هنا يعمل المصريون لتحقيق حلم طال انتظاره، ليثبتوا للعالم أن مصر أعظم الحضارات القديمة، وتحقيق رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تقديم آثار مصر بالصورة التى تليق بها، فعندما تخطو قدماك أرض الواقع داخل مشروع المتحف المصرى الكبير وتجد حماسًا وعزيمة وإصرارًا، تطرأ على أذنيك كلمات الشاعر الراحل محمد حمزة وتغنت بها الراحلة شادية "ما شفش الأمل فى عيون الولاد وصبايا البلد.. ولا شاف العمل سهران فى البلاد والعزم اتولد.. ولا شاف النيل فى أحضان الشجر.. ولا سمع مواويل فى ليالى القمر.. أصله معداش على مصر".
كانت الساعة فى تمام التاسعة صباحًا، وتوقعنا أننا ذهبنا فى موعد مبكر وأننا لن نجد عاملاً واحدًا فى المكان، لكن ما شاهدناه كان مخالفًا لتوقعاتنا، الجميع هنا حاضر ومندمج فى العمل، لدرجة أنه لا وقت لكى يتسامرون، معظمهم شباب فى مقتبل العمر، بداخلهم حماس وحب لما يقومون به من أعمال، جادين مع ما يحملونه من مسئولية أمام الحضارة المصرية القديمة بشكل خاص والدولة بشكل عام، ليبعثوا رسالة إلى العالم بأن شباب ورجال مصر قادرون على صناعة المعجزات.
المتحف المصرى الكبير صرح مميز سوف يشاهده العالم أجمع خلال افتتاح المرحلة الأولى فى أواخر العام الجارى 2018، وحرص "اليوم السابع" على زيارة الموقع خلال إجراء أعمال التشييد والبناء استعدادًا لافتتاحه.
يقع المتحف على بعد أميال قليلة من غرب القاهرة بالقرب من أهرام الجيزة، ويتم بناؤه ليكون أكبر متحف فى العالم للآثار، ليستوعب 5 ملايين زائر سنويًا، إضافة لمبانى الخدمات التجارية والترفيهية ومركز الترميم والحديقة المتحفية التى سيزرع بها الأشجار التى كانت معروفة عند المصرى القديم.
تم اختيار موقع إنشاء المتحف المصرى الكبير بالقرب من أهرام الجيزة، ويقام على مساحة 117 فدانا، ويقام المشروع على ثلاث مراحل رئيسية، وقد أطلقت مصر حملة لتمويل المشروع ومن المقرر أن يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من عصر ما قبل الأسرات مرورًا بالعصور الفرعونية "الدولة القديمة – الوسطى – الحديثة، وحتى العصر اليونانى والرومانى" ما سيعطى دفعة كبيرة لقطاع السياحة فى مصر.
هنا فى موقع إنشاء المتحف المصرى الكبير الكل يعمل على قدم وساق الجميع يسابق الزمن للحاق بالافتتاح الجزئى فى موعده المحدد، هنا لا مكان لتضيع الوقت، وقد تم تقسيم مراحل العمل فى هذا المشروع إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى
هى المرحلة التى شملت التصميمات، والرسومات الفنية والهندسية والإنشائية، وتحديد التكلفة الدقيقة للمشروع، تم وضع حجر أساس المشروع فى فبراير 2002، وفى مؤتمر صحفى دولى تم الإعلان عن المسابقة المعمارية الدولية لتصميم المتحف المصرى الكبير ليكون أكبر متحف للآثار المصرية فى العالم بجوار هضبة الأهرام بالجيزة، ونظمت المسابقة المعمارية الدولية المفتوحة برعاية هيئة اليونسكو وتقدم معماريون واستشاريون من 83 دولة بتصورات ومشروعات معمارية بلغت فى مجملها 1557 مشروعًا، وفى يوليو 2003 وزعت جوائز المسابقة المعمارية على الفائزين الأوائل ووصل مجموع الجوائز إلى 750 ألف دولار، شارك فى التصميم الفائز 14 مكتبًا استشاريًا من خمس دول مختلفة، واستغرقت دراسة المشروع 3 سنوات بتكلفة بلغت 2 مليون دولار، تم كتابتها فى 8 مجلدات.
وقد شملت هذه المرحلة تأهيل الموقع واستغرقت 6 أشهر، وتم فيها إخلاء الموقع من جميع الإشغالات وإزالة المخلفات وبناء أسوار لتحديد الملكية بطول حوالى 3 كم وتمهيد الطرق الداخلية لتسهيل إدارة الموقع أثناء مراحل التنفيذ المختلفة، مع تخصيص موقع آمن لنقل تمثال رمسيس، وتم عمل البوابات ونظم تأمين وإضاءة الموقع بأكمله واللافتات الإعلانية عن المشروع، وتم خلال تلك الفترة إزالة 2.25 مليون متر مكعب من الرمال خارج موقع المشروع لإتاحة المساحة المطلوبة للبناء.
المرحلة الثانية
بدأت أعمال البناء والتشييد فى مايو 2005 بالتوازى مع استكمال المرحلة الأولى التى تضمنت أعمال التصميم، واشتملت المرحلة الثانية على بناء مركز ترميم الآثار، ومحطتى الطاقة الكهربية، ومحطة إطفاء الحريق، ومبنى الأمن، والمخازن الأثرية، وقد احتوت محطة الطاقة الكهربائية على ماكينات التكييف المركزى والتحكم البيئى لتزويد مبنى مركز الترميم بالطاقة، كما تستخدم كمحطة بديلة لمبنى المتحف الرئيسى فى حالة الطوارئ، أما مركز إطفاء الحريق فقد تم تجهيزه بسيارتى إطفاء وبأجهزة مقاومة الحريق تتم إدارتها من قبل إدارة الدفاع المدنى لخدمة المتحف وكذلك المنطقة المحيطة بالمتحف.
بدأت فى يوليو 2006 التعاقد مع الشركة المنفذة لبناء وتشييد مركز الترميم ومركز الطاقة ومحطة إطفاء الحريق وتم الانتهاء من البناء خلال 21 شهرًا، تضمنت أعمال تجهيز مركز الترميم بالآلات والمعدات اللازمة لبدء ترميم وتجهيز القطع الأثرية لعرضها بالمتحف، بهدف إعداد وتجهيز مائة ألف قطعة أثرية والمخصصة للعرض فى صالات المتحف.
افتتاح مركز ترميم الآثار
فى 14 يونيو 2010 تم افتتاح مركز ترميم الآثار، والذى يضم 15 معملاً يتم فيها ترميم مختلف أنواع الآثار طبقًا لأعلى التقنيات العالمية وهى :
أولاً: معامل الترميم
معمل الآثار غير العضوية "الخزف - الزجاج - المعادن - الفخار - الحلى"، الخاص بترميم المقتنيات المصنعة من تلك المواد كالأوانى والتماثيل والحلى وقنينات العطور وغيرهم.
معمل الآثار العضوية "البردى - النسيج - الجلود - العظم - العاج" الخاص بترميم تلك النوعيات من المقتنيات الأثرية وتشمل البردى الذى يتحدث عن الحياة اليومية والاحتفالات والطقوس الدينية ككتاب الموتى، والذى يشرح طقوس الحياة بعد البعث استعدادًا لحياة الخلود إلى جانب بعض المقتنيات المصنعة من الجلود كالصنادل والدروع وكذا المقتنيات المصنعة من النسيج خاصة الكتان الذى يعد أشهر أنواع النسيج الفرعونى و الأكثر شيوعًا .
معمل الأخشاب الخاص بترميم القطع الأثرية المصنعة من الأخشاب مثل التوابيت والتماثيل بأنواعها والأثاث الجنائزى والنماذج الخشبية والمراكب والأدوات والنواويس الخشبية.
معمل الأحجار والنقوش الجدارية الخاص بترميم القطع الأثرية الحجرية "الصغيرة ومتوسطة الحجم"، وكذلك اللوحات الجدارية سواء المنقوشة أو المرسومة، حيث يتم ترميم كل أنواع الأحجار "النارية – الرسوبية – المتحولة".
معمل المومياوات والبقايا الآدمية: الخاص بترميم المومياوات والبقايا الآدمية أو المحنطات الحيوانية من الطيور خاصة طيور أبومنجل "الإله حورس" والذى يعد أحد المعبودات الفرعونية.
معمل الأحجار الثقيلة الخاص بترميم القطع الأثرية الحجرية الكبيرة والتى تتعدى أوزانها النصف طن وهذا المعمل تم تجهيزه بالمعدات والأوناش التى تسمح بالتعامل مع تلك النوعية من الآثار من حيث الوزن والحجم.
ثانيًا: المعامل العلمية المتخصصة
معمل الميكروسكوب الإلكترونى الماسح SEM وهو خاص بإجراء الفحص والتحليل الإلكترونى لسطح العينات الأثرية يصل التكبير فيه إلى 6000 ضعف للعينة لمعرفة نواتج التلف التى تأثر بالسلب على المقتنيات الأثرية بأنواعها وكذلك معرفة العناصر الداخلة فى تركيب كل العينات الأثرية .
معمل الميكروسكوب الإلكترونى النافذ TEM وهو خاص بإجراء الفحص والتحليل الإلكترونى لعمق العينات الأثرية يصل التكبير فيه إلى 25000 ضعف للعينة لمعرفة معرفة العناصر الداخلة فى تركيب كل العينات الأثرية وما أحدثه التلف فى خلل للتركيب البنائى للمقتنيات الأثرية وبالتالى يتيح التعرف على شكل التركيب البنائى للمادة الأثرية وإتاحة الفرصة لوضع برامج العلاج والصيانة المناسبة لكل مقتنى أثرى على حدة .
معمل الميكروبيولوجى: الخاص بتحديد أنواع الكائنات الحية الدقيقة "الفطريات – البكتيريا" المسببة لتلف الأثر ما يسهل تحضير المواد الكيميائية اللازمة لوقف نمو هذه الكائنات والتى تسبب أضرارًا بالغة لكل أنواع المقتنيات الأثرية .
معمل الأشعة السينية XRD وهو معنى بالتعرف على المركبات الداخلة فى تركيب المقتنيات الأثرية .
معمل طيف الأشعة تحت الحمراء FTIR وهو معنى بتحليل كل أنواع المواد العضوية الداخلة فى المواد الأثرية "كالوسائط اللونية – اللواصق – مواد التقوية" سواء كانت مواد طبيعية مثل الغراء – الأصماغ – لحاق الأشجار – زلال البيض وهكذا"، أو مواد غيرطبيعية مثل الراتنجات – الايبوكسيات – الريزينات.
المرحلة الثالثة
وهذه مرحلة تشمل تشييد المبنى الرئيسى على مساحة إجمالية 108 ألف متر مربع، وبدأت تلك المرحلة عام مارس 2013، وتتضمن بناء مبانى المتحف وصالات العرض المتحفى، ومتحف الدارسين والعلماء، ومركز الاجتماعات والمسرح، والسينما ثلاثية الأبعاد، والمكتبة الأثرية، ومتحف الطفل، ومتحف ذوى الاحتياجات الخاصة، ومركز الوسائط المتعددة، والمركز الثقافى والتعليمى، ومركز الحرف والفنون التقليدية والمنطقة الترفيهية والاستثمارية، والحديقة المتحفية والحدائق الترفيهية والمسار السياحى الثقافى لربط المتحف بهضبة الهرم، وهى المرحلة التى يجرى بها العمل حاليًا، حيث يتم افتتاح جزئى فى نهاية 2018 بعرض مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة ما يزيد على 5000 قطعة أثرية حيث كان المعروض منها بالمتحف المصرى بالتحرير 2006 قطعة فقط – إلى جانب الدرج العظيم، والذى يضم 87 قطعة أثرية كبيرة وثقيلة تشمل "تماثيل لملوك مصر الفرعونية – مجموعة من العناصر المعمارية – مسلات أعمدة و بوابات حجرية – لوحات حجرية كبيرة"، على أن يتم الافتتاح النهائى للمشروع فى 2022.