خالد صلاح يكتب: منظمات حقوقية بأموال مصرية

الخميس، 12 أبريل 2018 10:48 ص
خالد صلاح يكتب: منظمات حقوقية بأموال مصرية خالد صلاح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
الإعلان العالمى لحقوق الإنسان هو أحد أهم المنجزات الحضارية والتقدمية عبر تاريخ البشرية، لا جدال فى ذلك، لكن المشكلة الدائمة أن كل الأفكار الجميلة، وقيم التحضر التى تميز الإنسان عن كل كائنات الله، تتحول من دروع للرحمة إلى مطارق للبطش. 
 
لا شىء يعبر عن قيم الإنسانية أروع من كل المواثيق الدولية التى أسست لثقافة حقوق الإنسان فى العالم، ورسخت قيم حماية البشرية من الاستبداد والقهر والديكتاتورية والتعذيب، وحماية كرامة الإنسان وحريته الشخصية فى الفكر والاعتقاد والتعبير، لكن لم تشهد البشرية أسوأ من الاستخدامات السياسية لهذا المنجز الحضارى فى صراعات السياسة والسلطة والاستعمار العالمى. 
 
القوى الأعظم فى العالم أدمنت التجارة بتلك القيم، والبلدان الأكثر غلظة فى قوتها العسكرية سعت على الدوام لفرض سياساتها على الدول الأضعف، أو تحقيق مصالحها القومية رغم أنف أمم الأرض تحت مسميات حقوق الإنسان، ثم تحولت عمليات تمويل النشاط الحقوقى إلى تجارة لمن يعرف أسرار هذه الصنعة، كيف تحصل على أموال أكثر، وتخدم أهدافًا أكبر، دون أن تتورط فى تخابر، أو تسقط فى قضية عمالة، ودون أن يسقط عنك وعن منظمتك «التجارية» قناع العمل الحقوقى. 
 
هذه القيم العظيمة، وهذه المنجزات الحضارية تدنست بالأيدى الاستخباراتية التى تلعب من وراء ستار، ومن تجار أقوات الناس، ومن محترفى إسقاط الأمم وتفتيت الدول. 
 
أنت تعرف، كما أنا أعرف، أن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية فى هذا الملف العظيم، كانت دائمًا سلعة بين الأجهزة الدولية، وذريعة لتدخلات الأقوياء فى شؤون الضعفاء، وفرصة لتجارة رابحة، وغاية لمن يحلمون بالثراء السريع السهل عبر التمويلات الدولية. 
 
لكننى، ورغم هذا الواقع المخيف للمنظمات والتمويلات والأجهزة، أقف قليلًا لأسأل نفسى، هل يمكن للشعوب أن تدير ظهرها لهذا التراث الإنسانى والحقوقى الرائع، وهذه الحماية للحريات والأفكار والاعتقاد، وكل هذه الضمانات الدولية للبشر من كل لون وعرق وجنس، لمجرد أن تجار الأجهزة الاستخباراتية لعبوا بعقول العالم، وارتدوا أقنعة المنظمات الحقوقية؟ 
 
الإجابة فى اعتقادى هى.. لا طبعًا، لا يمكن.
 
البشرية لم تنجز قيمًا أرفع من ذلك، لكن تطبيقها كان دائمًا هو المأساة، تمامًا كما فعل تجار الدين بالرسالات السماوية، فحولوها من مظلة للرحمة والغفران والعفو، إلى آلات للقتل وسفك الدماء ونهب أموال الناس بالباطل، وإذا كانت الأديان نفسها قد خاضت هذه التجربة الأليمة، فما بالك بالمواثيق الإنسانية الوضعية، وإذا كنا نؤمن بأننا ينبغى علينا حماية الدين، فإنه علينا أن نؤمن كذلك بحماية الإنسانية، فحماية الإنسان هى ركن أصيل لكل دين، «صون النفس فى الدين الإسلامى مقدم على ما دونه من قيم وأفكار مثلًا».. 
 
ومن هنا فإن علينا أن نفكر على الصعيد الوطنى، كيف يمكن أن نحقق معادلة التوازن، بين حماية الأمة من مخاطر تجار حقوق الإنسان، وبين حماية حقوق الإنسان نفسها، واحترام الإعلان العالمى، وتقدير المواثيق الدولية فى هذا الشأن.
 
ولا أجد سبيلًا لذلك سوى «محلية التمويل» لوقف التمويل الأجنبى، فإذا كانت لدينا التشريعات المناسبة، والإرادة الصادقة، والمؤسسات المالية الجادة التى تحترم الإنسانية وتقدس حقوق الإنسان بالفعل، فيمكن لبلادنا أن تشهد نشأة منظمات حقوقية بتمويل مصرى، يؤكد احترام هذا البلد لهذا المنجز الحضارى، ويحمى هذا البلد من أقنعة الزيف التى تتستر بهذا المنجز الحضارى. 
والله أعلى وأعلم. 
 مصر من وراء القصد
 

 

 

 

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة