير الدفاع، جيمس ماتيس.
وأضافت الصحيفة ، أن إعلان دونالد ترامب ، عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أدى إلى استقالة جيم ماتيس ، وزير الدفاع وأحد أبرز الأشخاص الذين تمكنوا من كبح جماح الرئيس وفرض قيود على قراراته، معتبرة أن مغادرة أحد أبرز الوجوه فى الإدارة الأمريكية ، بالإضافة إلى إغلاق الحكومة جزئيًا، بعد رفض ترامب ، إسقاط طلبات تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك، أدى إلى تغذية الشعور بوجود انحراف فى السياسة الأمريكية وزاد من الغضب والمرارة تجاهها.
واعتبرت الافتتاحية ، أن حدوث إغلاق للحكومة الأمريكية لثالث مرة خلال عام، أمر استثنائي لأن الولايات المتحدة، وحدها بين الديمقراطيات الغربية ، لا تزال تخضع لمثل هذه الإغلاقات ، بتكلفة باهظة يدفعها الشعب وموظفو الحكومة. وأشارت إلى أن هذه الإغلاقات ترجح إلى حد كبير أن ترامب سيصبح مثيرا للانقسام الحزبى أكثر مما سبق خلال العامين المقبلين. لكن بالنسبة لحلفاء أمريكا - ومنافسيها - فإن أهم التطورات بالنسبة لهم تتعلق بسوريا واستقالة ماتيس.
وأضافت الصحيفة البريطانية ، أن خسارة الحزب الجمهورى للسيطرة على الأجندة المحلية فى الكونجرس ،كان من المفترض أن تدفع بترامب ، للتركيز على السياسة الخارجية، ولكن مغادرة ماتيس تمثل ضربة قوية، فوزير الدفاع كان يقدر حلفاء الولايات المتحدة ، وكان حازما مع أعدائها، فهو كان آخر من يطلق عليهم "الكبار" فى الإدارة، وحاول مواجهة عداء الرئيس لحلف الناتو ومنع خفض القوات في أفغانستان، حيث كان لا يخشى الوقوف فى وجه ترامب.
وبعد عامين من محاولته للحد من استهتار الرئيس- تضيف فايننشال تايمز- شعر بالحرج من أمر ترامب ، بنشر أفراد عسكريين على الحدود مع المكسيك لمنع "غزو" اللاجئين. لكن يبدو أن طريقة إعلان قرار ترامب بسحب 2000 جندي أمريكي في سوريا عبر تويتر كانت القشة الأخيرة، وظهر ذلك فى لهجة وتوقيت خطاب استقالته ، إذ دافع عن الحاجة إلى "احترام الحلفاء" والمزيد من "الحزم" مع الخصوم.
واعتبرت الصحيفة ، أن استسلام ماتيس كان مبررا، حيث أظهر إعلان ترامب ، بحسب القوات من سوريا إلى أن الرئيس يشعر الآن بثقة كافية للتصرف في السياسة الخارجية دون الالتفات إلى مشورة كبار الموظفين ، ورغم أنه تعهد منذ فترة طويلة بسحب القوات الأمريكية من سوريا، إلا أنه جعل من محاربة داعش ومواجهة دور إيران في المنطقة أولوية، لتبدو سياسة الولايات المتحدة الآن غريبة وغير متناسقة، بحسب الصحيفة.
ويشكل انسحاب القوات أيضًا تخليًا عن الحلفاء الرئيسيين ،وأبرزها القوات السورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد ، في الحرب ضد داعش.، وقد استقال بريت مكجورك ، المبعوث الأمريكي إلى التحالف المناهض لداعش ، يوم الجمعة.
وأكدت الافتتاحية ،أن إدعاء ترامب بأن داعش مُهزومة إلى حد كبير هو أمر خيالى، ورغم طرده من معاقله الرئيسية ، لكنه لا يزال يشن هجمات مميتة، وإذا ما أعطى المساحة، سيعود التنظيم.
ويعكس إعلان سحب القوات ، انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط على نطاق أوسع فضلا عن أنه بمثابة نصرًا رمزيًا لطهران وموسكو، كما أن تركيا فائز آخر. وقالت إن نفوذ أمريكا في سوريا بدأ يتضاءل منذ أن فشل الرئيس السابق باراك أوباما، في دعم "خطه الأحمر" بشأن هجمات الأسلحة الكيميائية، ليتوالى ضعفه ضعفت بعد ذلك حيث تدخلت إيران وروسيا لدعم نظام بشار الأسد.
وخلصت الجريدة ، إلى أنه من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن مصير سوريا ، لن يتم تحديده من قبل الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة ، ولكن من قبل الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعند الاستقالة ، قال ماتيس ، إنه يجب أن يكون لدى الرئيس الأمريكي وزير دفاع "أكثر توافقاً" مع وجهات نظره ، يجب على مجلس الشيوخ الآن أن يحافظ على واجبه الدستوري لضمان أن باتريك شاناهان ، الذي سيعمل في منصب وزير الدفاع في الأول من يناير ، أو أي شخص يختاره ترامب ، على استعداد للوقوف في وجه الدوافع المتهورة للرئيس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة