خالد صلاح يكتب: لم أكن أعرف أننا فقراء

الثلاثاء، 10 أبريل 2018 10:29 ص
خالد صلاح يكتب: لم أكن أعرف أننا فقراء الكاتب الصحفى خالد صلاح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
 
كانت أمى تطلب أن نفكر دائمًا فى الفقراء حولنا، وننظر للنعم الوفيرة التى منحها الله لأسرتنا الصغيرة، كنا نظن من فرط ما سمعناه من كلام عن الغلابة والعطف على البسطاء من الناس أننا أغنياء ميسورون لا ينقصنا شىء، نسافر فى رحلات بالأتوبيس إلى بورسعيد لنشترى بنطلونى جينز، ونفرح بهذه الفاكهة الغريبة الحمراء لذيذة الطعم، كان اسمها «تفاح أمريكانى»، تشترى أمى ثلاث تفاحات ونأكلها بكل نهم «كل اتنين واحدة»، قبل أن نفتش فى «البالة» على جاكت شتوى يناسب البناطيل الجينز.
 
كنا نظن من فرط فرحتنا أننا أغنياء، فمن غيرنا يسافر إلى بورسعيد ويحظى بهذه الفرحة من أهل إمبابة؟ ومن غيرنا يأكل فراخ الجمعية يومين فى الأسبوع، ويذهب إلى سيدى بشر وميامى والعصافرة، سبعة أيام كل سنة فى غرفة صغيرة بشارع متفرع من خالد بن الوليد، نفرح بالبحر حتى نتمنى لكل العالم من حولنا أن يفرح فرحتنا، وأن ينعم بهذه السعادة مثلنا؟
 
لم أعرف أبدًا أن أمى فقيرة إلا حين كبرنا، لم نشعر يوما بأن أسرتنا تنتمى إلى محدودى الدخل ومستحقى الدعم إلا بعد سنوات طويلة، عرفنا أن شقتنا الواسعة فى شارع الوحدة كانت لا تتجاوز الـ٥٥ مترا، لا أصدق كيف كان كل أهل البيت يشاهدون وصول السادات إلى القدس من صالة بيتنا عام ١٩٧٧؟! ولا أعرف كيف اتسع البيت لأفراح العائلة والإفطارات الجماعية فى رمضان؟!
 
لا أروى ذلك لإحياء ذكرى أمى الحبيبة، لا إطلاقًا..
 
أروى ذلك مندهشًا من جيل كامل من الموظفين الحكوميين ومن العمال البسطاء لم يعترف أصلاً بالفقر طالما منحه الله الصحة والستر، جيل كانت حياته البسيطة محل فخره لا موضع نقمته، جيل عاش حروبا عسكرية قاسية، وظروفا اقتصادية مؤلمة ولم يعرف الشامبو المستورد أو الكوكيز، لكنه كان يعتقد يقينا أن الفقر هو أن تمد يدك للتسول، وما دون ذلك فهو الغنى والرضا والسعادة.
 
لماذا كانت أمى وجيلها يحيون فى هذه النعمة؟!
ولماذا كان المجتمع رغم قسوة الحرب والفقر أكثر رضا واستقرارا؟!
إجابتى المتواضعة.. هو دور الإعلام والسينما والدراما..
 
السينما التى جعلت كبرياء فاتن حمامة وعفتها فى فيلم «سيدة القصر» أهم من القصر وأمواله، كان حلم فتيات هذا الجيل التعليم والعمل، مثل فاتن فى السينما، فاتن التى تجبر أهل الزمالك أن يصعدوا إلى السطوح فى بولاق ليخطبوا بنت العفة والكرامة والسعادة الفطرية إلى ابن القصور على الضفة الأخرى من النهر.
الميديا، والمدرسة..
 
أن تحب ليلى مراد الضابط أنور وجدى فى فيلم غزل البنات، تحب الفداء والكفاح، أن يكون العمل هو الأساس فى التقييم، أن تكون السعادة فى انتظار درية شرف الدين فى نادى السينما يوم السبت، الفيلم الذى يعقبه الحوار والنقد والرؤية، أن يتعلم الناس، وأن تتأسس القيم.
 
الإعلام الذى يحتفى بالشعراء على الشاشة، التليفزيون الذى يعرض حفلات الموسيقى العربية، والعالم يغنى، هذا الترفيه المدروس، وهذه السينما الممتعة التى لم تحرم الناس من الترفيه رغم ما تقدمه من قيم..
والمدرسة التى لم تميز بين الناس حسب الفقر والغنى، المريلة الموحدة، والكتاب الواحد، لا الشتات بين المناهج والمدارس ومستويات التعليم..
 
لكل هذا الوعى والتعليم والإعلام لم تكن أمى نفسها تعرف أنها فقيرة، نحن عرفنا لاحقا، حين عشنا فى عصور اختلت فيها هذه القيم، وتبدلت فيها المعايير، وصار الوعى يصنعه الـ«إنستجرام»، والثقافة فى عهدة الـ«فيس بوك»، و«الميديا» تحت رحمة من يدفع فواتير الإعلانات..
 
الآن يا أمى نعرف أنك كنتِ غنية
وأننا صرنا فقراء
 ستبقى مصر من وراء القصد
 


 


 
 

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري اصيل

تمام استاذ خالد

فعلا انا مع استاذ خالد صلاح فيما ذكره فانا واخرين كثيرون في مثل هذه الحاله وجيل الوالدين تحملوا هموم الوطن وفعلا السينما والاعلام لهم دور عظيم الان للاسف سينما اسفاف واجرام ومخدرات وسخط على مصر وتسفيه من كل ما هو وطني رجاء ان نستيقظ اعتقد ان ذلك مقصود اما عن قصد وخيانه مدفوعه من البعض او عن جشع او عن جهل فكلاهما نتيجته واحده ما نشاهده في الدراما التركيه كل ما هو جميل عن تركيا وكانها جنة الله واما سينما واعلام مصر ينهشو في لحمها باسم الواقعيه وكان كل مصر مخدرات وابراهيم الابيض وعبده موته حسبي الله في كل من يشوه مصر

عدد الردود 0

بواسطة:

رءوف

رائــــع

من اروع المقالات التـى قرأتهـا منذ فتره طـويله

عدد الردود 0

بواسطة:

أبورضوى

السؤال الأهم

يا أستاذنا كل الأحترام لك ولمقالك الرائع لكنك لم تسأل السؤال الأهم وهو هل كان هذا التحول عن عمد أم أنه محض الظروف

عدد الردود 0

بواسطة:

حمدى حبيب

المقارنه لا تجوز

المرحله التى كانت تعيشها امهاتنا تختلف عن المرحله التى نعيشها الان فالمجتمع منفتح و سيجد ابنائنا عالم متطور و يستمتع بامكانيات عاليه و علينا ان نعلمه قيمة العمل و الاحتفاظ بالمبادئ و كيفية الحفاظ على الوطن من خلال انتقاء الموضوعات الهادفة فى السينما و المسرح و كذلك الاغانى مع الحفاظ على دور المدرسه و المنزل

عدد الردود 0

بواسطة:

MAGDY

إعتراف بالواقع

صدقت فيما ذكرت لكنك لم تكمل إعتراف بالحقيقة فقد إختفت القيم والأصول التي ترعرعنا عليها وكلنا شركاء في هذا الإخفاق والتردي سواء الأباء والأمهات أو وسائل الإعلام كافة والسينما . لقد إختفت مصطلحات القناعة والرضا وحب الخير للآخر من مرادفات الحياة الآن ونشأ جيل ممسوخ بفضل السينما والمواقع الألكترونية التي تحتوي على كافة وسائل الإبهار وعدم إعتراف بالواقع للأسف

عدد الردود 0

بواسطة:

Medhat

شابووو استاذ خالد

مقال رائع ويبرز فترة من حياتنا كانت عنوانها البساطة والرضا.. لكن يبدو ان الميديا ووسائل التواصل جعلت الجميع ينقم علي حاله

عدد الردود 0

بواسطة:

أشرف محمد سيد

شعب مصر

فعلا ياأستاذ خالد نحن كنا اغنياء فى تعليمنا فى ثقافتنا فى وحدتنا وفى اعلامنا وفى حب حكومتنا لنا فلحد كبير كانت هناك العدالة بين الشعب اما الان بالتحديد عند ظهور جمال وعلاء مبارك وقرينة الرئيس السابق حسنى واستيلائهم على الحكم وظهرت الفوارق الكبيرة جدا بين الشعب فغابت العدالة وظهر الجشع واصبع هناك غنى فوق العادة وفقير لايملك من الامر شيئ وترتب على ذلك ماترتب من سلبيات وعشوائيات فى كل شيئ . وحسبى الله ونعم الوكيل

عدد الردود 0

بواسطة:

بركة

إنه ماسبيرو .. إنه الإعلام !!!!

كنا نتغذى على القصائد الكبرى رغم تواضع الثقافة .. لكن ارتقينا مع الكلام البليغ واللحن الخالد .. كان هناك حسن الشجاعي لايسمح لغير الموهوب بالمرور في الشارع أمام ماسبيرو حيث الجلال والنغم الخالد والسنباطي بيتهوفن كل العصور .. الآن تقفز القردة داخل ماسبيرو وتقدم الإذاعة الجعير والصخب بدعوى الفن الحديث .. لم تعقد قناة فضائية واحدة ندوة واحدة عن رياض السنباطي ولاتفكر وإن فكرت لاتوجد مستويات لادارتها ومناقشة الأعمال الجبارة للعملاق .. مع رياض السنباطي تعلمنا الترفع عن الصخب .. تعلمنا الرضا .. العمل ( قوم بإيمان وبروح وضمير ) قصيدة السودان .. لو أذيعت لما انفصل السودان عن مصر .. قصيدة طلعت حرب لم تذاع ولو مرة واحدة في التاريخ !!!!!!! .. تخريب متعمد .. .. أفرجوا عن الكنوز .. يعود الرضا والاستمتاع والتذوق ويختفي القبح !!!!!

عدد الردود 0

بواسطة:

أحمد عبدالقوى

لم اكن اعرف اننا فقراء

المقال ممتاز وشيق وعظة وحسرة وتفائل واحياء لقيم هدمة

عدد الردود 0

بواسطة:

بركة

دعونا نسأل هذا السؤال .. ؟؟؟؟

لو ان هناك سيناريو لفيلم او مسلسل عن ( الدعارة والتحرش والمخدرات والانحطاط الأخلاقي والبذاءات والسوقية ) .. لوجدنا الممولين بمئات الملايين واقفين طوابير وبيتخانقوا على تمويل هذا العمل المدمر .. ولو توفر سيناريو لكتاب كبار عن ( قيم اجتماعية وشخصيات تاريخية وأمجاد مصرية ) لوجدنا الاختفاء التام لكل المنتجين والممولين ولو ذهبنا إليهم لادعوا الفقر وأنهم على باب الله وتجوز عليهم الصدقة وينتظرون موائد الرحمن في رمضان بفارغ الصبر !!!! .. مجرد سؤال .. ؟؟!!!!!

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة