جدد حادث قطارى المناشى الأحزان، وأعاد مناقشة قضية مزمنة تبدو أحيانا إحدى أكثر وأهم القضايا التى شغلتنا وما تزال طوال ربع قرن.. السكة الحديد والقطارات والنقل وسلامة الركاب، وفى الوقت الذى نرى فيه توسعات ومراحل جديدة لمترو الأنفاق وإعلان عن خطوط قطارات جديدة أسرع وأحدث، تظل القطارات القديمة هم بالليل والنهار، ومصر بها ثانى أقدم سكة حديد بالعالم، ومع هذا تراجعت قدرتنا على تشغيل هذا المرفق، وطوال الوقت نضع أيدينا على قلوبنا، حيث القاعدة هى الحوادث والاستثناء النجاة، ويبدو أحيانا أن إنشاء قطارات جديدة وحديثة أسهل من ترميم القديم بمشكلاته المزمنة، بالرغم من أن البداية والنهاية فى موضوع القطارات هو العنصر البشرى، هناك آلاف يعملون ويتحركون ويبذلون جهدا، لكن الأهمال يضيع كل هذا ونجد أنفسنا أمام نفس الكلمات والأسئلة.
فى كل مرة يقع فيها حادث قطار تنتقل المناقشات إلى مجلس النواب ويتكرر الحديث من الجهات المسؤولة بوزارة النقل، ويتحدث الوزير ثم ينتهى الأمر، إما بتشكيل لجنة أو إصدار توصيات، ويغلق الملف فى «سعته وتاريخه» حتى إشعار آخر أو حادث جديد، طالما استمرت الأسباب والعناصر الحاكمة للسكك الحديد تستمر توقعات الحوادث والتصادمات التى يكون سببها بشريا بالأساس والحديث عن تطوير مزلقانات أو تحويلات وصيانة.
بعد حادث تصادم المناشى قدم النواب عددا من البيانات العاجلة، وفى جلسة مجلس النواب تكررت الكلمات، أبدى النواب غضبا وطالبوا بعدم تكرار الحوادث، وأشاروا إلى التطوير والمنح التى قدمت للسكك الحديد. ولو عاد الناس إلى مضابط مجلس الشعب فى فترات سابقة سوف يجدوا نفس الكلام والانتقادات والغضب، وأيضا ردود الوزير أو الوزراء السابقين.
عدد من أعضاء مجلس النواب، قالوا إن الحادثة الأخيرة على خط المناشى يجب ألا تمر مرور الكرام، أشاروا إلى تكرار حوادث القطارات خلال الـ6 أشهر الأخيرة، وقالوا إن هذا أكبر معدل لها فى الأشهر الأخيرة لكن من تابعوا ملف السكة الحديد يعرفون أن هناك حوادث تقع يوميا لكنها تكون صغيرة ولا يتم الالتفات إليها لعدم وجود ضحايا.
النواب تساءلوا عن القروض التى قدمتها الحكومة والمنح لتطوير السكة الحديد ووافق عليها مجلس النواب، وأن المجلس لا يتأخر عن مساعدة الهيئة، وقال النواب إنه تم تغيير 3 وزراء للنقل مؤخراً، وتساءلوا: هل المشكلة فى الرؤية أم الوزراء؟
وزير النقل الدكتور هشام عرفات قال: إن صيانة السكة الحديد موضوع فى غاية الصعوبة، وقال أمام مجلس النواب «لدينا مشكلة فى ورش السكة الحديد وأنه لم يتم تطويرها من سنة 1965»، وتساءل: «طيب السكة الحديد ماشية إزاى؟، أجاب: ماشية بمجهود ناس إحنا بنهاجمهم كل يوم وإحنا لم نوفر لهم أى إمكانيات مادية من ورش أو صيانة أو قطارات أو عربات».
ما يقوله الوزير يعنى أن ما أعلنه المسؤولون فى السابق وطوال عشرين عاما عن تطوير ورش الصيانة كان مجرد كلام ومسكنات لم تتحقق، وبالتالى يفترض أننا نعرف المشكلة ويفترض أن نضع لها حدا نهائيا، لأنه إذا كان الأمر يتعلق بالعنصر البشرى والصيانة والورش فلا يمكن الحديث عن تطوير ما لم يتم وضع أسس دائمة وليس مجرد مسكنات.
خلال السنوات السنواتة عشر الأخيرة تم إدخال أنواع من التكنولوجيا سواء فيما يتعلق بالجرارات أو السيمافورات الإلكترونية التى تتضمن درجات أكثر من الأمان، لكن توافر هذه التكنولوجيا لم يمنع حوادث مثل تصادم العياط، وهناك مفاجأة كشفتها تحقيقات حادث العياط فى فبراير 2016، وهى أن المزلقان كان معطلا، وأن العامل نبه القطار بالطرق المعهودة، وأن السيمافورات كانت تضىء بالأحمر، وأن القطار به جزرة توقفه أتوماتيكيا فى حال لم ير السائق التنبيهات، وقد برر السائق الأمر بالشبورة، لكن التحقيقات تثبت أن السائق عطل جزرة التوقف التلقائى، بما يعنى أننا لا نفتقد للتكنولوجيا، وإنما للعقول التى تتحكم فيها وتشغلها.
وزير النقل أشار أيضا إلى الاعتداءات على أملاك هيئة السكة الحديد، وهى قضية معروفة من سنوات ولا توجد خطوات جادة لعلاجها وهناك لجان وتقارير حول هذا الأمر وعدم إزالة التعديات واستعادة أملاك الهيئة يعد نوعا من التواطؤ، وزير النقل يتحدث عن خطوط حديثة بسرعات كبيرة، لكنه يتوقف عند أزمات مزمنة تلاحق القديم، ونحن بحاجة إلى معادلة متواصلة، لا تتوقف عند كل حادث، ولكن عمل يراكم خطوات تبنى على بعضها، لنخرج القطارات من نفق الأزمات المتكررة، ومن حالة اللجان والتوصيات إلى الحسم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة