د. داليا مجدى عبد الغنى تكتب: بيولوجية الحياة

الجمعة، 09 فبراير 2018 10:00 ص
د. داليا مجدى عبد الغنى تكتب: بيولوجية الحياة داليا مجدى عبد الغنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تروقنى بشدة أغنية العندليب الأسمر "عبد الحليم حافظ" (أعز الناس)، وخاصة المقطع الأول من الأغنية الذى يقول: "على طول الحياة، نقابل ناس، ونعرف ناس، ونرتاح ويا ناس عن ناس، وبيدور الزمن بينا يغير لون ليالينا، بنتوه بين الزحام والناس، ويمكن ننسى كل الناس"، فبالفعل اللغز المحير فى هذه الحياة، هو تساؤلنا المستمر، لماذا قابلنا هؤلاء الناس؟ ولماذا أحببناهم؟ ولماذا بدلتهم وبدلتنا الحياة؟ ولماذا فارقناهم؟! وكأن الدنيا تُجبرنا أن نسير طريقًا لن ينتهى إلا بالألم؛ بسبب صدمتنا فى البعض، وحزننا على عِشرتنا لهم، وألم الفراق الذى لا يُضاهيه ألم، والغريب أن هذا هو الدرس الوحيد الذى لا نتعلم منه؛ لأننا بمجرد أن نلتقى بأى إنسان تغلب علينا طبيعتنا فى افتراض حُسْن النية والرغبة فى اكتساب وده وصداقته، وغالبًا ما نمر بذات المراحل السابقة مرة أخرى، بل مرات كثيرة، ونعود لذات الأسئلة المحيرة ثانية. 
أظن أن الحياة لها حكمة من ذلك، وهى أنها لابد أن تدور بنا، وتجعلنا نتقابل فى نقطة لقاء واحدة، ثم تدور دورتها الثانية، لتضعنا أمام نقطة الفراق؛ حتى نلتقى بآخرين، وهكذا، فهذه هى "دورة الحياة" ومراحلها، فمن يظن أن مراحلها مُقتصرة فقط على الطفولة والشباب والكُهولة، فهو مُخطئ، فالحياة مُرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبشر، ولا يُمكن أن تُغلق دائرتها على الحيز الذى اختاره الإنسان لنفسه، فهى تفرض عليه رغمًا عنه أن ينصاع لبيولوجيتها.
وأكبر دليل على ذلك، أن كل من يخرج من أى علاقة متعثرة، سواء كانت صداقة أو عمل أو عاطفة، فأول قرار يتخذه يكون هو العزلة وعدم الاختلاط بالآخرين؛ خشية تكرار التجربة، ولكنه دون أن يشعر يتعرف على الآخرين، وينسى دون قصد منه قراره، وينجذب للتجربة التى غالبًا ما تختلف فى تفاصيلها وتتفق فى خطوطها العريضة مع التجربة السابقة، ولولا ذلك ما كانت الحياة استمرت، بل كانت ستقف عند كل صدمة، وكل تجربة اعتراها الفشل، ولكن الطبيعى هو جذب الحياة لنا، وقدرتها على التأثير على سيكولوجيتنا، فنحن بالفعل كما قالت الأغنية السابقة، دائمًا نلتقى بالناس ونعرفهم ونرتاح لبعضهم ثم تأتى المرحلة التى ننسى فيها كل الناس، سواء من ارتحنا لهم، ومن لم نتكيف معهم؛ وذلك بسبب زحمة الحياة التى تجعلنا نتوه حتى عن أنفسنا، لذا علينا ألا نقف كثيرًا عند أسباب تغيرات الآخرين؛ لأننا أيضًا نتغير دون أن نُدرك، وغيرنا يشعر كذلك بالدهشة من تغيراتنا وتبدلنا، وعلينا أن نعى أن جميع قراراتنا قابلة للتنفيذ إلا قرار واحد هو تحدى بيولوجية الحياة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة