صدر فى سلسلة عالم المعرفة كتاب "الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتى تشكيل الواقع الإنسانى" تأليف لوتشيانو فلوريدى أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات فى جامعة أكسفورد للإنترنت، وترجمة دكتور لؤى عبد المجيد السيد، وهو باحث فى مركز البحوث والاستشارات لقطاع النقل البحرى فى الإسكندرية، الدكتور لؤى عبد المجيد استوقفتنى ترجمته لهذ الكتاب الصعب الذى يعد الأول من حيث موضوعه يترجم للعربية؟ فلقد نحت المترجم مصطلحات جديدة فى اللغة العربية، لذا كنت آمل أن يضيف المترجم قائمة للمصطلحات الواردة فى الكتاب.
هنا تأتى أهمية هذا الكتاب إذ يقدم لنا منظراً عربياً فى مجال تكنولوجيا المعلومات وهو ما افتقدناه منذ رحيل الدكتور نبيل على.
ينطلق لوتشيانو فلوريدى فى كتابه من التفاعل البشرى الحاسوبى، لأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تستخدم لاستحداث وتيسير وتحسين التواصل بين النظم الحاسوبية ومستخدميها من البشر.
فعندما نتحدث عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فمن السهل أن ننسى أن الحواسب لا تحسب، وأن الهواتف لا تُهاتف، إذا كان لنا أن نعبر عن الحال تعبيراً ينطوى على قدر من المفارقة، وما تقوم به الحواسب والهواتف الذكية والحواسب اللوحية وغيرها من تجسيدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو التعامل مع البيانات، إن اعتمادنا على قدراتها على معالجة كميات ضخمة من ملايين التعليمات فى الثانية لجمع أرقام أو للاتصال بأصدقائنا هو أقل بكثير من اعتمادنا عليها لتحديث الحالة الخاصة بنا على فيسبوك، أو لطلب و قراءة أحدث الكتب الإلكترونية عبر الإنترنت، أو لمطالبة شخص ما بفاتورة، أو لشراء تذكرة طيران، أو لفحص البطاقة الإلكترونية للصعود إلى الطائرة أو لمشاهدة فيلم، أو للمراقبة داخل متجر، أو للقيادة إلى مكان ما، أو بالفعل، أى شىء آخر تقريباً، هذا هو سبب الأهمية الكبيرة للتفاعل البشرى الحاسوبى، كما يذكر المؤلف، والواقع أن التفاعل البشرى الحاسوبى، منذ منتصف التسعينيات، لا يتعين أن يتضمن حتى الشاشات أو لوحات المفاتيح، فالمسألة ربما تكون غرس جهاز عصبى تعويضى فى المخ. بطبيعة الحال، فى جميع التفاعلات البشرية الحاسوبية، كلما تحسنت قدرة المعالجة تُصبح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المعنية أكثر شراهة حوسبياً، وسوف يتطلب الأمر الكثير من ملايين التعليمات فى الثانية لجعل الأمور سهلة، ها هو السبب فى أن أنظمة التشغيل الحديثة تعمل بصعوبة على الحواسب القديمة.
يبين المؤلف أننا نعلم أن ما يمكن أن تراه أعيننا فى العالم، ما تدركه أبصارنا من ألوان قوس قزح، ليس سوى جزء صغير جداً من الطيف الكهرومغناطيسى الذى يتضمن أشعة غاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء والموجات الميكروية وموجات الراديو. وبالمثل، فإن "طيف" معالجة البيانات الذى يمكننا إدراكه لا يكاد يذكر بالمقارنة مع ما يحدث فعلياً فى تفاعل آلة مع آلة وفى التفاعل البشرى الحاسوبى، هناك عدد هائل من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات يشغل عدداً لا يحصى من التعليمات كل جزء من الألف من الثانية من حياتنا للحفاظ على استمرار فعالية مجتمع المعلومات الذى يعيش بأسلوب التأريخ المُفرط، وتستهلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات معظم ما لديها من ملايين التعليمات فى الثانية للتحدث مع بعضها البعض، وللتعاون، وتنسيق الجهود، ولوضعنا قدر الإمكان مرتاحين داخل الدائرة أو على حافتها، أو حتى خارجها، عند الضرورة. وبحلول العام 2015، سوف يكون هناك 25 مليار جهاز متصل بالإنترنت وسوف يصل العدد إلى 50 مليار جهاز بحلول العام 2020، وذلك وفقاً لورقة بيضاء نشرتها أخيراً شركة سيسكو CISCO IBSG، وهى شركة متعددة الجنسيات تشتهر بتصميم وتصنيع وبيع معدات الربط الشبكي.
ويتوقع المؤلف أن عدد الأجهزة المتصلة لكل فرد سوف يرتفع من 0.08 فى العام 2003 إلى 1.84 فى العام 2010، ثم إلى 3.47 فى العام 2015، ثم إلى 6.58 فى العام 2020. وسوف تبدو الاتصالات العالمية على كوكب الأرض لمؤرختنا فى المستقبل ظاهرة غير إنسانية، إلى حد بعيد.
وتكاد تكون ملايين التعليمات فى الثانية جميعها غير مرئية لنا، مثل الأكسجين الذى نتنفسه، لكنها تُصبح على القدر نفسه من الأهمية، وهى آخذه فى النمو باطراد.
وتتولد من الأجهزة الحاسوبية بجميع أنواعها كميات هائلة من البيانات على نحو لم تشهده البشرية مطلقاً عبر تاريخها بأكمله. هذا هو المورد الآخر الذى جعل التاريخ المُفرط ممكناً: الزيتابايت.
البيانات:
قبل بضع سنوات قدر الباحثون فى كلية بيركلى للمعلومات أن ما يقرب من 12 إكسابايت من البيانات قد تراكم عبر تاريخ البشرية بأكمله إلى أن تحول الحاسب إلى سلعة، لكن بحلول العام 2006 كان حجم البيانات قد وصل بالفعل إلى 180 إكسابايت. ووفقاً لدراسة أحدث، زاد الإجمالى إلى أكثر من 1600 إكسابايت بين العامين 2006 و 2011، وبالتالى اجتاز حاجز الزيتابايت (1000 إكسابايت).
فى الوقت الحالي، من المتوقع أن يرتفع هذذا الررقم إلى ما يقرب من أربعة أضعاف كل ثلاث سنوات، وبذلك سوف يكون لدينا 8 زيتابايت من البيانات بحلول العام 2015. كل يوم تتولد بيانات جديدة تكفى لملء جميع مكتبات الولايات المتحدة ثمانى مرات؛ وبطبيعة الحال، فإن جيوشاً من أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعمل بشكل مستمر لإبقائنا طافين ومُبحرين فى مثل هذا المحيط من البيانات. فى المستقبل المنظور، سوف تواصل كل هذه الأرقام التزايد سريعاً و بانتظام، لا سيما أن تلك الأجهزة هى فى حد ذاتها من بين أكبر المصادر للمزيد من البيانات، والتى بدورها تتطلب، أو ببساطة تجعل من الممكن وجود، المزيد من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. إنها دورة مفرغة ذاتية الدفع، وسوف يكون من غير الطبيعى ألا تشعر بأنك مُثقل. هو شعور مُختلط من التوجس بشأن المخاطر، والحماس للفرص، والدهشة عند الإنجازات، أو ينبغى أن يكون كذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة