على رأس كل مائة عام إمام يجدد للأمة دينها، لتصحيح الطريق إلى الله، لا تبديل لدين الله بل تجديدا لفهم النص، وتقديم الوجه الصحيح بشرح معبر لبواطن النصوص بعيدا عن الفهم الظاهرى المبتور الجامد، فكان للأجيال المعاصرة نصيب من ينبوع العلم الوسطى الشيخ المجدد محمد متولى الشعراوى الذى قدم قراءة متأنية لكتاب الله فى خواطره الإيمانية ليربط به على قلوب البسطاء، وتذكره الأمة فى ذكرى ميلاده الـ107.
رجل يؤمن بتجانس العلم وضرورته فى الإيمان ويرفض تغييب العقل أو توغله وصولا لرفض الروحانيات
الإمام المجدد محمد متولى الشعراوى، الذى ارتبط اسمه بكتاب الله، وانعكست عليه بعض من قيم الكتاب الكريم فوهب جلالا فى النفوس، ووقار، ومحبة على قدر إجلاله للكتاب ومحبته له وبذله له ليتحول هذا العالم إلى أيقونة ونموذج سماحة، جعلته مترجما للغة القرآن الكريم بلهجة تنفذ إلى القلوب، تعلو غبش جمود مدعى العلم الذى يبتذلون النص المتسع إلى نطاق ضيق حسب فهمهم وتقديم الإسلام على أنه مجموعة أوامر ونواهى وحدود عقابية، وليس على أنه ترقية للنفس وتكريم وشعور يبحر بالنفوس فى رياض الله متأملا فى ذاته متحققا فى الفلسفة الإيمانية للإسلام الذى يخاطب العقول والقلوب فتسلم له الجوارح، بينما يتبنى المتشددين خطاب موجه إلى الجسد والجوارح (افعل .. لا تفعل .. وإلا عاقبتك) بينما يخاطب الشعراوى وأصحابه عقول وقلوب ووجدان آدم المتحقق بآدميته بمبدأ (أينما تولوا فثم شرع الله)، وامتاز الشعراوى بقبوله بتفسيرات العلم التجريبى بل واستخدامها فى شرح كتاب الله مع قبول الروحانيات فى تجانس دون توغل طرفا على الآخر.
تمكن من تعديل طريقة تناول النصوص القرآنية ومواجهة التشدد
وتمكن إمام التجديد أن يعدل كثيرا فى معجم مصطلحات الدعوة وأن يضع خطوطا حمراء تحت تفاسير (الترجمة الجزئية الظاهرية) التى تقدمها جماعات ذات خطاب متحجر، ويمحو كثيرا من اسماء مدعى العلم بترجمة وتفسير روح النص فى ميزان الكتاب والسنة ويسكت جهلة فقه الدليل من محترفى بث روح القتامة فى عرض الدين.
وسيرة الإمام المجدد لمذهب أهل السنة حافل بمساجلات فردية بمبادرة تفسيره منه فوق مستوى المناظرة والمقارنة، امتاز خلالها فى مدرسة الوسطية، وقدم خواطره الإيمانية كالطبيب الذى يتعامل مع الإنسان كروح وليس كجسد، فلما استراحت الروح واطمأنت شعر الجسد بقيمة النعمة، بينما يقدم المتشددة الإسلام كالطبيب الذى يتعامل مع الإنسان بمبدأ تشريحى يتعاملون فيه مع الجسد تقطيعا ووصلا وتشريحا بشكل جراحى.
رائد مدرسة لغة الجسد فى شرح كتاب الله لينفذ بالخطاب الروحى إلى نفوس البسطاء
ولد الإمام محمد متولى الشعراوى (15 ربيع الأول 1329 هـ / 15 أبريل 1911 - 22 صفر 1419 هـ / 17 يونيو 1998)، بقرية دقادوس التابعة لميت غمر بمحافظة الدقهلية، حيث هو أشهر مفسرى معانى القرآن الكريم فى العصر الحديث، وقد عكف على تفسير القرآن الكريم بطرق مبسطة وعامية تمتاز بالأداء الحركة والجسدى خلال شروحه الناطقة بالمعانى الجمالية لدين الله، مما جعله يستطيع الوصول لشريحة أكبر من المسلمين فى جميع أنحاء العالم العربى، لقبه البعض بإمام الدعاة.
أبرز خبير تنمية بشرية وسلوكية يتربع على عرش الدعوة 100 عام منفردا
وامتاز إمام الوسطية بتقدم شرح الإسلام فى تفسير كتاب الله بتقديم كل العلوم الإسلامية، والتنمية البشرية بطريقة مختلفة تصل إلى العامة مع توظيف لغة الجسد بكل حواس الإمام، مع معالجة بعض القصور فى السلوك الإيجابى ليمتاز كداعية شامل وعالم موسوعى، وفيلسوف إسلامى، وخبير تنمية بشرية، ومنظر فاق جلسات المواجهة بتنظيره الفردى فوق مستوى التنظير ليقدم نموذجا فريدا استحق به الامتياز الإلهى أن يظل على عرش الدعوة قرن من الزمان كإمام ومجدد وأبرز خبير تنمية بشرية وتعديل سلوكى.
ابتسامة اليقين
صغير القرية يصحح أبصار العالم فى قراءة النص المقدس بلغة تليق بكلام الله
تمكن الشعراوى الإمام الذى خرج صغيرا حديث السن من قرية منغلقة تشرب من أدبياتها أن يصحح أبصار العالم فى قراءة النص المقدس الفائق لفهم الجماعات المبتورة العقول، ليترك الأمة مطمئنة على دينها بعد تيقنها بثبوت غبش وجهل المضللين، وحسن توجه الناس على طريق الله ببساطتهم دون تكلف المدعين.
محنة فقد شقيقه الأوحد تفرده لله لينتصر لدماء الناس متنازلا عن دم أخيه
وشاءت إرادة الله أن يفرد الشعراوى الابن ببنوته لوالده بعد وفاة شقيقه الأوحد حتى لا ينشغل عن ربه إلا بالعمل فى محراب دينيه، مفسرا ومعلما، وموجها ومربيا، ومجددا على رأس أمة بعمر قرن من الزمان تدور حوله الأسماء حبا وطعنا لا يتذكر أحد إلا الإمام وعلمه مع تساقط كل من يشككون فيه من ذاكرة التاريخ ومن عقول الناس، وبوفاة شقيقه يتعرض لأكبر اختبار فى التخلى عن الانتصار للنفس بأن ينتصر لله بحقن دماء أهل القرية حتى يحى الناس جميعا بالتصالح فى دم أخيه عفوا وإغماده سيف الانتقام من ساعد أبيه.
احاديث_الشيخ_الشعراوى
تزوج محمد متولي الشعراوى وهو فى الثانوية بناء على رغبة والده الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، لينجب ثلاثة أولاد وبنتين، الأولاد: سامى وعبد الرحيم وأحمد، والبنتان فاطمة وصالحة. وكان الشيخ يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين والمحبة بينهما.
الثائر الحق مارس السياسة 3 مرات ثائرا على الفساد والاحتلال ووزيرا ليبنى الأمجاد
وفي نوفمبر 1976م اختار السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته، وأسند إلى الشيخ الشعراوى وزارة الأوقاف وشئون الأزهر. فظل الشعراوى فى الوزارة حتى أكتوبر عام 1978، ليمارس السياحة للمرة الثالثة فى تاريخه، الأولى لعب فيها عن قناعة دور الثائر الحق لكرامة الأزهر والشيخ المراغى الذى كانت السلطة قد تغولت عليه فثار ليزيل الفساد ليقضى جزءا فى الحبس، والمشاركة الثانية كانت ضمن السلطة وزيرا بعد أن امتاز بالهدوء والخبرة ليبنى الأمجاد، والمشاركة الثانية له حيث كان يتوجه وزملاؤه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقى بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934.
اعتبر أول من أصدر قراراً وزارياً بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو بنك فيصل حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية (د. حامد السايح في هذه الفترة)، الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك.
وتولى الإمام المجدد كل أو معظم المناصب الدينية والإدارية والوظيفية فى حياته وغادر منصبه كوزيرا للأوقاف لينشغل بتقديم خواطره الإيمانية منذ عام 1980 إلى أن وافته المنية فى عام 1998مقدما خير ميراث عن النبوة وهو تفسير كتاب الله عزوجل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة