توجهت الفنانة ليلى مراد إلى الموسيقار محمد عبدالوهاب، فور وصولها من اليونان، لتروى له ما حدث معها، وفى اليوم التالى توجها ومعهما الفنان محمد فوزى إلى مجلس قيادة الثورة لإبلاغ ضباطه بما ذكرته.
القصة تكشفها ليلى مراد فى خطابها إلى اللواء محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، بتاريخ 21 مارس «مثل هذا اليوم» 1953، ويأتى الكاتب والناقد والمؤرخ الفنى أشرف غريب بنصه، وقصته، وصورته، بخط «ليلى»، فى كتابه «ليلى مراد- الوثائق الخاصة»عن «دار الشروق- القاهرة»، وتؤكد فيه أنها أثناء زيارتها لبت دعوة السفير السويدى بزيارة أحد الاستوديوهات، وفيه فوجئت بأن مديره يهودى فالتزمت الصمت، لكن «المدير» حاول كسر صمتها فسألها: «لماذا هذا الحرص؟ نحن أبناء ديانة واحدة ووطن واحد».
ردت ليلى بسرعة: «دينى هو الإسلام، ووطنى هو مصر أعظم بلاد الدنيا، ولو كنت أعلم أنه سوف يحدث ما حدث لكنت رفضت هذه الزيارة»، فقال المدير اليهودى: «إن كنت حريصة على الرجوع إلى مصر من أجل الشهرة والأموال والأملاك الخاصة بك، فإننا سوف نعوضك عنها أضعافا مضاعفة، وأما من ناحية الفن فنحن على علاقة بأكبر المخرجين والمنتجين فى العالم وفى هيوليوود». ردت ليلى بحسم: «إنى على استعداد أن أعيش فى بلدى مصر دون طعام أو شراب حتى الموت، ولا أترك تراب بلدى مصر أبدا، وتركت المكان على الفور».
روت ليلى لأستاذها محمد عبدالوهاب ماحدث، فاستشعر الخطر، واتصل بمجلس قيادة الثورة، وحسب خطاب ليلى: «فى صباح اليوم التالى، قابلنا السيد عبداللطيف البغدادى وصلاح سالم، وعندما بدأت كلامى، قلت أقسم بالله أن أقول الحق، فضحك الجميع، وقالوا ياست ليه أنت مكبرة الموضوع أكثر من اللازم، وإحنا عارفين كويس مين هى ليلى مراد، ومش موضوع تافه زى كده ممكن يخلينا نشك فيك، وشكرا على صراحتك، وتناولنا الشاى، وغادرنا المكان وأنا فى غاية السعادة وشعرت أنه كابوس وذهب».
ظنت «ليلى» أن الموضوع انتهى، لكنها بعد شهر تم استدعاؤها: «كنت أعانى من بعض الصداع، فقلت للضابط سوف أذهب غدا إن شاء الله، فقال لى: سيدتى لابد من الذهاب فورا، فقلت له طيب ممكن أكلم بعض الأصدقاء؟ قال: دول خمس دقائق فقط لا غير، فشعرت بالخوف وتوجهت إلى مجلس قيادة الثورة، وجلست فى غرفة لوحدى دون أن يكلمنى أحد حتى مرت ساعة، ثم دخل بعض الضباط، وقالوا: إزيك يا ست ليلى، إحنا عايزين نعرف إيه الحكاية، لأن الموضوع زاد عما ذكرتيه، فقلت: أنا حكيت كل ما حدث. فقال إنه تم القبض على عدة أشخاص أعداء للوطن، وهم يشكلون جماعة تتعاون مع اليهود، وواحدة من هذه الجماعة واسمها «بولاند ليفس»، قالت إنها التقت بى، وأعطيتها بعض الأموال، وتكرر هذا الموضوع الكاذب حتى تقابلنا أكثر من خمس مرات على حد زعمها، وأشهد الله أنى بريئة من هذا الكلام، وقلت ما أعرفه، ولكن السيد محمد التابعى والسيد عبدالمحسن أبوالنور كانت لهم نظرات محيرة وسمحوا لى بالانصراف، وتم استدعائى إلى مجلس قيادة الثورة فى الجزيرة عدة مرات، فى أوقات مختلفة، وساءت حالتى النفسية جدا، وأنا لا أغادر منزلى، فكتبت لك يا سيدى رسالتى هذه، فإن كنت مذنبة فى أى شىء أو أنى فعلا تبرعت بأى أموال إلى هذه الجماعة، فأنا على استعداد للمحاكمة، أو حتى الإعدام محبة فى تراب مصر».
يضع «غريب» هذا الخطاب فى سياق الملف الشائك فى حياة ليلى مراد، الخاص بمزاعم صلتها بإسرائيل على خلفية أصولها اليهودية، وبدأ بشائعة فى سبتمبر 1952 تتهمها بالسفر إلى الكيان الصهيونى، وتبرعها بخمسين ألف جنيه له، مما أدى بالحكومة السورية لمنع عرض أفلامها، ومنع أغانيها من راديو دمشق، وبعد تحقيقات استمرت شهرا ونصف تأكد براءتها تماما، وبقى السؤال الأهم وهو: من يقف وراء ذلك؟
تصدى «غريب» للإجابة باحثا ومنقبا، ثم مرجحا، بأن إسرائيل تقف وراء ذلك بهدف «الإلحاح على ليلى مراد بالهجرة بكل وسائل الترغيب والترهيب»، ومؤكدا أن إسرائيل «كانت تتبعها أينما ذهبت مثلما حدث أثناء رحلتها إلى اليونان»، فهذه الرحلة كانت لاحقة لرحلتها إلى فرنسا فى أكتوبر 1952 التى فجرت «قصة التبرع»، ويضع «غريب» الأسلوب فى الرحلتين ضمن أساليب إسرائيل فى عقد الخمسينيات «القرن الماضى»، نحو عناصر تريد استقطابها ودفعها للهجرة إليها، والأسلوب هو «تكدير حياة هؤلاء وتصدير المشكلات لهم حيث يقيمون، فإما أن يضيقوا ذرعا بالعيش فى بلادهم مفضلين الرحيل، وإما أن تقوم السلطات نفسها بترحيلهم خارج دولهم، ويصبح بعد ذلك من السهل اجتذابهم إلى دولتهم الناشئة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة