شائعات
تأمل يا أخى قول الله تعالى فى سورة إبراهيم:
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ (24) تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)».
انظر كيف وصف الله تعالى قيمة الكلمة وقوتها، واقرأ فى دلالات تلك الآيات الكريمة وأثرها فى بناء الأمم أو فى هدمها، الرب فى علاه ينبه لخطورة الكلمة، فهى إما شجرة مثمرة تنعم على البشر بثمارها، وإما شجرة خبيثة لا تترك فى الأرض أثرًا إلا للدمار والخراب، الكلمة إما سحر أسود يفرق بين المرء وزوجه ويشعل الفتن بين الناس، وإما ظل ظليل يؤنس هؤلاء الذين يكافحون لإعمار الأرض.
هذا هو قول الله فى الكلمة، بينما يقول رسول الله، صلوات الله عليه: «هل يكب الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»، أهكذا يا رسول الله.. الكلمة يمكن أن تطيح بك خارج دائرة الغفران الإلهى وترمى بك فى النار إلى الأبد، ما ينطق به لسانك هو الذى يحدد مصيرك فى الآخرة، لأن كل كلمة تخرج منك إما شجرة طيبة وإما شجرة خبيثة، وما تنطق من قول إلا لديك رقيب عتيد.
هذا هو دور الكلمة فى الفهم الإلهى وفى الرؤية المحمدية، وهذا هو تأثير الكلمة فى الدنيا وفى الآخرة، فكيف يمكن لك أن تتصور أن بناء المجتمعات، ودفع مسيرة التنمية الاقتصادية، وتحريك المجتمع نحو العمل والتقدم يمكن أن يتم بنجاح معزول عن دور «الكلمة الطيبة» أو «الكلمة الخبيثة» فى الصحف وفى الفضائيات، وفى بوستات الـ«سوشيال ميديا»، وفى تغريدات تويتر أو حتى فى جروبات الـ«واتس آب».
كل ما نقوله إما طيباً وإما خبيثاً، وكل طيب أو خبيث ينعكس تأثيره وفق هذا الوصف القرآنى، إما يحفز الهمم ويلهب العواطف ويضاعف من حماس الناس ويرفع سقف الأمل فى البلد، وإما خبيثاً يدنس كل فعل نبيل، ويقطع أحبال الأمل فى المجتمع، ويكسر العزائم، ويثبط الهمم، ويثير الخوف والريبة بين الناس.
نحن بنو البشر جنس تبنينا الكلمات، وتهدمنا الكلمات، نحن لسنا سوى حصاد كلمات طيبة أو ضحايا كلمات خبيثة، لا أقول ذلك أنا، بل يقوله الله تبارك وتعالى، ولا أدعى ذلك على علم عندى، بل يؤكده محمد النبى، صلوات الله وسلامه عليه، ثم يؤكده من بعد هذه النصوص المقدسة كل علماء النفس والاجتماع، وكل المؤرخين العظماء وكل علماء التخطيط، وكل الذين يعرفون أن الإنسان هو محور التنمية، والإنسان تبنيه كلمة، وتهدمه كلمة، ولذلك قال النبى كذلك: «فليقل خيرا، أو ليصمت».
أقول قولى هذا وأنا أتأمل كل ما يشغل الساحة العامة حول حرية الرأى والتعبير، أنا معلق بأستار هذه القيمة النبيلة، أعنى «حرية الرأى والتعبير»، ولكننى وأنا معلق بأستارها أتذكر قول ربى فى وصف الكلمة، وأتذكر قول سيدى وحبيبى رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، فى تأثير الكلمة على حياة الناس، وعلى حركة الأمم.
لا أظن أن الأمم يمكن أن تنمو وتتطور بدون «حرية الرأى والتعبير»، لم يعد هناك مجال لإهدار هذه القاعدة الديمقراطية الأصيلة، لكننى لا أظن أن حرية الرأى والتعبير يمكن أن تكون بديلا عن القاعدة الإلهية التى تصنف الكلمات بين الطيب والخبيث، وتحدد مصير الأمم بين هؤلاء الذين يزرعون الشجر الطيب، أو يذبحون أنفسهم ومجتمعاتهم بالشجر الخبيث، ثم يكبون أنفسهم فى النار بحصائد ألسنتهم.
عليك أنت أن تفكر وحدك وأنت تناضل من أجل الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، كيف توفق بين القواعد الإلهية فى «الكلمة والتعبير»، وبين أحلامك فى «حرية الكلمة والتعبير»؟
هذا الكلام لأصحاب النوايا الحسنة فقط.
وتبقى مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة