أصداء القرار الأمريكى بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب بواقع 25% والألومونيوم بواقع 10%، مازالت تلقى بظلالها على العالم بأكمله، وتزيد المخاوف من اشتعال حرب التجارة، التى بات يتخوف منها جميع الدول، بعد إقرار ترامب للرسوم الخميس الماضى، ولكن أكثر ما يثير المخاوف من هذه الإجراءات الحمائية التى اتخذها الرئيس الأمريكى أنها قد تكون بمثابة أول مسمار فى نعش حرية التجارة.
فى الماضى القديم كانت دول العالم تعتمد على السياسات الحمائية من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات لحماية صناعتها المحلية، خاصة الدول الفقيرة التى يصعب عليها منافسة الدول المتقدمة فى صناعة منتجات بجودة وسعر منافس فى السوق، فلم يكن أمامها سوى فرض الرسوم لحماية منتجاتها، وهو الاتجاه الذى تم مقاومته بشدة بهدف تحرير التجارة العالمية من الرسوم، وتحقق هذا الهدف عام 1947 بتوقيع اتفاقية تحرير التجارة التى عرفت وقتها باسم اتفاقية "الجات".
عند توقيع اتفاقية الجات فى أربعينات القرن الماضى، كان عدد الدول الموقعة 23 دولة وارتفع هذا العدد إلى 117 دولة عام 1994 عندما استبدلت الاتفاقية بمنظمة التجارة العالمية وأصبح يطلق عليها "WTO" أسوة إلى الحروف الأولى من المنظمة، وكان الهدف الرئيسى هو تحرير التجارة العالمية، ولكن السؤال هنا: هل تحقق هذا الهدف بالفعل منذ توقيع الاتفاقية حتى الآن؟
على مدار جولات عديدة من المحادثات يطلق عليها "محادثات أورجواى" حول الاتفاقية منذ تأسيسها وحتى آخر جولة حوار تمت عام 2001 فى قطر، ظل الخلاف قائما بين الدول الكبرى والفقيرة، فالدول الكبرى التى تصر على تحرير التجارة وإزالة القيود الجمركية وهى المستفيد الأول من ذلك، مازالت هى بدورها تقوم بسياسات حمائية، أبرزها منح دعم للمزارعين رغم أن هذا مخالف للاتفاقية، وهو ما يصعب المنافسة لمزارعى الدول الإفريقية والدول الفقيرة التى لا تمنح دعما للمزارعين بموجب ما نصت عليه الاتفاقية، وظل الاتحاد الأوروبى أكبر داعم للمزارعين وظلت الدول الإفريقية والدول الفقيرة هى الأكثر معاناة من الاتفاقية.
على مر السنوات كان المتضرر من اتفاقية الجات او الـWTO حاليا، هى الدول النامية والفقيرة التى تسعى طوال الوقت لمحاولة حماية منتجاتها دون جدوى، لأن السياسات الحمائية تعارض مبادئ اتفاقية التجارة الحرة، والدول الغنية هى الرابح الأكبر لأنها الأقدر على المنافسة والأقدر أيضًا على كسر القواعد الدولية دون محاسبة، ولكن ما يفعله الرئيس الأمريكى ترامب يعد سابقة هى الأولى من نوعها لدولة كبرى تفرض سياسات حمائية ورسوما جمركية لحماية اقتصادها، وهو ما يهدد حرية التجارة بصورة لم تسبق لها مثيل من قبل.
الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبى والصين، تعارض بشدة ما يفعله ترامب وتعتبره تهديدا صريحا بحرب تجارية، وهدما لحرية التجارة العالمية التى حاربت من أجلها الدول الكبرى لسنوات طويلة، فهل هذه بداية النهاية للتجارة الحرة فى العالم؟
هل هى بداية النهاية للتجارة الحرة فى العالم؟
الدكتور وليد جمال الدين رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء، قال أن الكثير من الاقتصاديين يرون، أن قرارات ترامب تهديدا حقيقا لاتفاقية التجارة الحرة، ولكن فى رأيه أن ما فعله رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو فرض رسوم جمركية على سعلتين فقط وليس كل التجارة الأمريكية، وبالتالى يصعب القول أن اتفاقية التجارة الحرة تنهار، فما يحدث مجرد مرحلة صغيرة لم ترتق إلى حرب تهدد حرية التجارة العالمية حتى الآن.
وأضاف جمال الدين فى اتصال هاتفى لـ"اليوم السابع"، أن الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يهددون بفرض ضرائب مماثلة، ولكنه يرى أن من الصعب على أى دولة مهما كان حجمها، أن تغامر بخسارة العلاقات الأمريكية، فالأمور لا يحكمها الاقتصاد والتجارة فقط، وهناك أبعاد سياسية تحكم علاقة الدول ببعضها.
وأوضح رئيس المجلس التصديرى، أن صادرات الصلب المصرية إلى أمريكا بلغت قيمتها 103 ملايين دولار حال فرض هذه الرسوم على واردات أمريكا من الصلب المصرى، وهو ما جعل المجلس يتقدم بمذكرة إلى وزير التجارة والصناعة طارق قابيل لبدء محادثات مع الحكومة الأمريكية للحصول على استثناء من فرض هذه الرسوم، استنادا إلى أن مصر لا تمثل وزنا كبيرا كمورد للحديد إلى أمريكا، فى حين أنها سوق هامة بالنسبة لنا.
"ما يفعله ترامب مسمار فى نعش حرية التجارة فى العالم"، هو ما أكدته الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، موضحة أن مبدأ اتفاقية التجارة الحرة هو أن الإجراءات الحمائية ليست الحل.
وتوقعت عبد اللطيف أن يكون الأسوأ قادم، وأن هناك حربا تجارية على الأبواب أو "حرب تكسير عظام" بين الدول الكبرى التى قد ترد بإجراءات مماثلة ضد منتجات الولايات المتحدة الأمريكية، وهو عودة لما يطلق عليه الاقتصاديون "Mercancilism" وهو مبدأ اقتصادى كان سائدا منذ فترات طويلة يؤكد الداعون إليه أن الدولة لا تكسب إلا من خلال التصدير فقط، وأن الاستيراد يضر بالدولة، وظل هذا الاعتقاد سائدا حتى ظهرت دعوات آدم سميث وريكاردو إلى تحرير التجارة.
ودائما ما كانت تأتى دعوات الحماية من الدول الفقيرة التى يصعب عليها منافسة المنتجين الكبار فى العالم، بحسب مدير مركز الدراسات الاقتصادية، ولكن هذه هى المرة الأولى التى تأتى فيها دعوات الحماية من دولة متقدمة.
ما موقف الدول الفقيرة من حرب تكسير العظام بين الكبار؟
لأنها بالأساس دول نامية وفقيرة فلا يمكنها أبدا الصمود بمفردها أمام معارك مع دول كبرى ستكون هى الطرف الخاسر بكل تأكيد، وإزاء حرب تجارية عالمية مرتقبة، تؤكد عبد اللطيف، أن الدول الفقيرة ليس أمامها سوى إعادة التفاوض مجتمعة داخل منظمة التجارة العالمية WTO لأنه فى حالة وجود حماية يجب أن تكون للدول الفقيرة وليس الغنية التى طالما تحايلت على نظام التجارة الحرة، وقالت: "لابد من إعادة تمركز الدول النامية فى نظام التجارة العالمى وإعادة النظر فى الاتفاقية مرة أخرى لصالح الدول الصغيرة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة