واحد من الكتب المميزة التي صدرت عن المركز القومي للترجمة هو كتاب (المستقبل للإسلام الروحاني) من تأليف الكاتب الفرنسي المسلم الدكتور إيريك يونس جوفروا، ويبحث فيه عن مستقبل الإسلام ويرى أنه للروحانية الصوفية بعيدًا عن الشكلانية التي يمثلها السلفيون.
الكاتب الفرنسي المسلم الدكتور إيريك يونس جوفروا
ويقول الكاتب إنه بالنسبة لمعظم المفكرين المسلمين والباحثين الأجانب المهتمين بإصلاح الإسلام، هذا الإصلاح غير ممكن ما دمنا لم نطرح سؤال عن المكانة الكبيرة التي يحتلها الفقه في الثقافة الإسلامية، فرغم أهمية الفقه ومكانته فإنه عمل على تهميش العلوم الأخرى فى الإسلام.
ويقول الكتاب، إن المسلمين اهتموا بالفقه على حساب (علم الدين وعلم الأخلاق وعلم الروحانيات والفلسفة) على وجه الخصوص، الأمر الذي أفقر الثقافة الإسلامية وأضر بها كثيرًا، فراحوا يطابقون بين الإسلام والفقه فقط أو الشريعة، عندئذ ضاع الجوهر الروحي للرسالة المحمدية.
ويتابع: معنى كلمة فقه في اللغة وردت في القرآن بمعنى الفهم أو القبض على معنى ما، أي فهم الآيات أو الإشارات الإلهية في هذا العالم أو القبض على معناها، وقد كان الفقهاء الكبار الأوائل أوفياء لهذا المعنى، فمثلاً نجد بالنسبة لأبي حنيفة النعمان الذي كان مؤسسًا لأول مذهب فقهي في الإسلام أن كلمة فقه تعني (معرفة النفس وما لها وما عليها) ورسالته كان عنوانها (الفقه الأكبر) والواقع أنها تخص علم الكلام أي اللاهوت أكثر مما هي متركزة على الفقه.
لكن علماء الدين سرعان ما قلصوا معنى الفقه فأصبح يعني فقط الدعوة إلى فهم الإرادة الإلهية المعيارية التشريعية (ثم بعد مرحلة أخرى أصبح يعني القانون الوضعي المطبق) أي الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس والفتاوى، وتنظيم أمور العبادات ضمن منظور طقسي شعائري بالكامل، وقد ظهرت هذه المفاهيم في عصر إغلاق باب الاجتهاد وانهيار الحضارة الإسلامية.
يضيف الكتاب إن الفقه قانون بشري لا إلهي، لأن القرآن لا يشكل إلا أحد مصادره الصغيرة جدًا على مستوى الكم، بل ويدعم بعض المختصين الفكرة القائلة بأن الفقه تشكل خارج الأفكار والمنظورات القرآنية الكبرى، بل حتى في تناقض معها، والواقع أن هذه الأطروحة لها وجاهتها التي لا تنكر لأن عدد الآيات التشريعية قليل جدًا في القرآن، إنها تتراوح بين مائتين وأربعمائة آية من أصل ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية يحتويها القرآن، وهذا الرقم قليل جدًا إذا ما قارناه بعدد الآيات التشريعية أو المعيارية التي يحتويها العهد االقديم أي التوراة (ستمائة وثلاثة عشر آية)، أو دستور القانون الروماني (ألفان وأربعمائة وأربع عشرة مادة قانونية).
ويتابع: الفقه ضروري لإدارة شئون كل طائفة دينية في حياتها من حيث القضاء وحل المشاكل بين الناس، لكنها أدت إلى نوع من الهوس بممارسة الطقوس والشعائر الدينية والضياع في التفاصيل، الأمر الذي أدى إلى هيمنة العقلية الفقهية المتكلسة والمتحجرة على عقول المسلمين، ونعلم أنها هي سبب الانتشار الواسع للأصولية المتزمتة في الإسلام حاليًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة