كان نائب رئيس جمهورية كوريا الشمالية فى زيارة رسمية إلى مصر يرافقه الجنرال «زانج زونج»، نائب وزير الدفاع الكورى، وأبدى رغبته فى أن يزور جبهة قناة السويس، فاستجابت القيادة المصرية له، وتوجه الضيف إلى الجبهة يوم 6 مارس «مثل هذا اليوم» 1973 يرافقه الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، طبقا لتأكيد الشاذلى فى مذكراته «حرب أكتوبر «عن» دار رؤية - القاهرة».
يؤكد الشاذلى: «خلال الرحلة أخذنا نتناقش ونتبادل الرأى فى الموضوعات العسكرية، وتحدثت له عن متاعبنا بخصوص إعداد الطيارين، وأن لدينا طائرات ميج 21 أكثر مما نستطيع تشغيله، ولاسيما بعد أن سحب السوفيت «الروس» حوالى 100 طيار كانوا يقومون بتشغيل 75 طائرة»، يضيف الشاذلى: «انتهزت الفرصة وقلت له: ترى هل يمكنكم أن تمدونا بعدد من طيارى الميج 21؟ إن ذلك سيكون ذا فائدة مشتركة للطرفين، من ناحيتنا فإنكم ستحلون لنا مشكلة النقص فى الطيارين، وتسهمون فى الدفاع الجوى، ومن ناحيتكم فإن طياريكم سيكتسبون خبرة قتالية ميدانية لأن الإسرائيليين يستخدمون نفس الطائرات، ويتبعون نفس التكتيكات التى ينتظر من عدوكم المنتظر فى المنطقة أن يستخدمها ويتبعها، وكان الفريق الشاذلى يقصد بذلك أمريكا التى تهدد كوريا الشمالية.
رد نائب الرئيس الكورى الشمالى بسؤال الفريق الشاذلى عن عدد الطيارين الذين تحتاجهم مصر، وحسب الشاذلى، أجاب قائلا: «إننا لا نتوقع أن تملأوا الفراغ الذى تركه السوفيت ولو أنكم أرسلتم سربا واحدا لكان كافيا، وإذا احتاج الأمر مستقبلا لإرسال سرب آخر، فإنه يمكن بحث ذلك فيما بعد»، يؤكد الشاذلى: «كنا نتناقش كعسكريين، ولكن كنا نعلم جيدا أن هذا الموضوع يحتاج إلى قرار سياسى من الطرفين، وقد وعد كل منا الآخر أن يبذل جهده فى إقناع الجانب السياسى عنده لاتخاذ القرار المطلوب، ولم أجد أنا صعوبة فى إقناع وزير الحربية «الفريق أول أحمد إسماعيل»، ولكنه أخبرنى بأن سوف يستأذن أولا رئيس الجمهورية، وبعد ذلك بأيام وافق الرئيس السادات على الفكرة وجلست أنتظر الرد الكورى.
بعد حوالى أسبوعين: عاد الجنرال زونج إلى مصر، وأخبر الشاذلى بالموافقة، لكن دعاه لزيارة رسمية لمعاينة الطيارين بنفسه، وفى 2 إبريل بدأ الشاذلى زيارته قاطعا الطريق عبر شنغهاى فى الصين، ويصف الشاذلى الزيارة قائلا: «استقبلت فى بيونج يانج استقبالا حماسيا، وأحيطت الزيارة بهالة كبيرة من التكريم والتشريف كنت أينما ذهبت سواء أكان مؤسسة عسكرية أو مصنعا فى مغارة داخل الجبل، أقابل بآلاف من الناس يرحبون ويغنون ويلوحون بالأعلام، وبعد هذا الاستقبال الحار يبدأ الأفراد فى استعراض خبراتهم وفنهم الذى كان يزيدنى إثارة، وفى إحدى الزيارات حضرت بيانا عمليا عن ضرب النار، تقوم به وحدة من وحدات الحرس الوطنى المكلفة بأعمال الدفاع الجوى، كانت الوحدة جميعها من الشابات الصغيرات، كن صغيرات الحجم حتى اعتقدت أنهن دون الخامسة عشرة، ولكن قيل لى إنهن فى الثامنة عشرة، وعندما قمت بتفقدهن بعد انتهاء المشروع التدريبى قلت: «أشكركن على ما أظهرتنه من كفاءة فى ضرب النار، وليس عندى ما أستطيع أن أعبر به عن تقديرى سوى أن أهديكن تلك «البرية» القرمزية الخاصة برجال المظلات، التى كنت ألبسها أثناء الزيارة وسلمتها إلى قائد الوحدة».
يبدى «الشاذلى» إعجابه البالغ بما رآه فى كوريا الشمالية، خاصة المصانع والمطارات التى تم تشييدها فى باطن الجبل، وعندما قابل الرئيس الكورى قال له: «سيادة الرئيس، إذا قامت حرب نووية فأخشى أن يدمر العالم بأجمعه وألا يبقى سوى كوريا الديمقراطية»، فضحك الرئيس قائلا: «أعرف أننى لن أستطيع أن أتحدى الأمريكيين فى الجو، لذلك فإن الحل الوحيد الباقى هو تلافى ضرباتهم الجوية ببناء الأنفاق ثم بعد ذلك نقوم بغمر سمائنا بنيران المدافع والرشاشات».
عاين الشاذلى الطيارين الذين تقرر سفرهم إلى مصر، ويؤكد: «تم الاتفاق على أن تصرف لهم مرتبات بالجنيه المصرى تتطابق تماما مع رواتب الطيارين المصريين، ووعدت الرئيس كيم إل سونج بأنى شخصيا سأشرف على راحتهم، وأننا لن نزج بهم فى معركة داخل إسرائيل، أو فوق الأراضى التى تحتلها، وأن عملهم سيقتصر على الدفاع الجوى عن العمق، وطلبت منه أن يبعث لنا ببعض الخبراء فى الأنفاق حتى يمكننا الاستفادة من خبراتهم فوافق على ذلك».
عاد الشاذلى يوم 15 إبريل، وفى أوائل يونيو 1973 بدأ الطيارون الكوريون الوصول إلى مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة