طالب وزير الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطينى رياض المالكى، دعم الخطة الفلسطينية للسلام التى طرحها الرئيس محمود عباس، وضرورة حشد التأييد والدعم الدولى لها، والتى ستشكل مدخلاً صحيحاً، للبدء بعملية سلام حقيقية، قادرة على خلق وتهيئة ظروف مناسبة لتسوية الصراع، وتحقيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، والتى نجزم بأن إقامتها وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والعربية المحتلة، سيكون المدخل الضرورى والناجع لإنهاء كافة مظاهر الصراعات والعنف وعدم الاستقرار والإرهاب الذى عصف ولا يزال يعصف بالمنطقة والعالم أيضاً.
وأكد المالكى فى كلمته التى ألقاها أمام الدورة العادية 149 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية فى جلسته المغلقة والتى عقدت فى الجامعة العربية اليوم برئاسة وزير الدولة للشؤون الإفريقية السعودى أحمد قطان، إن هذه الرؤية الواضحة المتمسكة بالثوابت، والمعتمدة على الموقف الشعبى الفلسطينى، والموقف العربى والإسلامى المساند، وكذلك الموقف الدولي، الذى فى غالبيته العظمى يجسد التصور المشترك لأسس الحل المنشود لهذا الصراع الذى طال أمده.
واوضح ان القيادة الفلسطينية بادرت مدعمة أيضاً بقرار مجلسها المركزى الذى انعقد فى شهر يناير الماضى ومن منطلق، عدم القبول بفرض إملاءات وتقديم حلول غير مقنعة على غرار ما عرف بصفقة القرن، وانطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية، وسعيها المتواصل لصون حقوق شعبها، وحماية وجوده، بإيجاد الحلول المقبولة والمنسجمة مع القانون الدولى، فقد طرح الرئيس محمود عباس، خطته الجريئة فى مجلس الأمن الدولى فى العشرين من الشهر الماضي، داعياً بكل وضوح، ورؤية متزنة، ومقدّرة لكل المعطيات، وما يحيط بمجريات الصراع العربى الإسرائيلى، وتطورات وتداعيات الأحداث التى تشهدها المنطقة، واستمرار الفراغ السياسى وغياب الحلول، ومدى تأثيرها الخطير على الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية والإقليمية .
وقال المالكى، إن تلك الخطة التى تنطلق من نظرة شاملة لكل ما يحيط، واستقراء لما يحمله المستقبل، وإعادة التأكيد على الالتزام بعملية السلام، والمتمثل بعقد مؤتمر دولى للسلام فى منتصف عام 2018، يستند لقرارات الشرعية الدولية بمشاركة دولية واسعة، تشمل الطرفين المعنيين والأطراف الإقليمية والدولية لتكون المخرجات: قبول دولة فلسطين عضواً كاملاً فى الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن، وتشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين فى المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم حسب اتفاق أوسلو (القدس، الحدود، الأمن، المستوطنات، اللاجئين، المياه، الأسرى)، وذلك لإجراء المفاوضات الملتزمة بالشرعية الدولية، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترةٍ زمنيةٍ محددة، مع توفير الضمانات للتنفيذ، وصولا إلى تطبيق مبادرة السلام العربية كما تم اعتمادها، وعقد اتفاق إقليمى عند التوصل لإتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكل ذلك بالمرجعيات المعروفة، والالتزام بالقاونون الدولى وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما فى ذلك القرار 2334، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، ومبدأ حل الدولتين، وما يفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
واضاف، أن الأحداث كثيرة التى شهدتها الساحة العربية ما بين انعقاد الدورة الحالية والدورة السابقة، وكثيرةٌ هى التحديات التى ظلت ماثلةً أمامنا، رغم كل ما يبذل من أجل الحد منها وتجاوز تداعياتها، والتغلب على نتائجها المدمرة، سواء على الصعيد السياسى، أو الاقتصادى، أو المجتمعى، والتى أوقعت منطقتنا العربية، فى زلازل وكوارث ستستمر آثارها الى مدى بعيد.
وأكد الوزير المالكي، إن استمرار العمل فى الإطار العربى المشترك، يظل ضرورة ماثلة أمامنا جميعاً من أجل الوصول الى حلول لهذه المشاكل، والظواهر، لتعود دولنا العربية وشعوبنا التى تعانى بالتحديد من هذه الأوضاع إلى طريقها الصحيح، وتتمتع بالاستقرار والأمن، وتتنفرغ لتحسين أوضاعها الاقتصادية والتنمية والتقدم لشعوبها، كما تعيد بناء الأسس الصحيحة لمجتمعاتها التى انهكتها الصراعات والحروب الجانبية، كما شكلت تحدياً خطيراً لضرب أساس الكيانية السياسية لهذه الدول، وبما يخدم أطماع العديد من دول الإقليم فى المنطقة ومقدراتها.
وبين المالكى، أنه منذ ديسمبر الماضى، أى منذ اعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن خطواته الصادمة، والتى شكلت خروجاً واضحاً وصريحاً عن رؤية المجتمع الدولى وقناعته بأصول الحل السياسى للصراع العربى - الإسرائيلى والأسس التى لقيت اجماعاً دولياً، فى سبيل حل هذا الصراع عن طريق عملية سياسية شاملة تُفضى إلى إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية.
وأشار، أنه منذ تلك الخطوة، والتى أعلن خلالها الرئيس ترامب اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وكذلك إعلانه عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فقد أدخل المنطقة – ومجريات الصراع – إلى ثنايا وزوايا معقدة، تركت وستترك آثاراً كبيرة على تطورات الأوضاع مستقبلاً فى المنطقة.
وشدد المالكي، إننا فى فلسطين، وبدعم من الموقف العربى والإسلامى وبهذا الموقف الدولى، الذى رفض هذه الخطوات، استطعنا ان نحاصرها وأن نحشد الرفض الدولى بشكل قاطع بها، سواء كان ذلك فى مجلس الأمن أو الجمعية العامة، ومن خلال القرارات التى صدرت بهذا الخصوص، وبالتوازى مع التحرك العربى الجماعى النشيط والمجدي، استطعنا مجتمعين أن نحد من هذه التداعيات للقرارات المخالفة فى شكلها ومضمونها للقانون الدولى، ولقرارات الشرعية الدولية.
وأضاف أن التحرك العربى الذى بدأ خطواته لا زال فى إطار الجامعة العربية، منذ الساعة الأولى لإعلان هذه الخطوات، مستمراً ومتفاعلاً بشكل نشيط وفعّال، ولعل أحدثه الاجتماع الأخير للوفد الوزارى العربى، مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، فى الأسبوع الأخير من الشهر الماضى.
وقال إن الموقف الأمريكى لم يتوقف عند الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بل تواصل الاستفزاز والاستهتار بحقوق الشعب الفلسطينى ومشاعر العرب، مسلمين ومسيحيين، إلى الحد الذى أعلنت فيه الإدارة الأمريكية عزمها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى شهر مايو المقبل، وتحديداً فى موعد نكبة الشعب الفلسطينى وميلاد مأساته ومعاناته، مشيرا إلى أننا قلنا مراراً بأن هذه السابقة الخطيرة التى أقدمت عليها إدارة ترامب، سيكون لها آثار وتداعيات خطيرة، وها هى غواتيمالا تسير على خطى الظلم والضلال وتعلن أيضاً عزمها على نقل سفارتها الى القدس تزامناً مع التحرك الأمريكى، ونخشى، بل نحذر، بأن مسلسل الدول التى لا تحتكم للأخلاق والقانون سيتواصل اقتداءاً بالإدارة الأمريكية.
وأوضح المالكى، أنه يجب علينا أن نسأل انفسنا سؤالا وجيهاً وجريئاً وواقعياً! هل كان هذا الانهيار سيحصل لو أن مواقفنا وردود أفعالنا قد ارتقت إلى مستوى وجدية قرارات القمم العربية بشأن القدس، موكدا أنه يتوجب علينا أن نطالب المجتمع الدولى باحترام قراراته وأن نلتزم نحن بقراراتنا التى تتخذ على مستوى القمة إزاء أى اعتراف ظالم غير قانونى بالقدس عاصمة لإسرائيل قوة الاحتلال.
وقال وزير الخارجية، لقد رافق ذلك كله، موقف شعبى فلسطينى فعال، ومتواصل فى رفض هذه الخطوة الأمريكية غير القانونية، إذ شكل هذا الموقف، أداة الفعل الأولى والأقوى على الأرض، كما أعطى صورة واضحة لا يساورها أى شك أن الشعب الفلسطينى، وقواه الفاعلة، وكافة شرائحه، ترفض بشكل قاطع، أية محاولات من أية جهة كانت، أن تنتقص من حقوق شعبنا الفلسطينى الأساسية، وحقه فى أرضه ووطنه، وتقرير مصيره، وحقوقه الثابته، بما فى ذلك حقه فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، التى هى جزء رئيس من أرضه المحتلة عام 1967، تلك الحقوق الثابتة المنسجمة مع القانون الدولى، وقرارات الشرعية الدولية، والاجماع العالمى المؤيد لتلك الحقوق.
وأضاف، أنه رافق ذلك أيضا موقف شعبى عربى مساند، عبرت عنه جموع شعوبنا العربية وقواه وفعالياته السياسية ومنظمات المجتمع المدني، التى تَضمَن ثبات الموقف الرسمى العربى امام هذا التحرك الأمريكى الذى يضربنا ليخرّب وليضعف ما هو ماثل من مواقف وتحديات ومبادئ يستند عليها الموقف العربى برمته.
وأكد المالكى، على ضرورة التحرك الدولى الفعّال، من أجل الضغط على إسرائيل بضرورة الوقف والتخلى عن كل ممارساتها تجاه الشعب الفلسطينى، وخاصة الاستيطان الذى يشكل التهديد لأية تسوية مراد لها فى المنطقة، وكذلك عملية التهويد، والمضايقات بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك، وكذلك الخطوات الإسرائيلية الأخيرة القاضية بفرض الضرائب على أملاك الكنائس بفلسطين، والذى يعد مخالفة واضحة للقانون الدولى والشرائع الدولية، وهو الأمر الذى رفضه أبناء الشعب الفلسطينى مسيحيين ومسلمين بل وقاوموه، وأغلقوا بسببه كنيسة القيامة، كما حصل سابقاً فى الاقصى، الأمر الذى أفشل هذا المخطط، مما أجبر الحكومة الإسرائيلية على تجميد هذا القرار.
وأكد على ضرورة إنجاح الاجتماع القادم لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" الذى سيعقد فى روما منتصف الشهر الجارى لتعويض النقص الحاصل فى موازنة الوكالة بسبب عقوبات إدارة ترمب .
وحيا المالكى، هذه الوقفة التلاحمية، من أبناء شعبنا الواحد، وتصديهم لكل المحاولات الاسرائيلية ذات الأهداف العدوانية الواضحة، متمنيا أن يظلَ هذا الموقف العربى ثابتاً وداعماً لشعبنا الفلسطينى، كما عهدناكم، ونحن مطمئنون إلى أن تظل قضيتنا، قضيتكم، قضية فلسطين، قضية مركزية عربية، وأن تظل أمتنا العربية، سنداً لنضالنا ولحقوق شعبنا، وأن لا يتمكن أياً كان فى هذا العالم من تجاوز هذه الحقوق، أو إعاقة تحقيق أهدافنا وحقوقنا الشرعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة